العدد 1483 - الأربعاء 27 سبتمبر 2006م الموافق 04 رمضان 1427هـ

هل للجهاد من بدائل... نظرة تاريخية لأسباب 11 سبتمبر

وليد فارس هو باحث بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ويعمل أيضا خبيراً لشئون الإرهاب وقضايا الشرق الأوسط بشبكة MSNBC الأميركية. ويقوم فارس بتدريس موضوعات شرق أوسطية والنزاعات الدينية والعرقية في جامعة فلوريدا أتلانتيك، كما ألف عدداً كبيراً من الكتب والمقالات والبحوث التي تركز على ظاهرة الإرهاب وقضايا الشرق الأوسط.

يحاول وليد فارس من خلال هذا الكتاب المكون من 17 فصلاً تفسير ما يصفه بظاهرة الإرهاب القادم من العالم العربي والإسلامي ودوافعه انطلاقاً من مفهوم الجهاد وخلفيته الدينية والتاريخية، وذلك بأسلوب أكاديمي يعتمد على الملاحظة والتحليل والبحث واستخدام خبرته كأكاديمي عربي - أميركي، نشأ وترعرع في دولة عربية هي لبنان، ثم انتقل ليعيش في بلده الجديد الولايات المتحدة. وساهمت معرفته بالثقافتين العربية والأميركية، وإتقانه اللغتين العربية والإنجليزية في عمق وأهمية تحليلاته.

يسعى الكاتب من خلال هذا الكتاب إلى اطلاع الأميركيين والعالم الغربي على المبادئ الدينية والتجارب السابقة في التاريخ الإسلامي مثل معركة اليرموك ومعركة القادسية وغيرها من المعارك التي خاضتها الجيوش الإسلامية بأعداد قليلة وتكنولوجية بدائية مقارنة مع الجيوش والإمبراطوريات التي واجهتها والتي تستخدمها الجماعات الإسلامية في الوقت الراهن كحافز لحشد التأييد الشعبي لتبرير أعمالها الإرهابية. ويشرح فارس أنه قرر تأليف هذا الكتاب ردا على ما وصفه بإخفاق الغرب في إدراك مدى خطورة ذلك الإرهاب خلال التسعينات من القرن الماضي، ويقول عن ذلك الإخفاق إنه جعل العالم الغربي يفاجأ بشكل كبير عند وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة.

خصص وليد فارس مقدمة الكتاب للإشارة إلى تجربته كباحث أكاديمي وكمراقب يُدون ملاحظاته على مدى أكثر من عشرين عاما للحركات الإرهابية وتطورها خصوصاً الحركات الإسلامية التي تعتمد على مفهوم الجهاد كمفهوم محوري في ايديولوجيتها، وللإشارة كذلك إلى تجربته، كشخص يعرف حقيقة تلك الجماعات ودوافعها والخطر الحقيقي الذي تشكله، لكي يشرح للأميركيين ما حدث أثناء هجمات الحادي عشر من سبتمبر وفي المرحلة التي تلتها.

يقول المؤلف إن مسألة التعرف على حقيقة الجهاديين ومآربهم وما يرغبون في تحقيقه تتطلب دراسة التاريخ المعقد لمفهوم الجهاد وتطوره عبر التاريخ منذ مطلع الإسلام إلى يومنا هذا والايديولوجية التي يعتمد عليها والتأثير الذي يحدثه في نفوس الناس.

ويضيف أنه يتعين التعرف على تاريخ التحالفات بين الجهاديين وأعدائهم عبر التاريخ. ويشدد على أنه من دون معرفة هذا التاريخ المعقد لن يكون بالإمكان تفهم العدو ودوافعه كما أنه لن يكون بالإمكان معرفة ما قد يحمله المستقبل في طياته من مخاطر.

الجذور التاريخية لمفهوم الجهاد

قام فارس بعرض الجذور التاريخية لمفهوم الجهاد في الإسلام ابتداء من عهد الرسول الأعظم (ص) إذ تمت إقامة الدولة الإسلامية، وأول جيش إسلامي في المدينة، وفي عهد الخلفاء الراشدين، إذ تم توسيع الحدود الجغرافية لتلك الدولة الإسلامية من خلال استخدام مفهوم الجهاد في سبيل الله. ويقول فارس إن القادة الإسلاميين استخدموا مفهوم الجهاد كمبرر ديني لحشد التأييد الشعبي لتلك الفتوحات والغزوات التي قامت بها جيوش المسلمين للدول والإمبراطوريات المجاورة من دون توقف تقريبا، إذ انطلقت من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وأخذت في الاتساع لتبلغ الحدود من الصين شرقا والمحيط الأطلسي غربا ومناطق في فرنسا شمالا. ويشير إلى أن الدافع الحقيقي وراء تلك الفتوحات والغزوات كان عسكريا و جيوسياسي، وأنه تم استخدام الدين لإضفاء الشرعية على تلك الحملات العسكرية التوسعية. ويقول إنه تم استخدام عبارة «الفتح» لهذا الغرض بدلا من تعبيرات مثل الاجتياح والاحتلال التي تحمل في طياتها دلالات سلبية، وتمنح للطرف الآخر الحق المشروع في الدفاع عن النفس ورفض الاحتلال.

ويشرح وليد فارس أن الجهاد الأكبر أي الجهاد في سبيل الله والأمة الإسلامية أصبح حينها واجبا مفروضا على كل مسلم، وأصبح بذلك ركنا سادساً ملحقاً بأركان الإسلام الخمسة، وبالتالي فإنه يقوم بدورين أولهما الدفاع عن الأمة الإسلامية من الأخطار والاعتداءات الخارجية، والثاني هو توسيع حدود الأمة ونشر الإسلام عبر العالم. ويقول «إنه لمجرد أن الجهاد تطور ليصبح واجبا دينيا قبل أربعة عشر قرنا، فإن المتطرف يدرك الشخص العربي والمسلم معناه الحقيقي لأن المفهوم واضح وبسيط. غير أنه في مقابل ذلك قام السياسيون والمثقفون في الولايات المتحدة بتطوير معنى معدل وجديد لمفهوم الجهاد وقاموا بإقحام هذا المفهوم الجديد في العقلية الأميركية. ويرجع فارس سبب ذلك، أي التقليل من خطورة مفهوم الجهاد، إلى محاولات جماعات الضغط والسياسيين الأميركيين للتقليل من خشية الأميركيين وتشجيعهم على التعامل مع الدول الإسلامية وخصوصاً الدول الغنية بالنفط. ويقول عن السبب في ذلك هو ما وصفه بتسلل الفكر الجهادي، إذ إن ذلك التسلل بدأ مع أموال الفكر التكفيري التي استهدفت عدداً من الجامعات ومراكز الأبحاث والمنظمات الدينية، وأشار إلى أن تلك الأموال التي تدفقت منذ السبعينات من القرن الماضي استطاعت بمساعدة بعض المثقفين تعتيم الصورة الحقيقية للجهاد والخطر الذي يمثله على الولايات المتحدة وعلى الغرب باعتبار أنهما يقعان في خانة دار الحرب. ويقول «من خلال تمويل البرامج التي كان من المفترض أن تعرف الطلبة الأميركيين على الشرق الأوسط وثقافته السياسية، كان المانحون يحكمون سيطرتهم على المعرفة».

ويوضح الكاتب أن مفهوم الجهاد طبيعي وبسيط من الناحية اللغوية بالنسبة إلى العرب والمسلمين، غير أنه بالنسبة إلى الغربيين وغير العرب وغير المسلمين تتطلب عملية إدراك المعنى الحقيقي للجهاد ودلالته وأبعاده بحثا أكاديميا معمقا ومعقدا، لأنه يحتاج إلى ترجمة ثقافية وليس الاكتفاء بالترجمة اللغوية. ويضيف وليد فارس أن هنا يكمن التحدي لأن المترجم قد يقوم غير راغب أو غير قادر على ترجمة المعنى الأساسي والعميق للمفهوم. ويضيف «إننا في الغرب كنا ومازلنا تحت رحمة أولئك الأشخاص الذين من المفترض أن يقوموا بترجمة وشرح ايديولوجية بكاملها، غير أنهم قاموا بتعقيمها وتمويهها. والأمر ذاته ينطبق على الجانب الآخر، ففي الثقافة الغربية يتم تدريس مفهوم الديمقراطية في المدارس غير أنه مفهوم معروف تاريخيا. وتعتمد الترجمة الثقافية لمفهوم الثقافة الإسلامية والعربية على الجهة التي تقوم بالترجمة. ففي تلك الثقافات تم تعقيد وتحريف المعنى الحقيقي للديمقراطية في المدارس الدينية أو من قبل أساتذة معادين للديمقراطية».

البديل عن الجهاد وخطط مكافحة الإرهاب

يعتقد وليد فارس أن حل مشكلة الإرهاب القادم من العالم العربي والإسلامي والمتمثل في تصرفات وأفكار الجهاديين يكمن في تغيير العقلية والظروف الثقافية والاجتماعية التي يترعرع فيها، ولذلك يشدد على أن التغيير يجب أن يحدث في منبع تلك الايديولوجية أي الشرق الأوسط والدول الإسلامية. ويقول إن الوسيلة الكفيلة بالتصدي لهذا الخطر المحدق لا تقتصر على العمليات العسكرية وجهود مكافحة الإرهاب بل يجب أن تشمل تشجيع إحداث تغييرات اجتماعية وثقافية داخل الدول الإسلامية.

يختم وليد فارس كتابه بتقديم توصيات لمكافحة الإرهاب والتصدي له من جذوره، ويقول إنها حرب طويلة ليست على ساحة المعركة فحسب، بل هي حرب أفكار، ويقول إنه يتعين إحداث تغيير ملحوظ في البرامج التعليمية والتربوية الأميركية لكي تتم إزالة الغموض وينقشع الضباب الذي تسبب فيه «المال التكفيري».

ويقول إنه يتعين على رئيس الولايات المتحدة والكونغرس والزعماء والقادة في العالم العربي والإسلامي ومن دون أي تحفظ وصف الجهاد الذي يلوح به المتطرفون على أنه عدو للسلام العالمي. ويقول فارس «إنها فعلا حرب ضد الإرهاب، لكنها أيضاً حرب ضد ايديولوجية الجهاد التي تضفي الشرعية على الإرهاب وتقوم بإنتاجه».

ويقول إنه يتعين استصدار قوانين صارمة تجرم الجهاد والداعين له، بالإضافة إلى تبني الدول الغربية التي تضررت منه لمفهوم موحد للجهاد. أما الدول العربية والإسلامية فيقول فارس إنها توجد في موقع أفضل للتصدي للجهاديين والمتطرفين لكونها تتحدث لغتهم وتنطلق من ثقافتهم نفسها.

ويدعو فارس إلى ضرورة دعم ومساندة المعتدلين في العالم العربي والإسلامي ودعم مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز الديمقراطية ودعم أنظمة الحكم الديمقراطية التي تدعو للتعددية.

وتتعرض فصول الكتاب تفصيلاً إلى الاستراتيجيات التي تتبعها الجماعات الإرهابية الجهادية ضد الولايات المتحدة، ويتناول الفصل الثالث عشر تصوراً عما قد تستطيع الجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة بالإرهابية القيام به في المستقبل.

اسم الكتاب: مستقبل الجهاد: الاستراتيجيات الإرهابية ضد أميركا

Future Jihad: Terrorist Strategies Against America

المؤلف: وليد فارس

دار النشر: Palgrave Macmillan

عدد الصفحات: 28

العدد 1483 - الأربعاء 27 سبتمبر 2006م الموافق 04 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً