من الأمور التي تثير العجب أن يضطر المرء إلى الدفاع عن قاعدة يفترض أن يتفق عليها جميع عقلاء الناس مهما تكن دياناتهم أو اتجاهاتهم الفكرية، هذا إذا كان هؤلاء لا ينتمون إلى دين الاسلام الذي أمر اتباعه بالحشمة مهما تكن أجناسهم. أما المسلمون فمن المستغرب أن يظهر فيه من يهاجم الحشمة ويعتبرها جزءاً من الماضي وأنها أيضاً لا تتفق مع حرية الانسان وتصادم اختياراته.
لقد استغربت كثيراً الهجوم العنيف الذي شنه بعض الكتاب في صحف البحرين على ما سمي بـ «قانون الحشمة» الذي وضعته جامعة البحرين لطلبتها وطالبتهم فيه بأن يلبسوا ملابس محتشمة.
لقد وصف البعض هذا القانون بأنه جائر وبغيض وبأنه سيؤدي إلى انقسام المجتمع واحترابه، والذي يقرأ هذا الكلام وهو لا يعرف البحرين سيتخيل له أن أهلها لا يمتون إلى الاسلام بصلة وأنهم بعيدون عن معرفة المآسي التي تحدث في أوساط الطلاب في الجامعات بسبب الاختلاط وقلة الحشمة.
أهل البحرين مسلمون وهم في الجملة متمسكون بإسلامهم، ومن البديهي في دولة أهلها مسلمون أن يحكمها الإسلام وأن يتقبل أهلها هذه الأحكام بالقبول والمؤازرة.
الأديان كلها في أصلها تدعو إلى الحشمة وما يحصل اليوم في تلك المجتمعات غير الاسلامية والإسلامية أيضاً هو خروج على أصل الدين الذي يؤمنون به، والحشمة عودة إلى الدين الصحيح الذي يصب في مصلحة المجتمع.
الحشمة التي دعت إليها جامعة البحرين، - كما أفهم - قاصرة على الجامعة وحدها وليست مفروضة على المجتمع كله، وكلنا يعرف أن أي جامعة هي مكان لتلقي العلم والأخلاق والآداب، ومن واجب الجامعة - أي جامعة - أن تحرص على هذه المبادئ وتلقنها طلابها،، وإذا كنا منصفين - مهما تكن اتجاهاتنا - فإننا نعرف حجم الفساد الأخلاقي بين طلاب الجامعات المختلفة ليس في البحرين وحدها - وقد تكون البحرين من أقلها - ولكن في كل الدول العربية والذي يقرأ صحافة تلك الدول يعرف حقيقة ما أقول... ان واجب الجامعة أن تحمي طلابها - قدر الامكان - من الوقوع في المزالق الخطيرة التي أجزم بأن جميع الأسر ترفضها وتحاربها ولا تحب لبناتها أن تقع فيها... والمنصف - أيضاً - يعرف ن الحديث عن الوازع الداخلي والثقة بالنفس لا يكفي لحماية الشباب بل قد لا يكفي أحياناً لحماية الكبار وانظروا إلى الواقع لتعرفوا حجم المشكلات والمخالفات الأخلاقية التي توجد في كل المجتمعات الاسلامية بسبب الاختلاط وقلة «الحشمة».
بعض الكتاب البحرينيين حاول الربط بين قانون «الحشمة» وبين الواقع السياسي الذي تعيشه البحرين، فاعتبر أن هذا القانون جاء بدافع من الدولة لتيار اسلامي لكي تحارب من خلاله بقية التيارات السياسية الأخرى وأن هذا التيار يتهم الآخرين بالفسق والفجور والكفر وأنه يخطط لتغيير المجتمع ولو بالقوة عن طريق شرطته الدينية التي سيشكلها.
لست أدري عن أي تيار يتحدث، وما علاقة الحشمة بذلك التيار أو سواه لكني معه في أنه لا يجوز تكفير الآخرين، هكذا اعتباطاً وأعرف أن البحرين لا تسمح بتشكيل شرطة دينية أو سواها، وبالتالي فإن المبالغة في تخيل أشياء مستحيلة الحدوث للتعبير عن رفض الحشمة أمر غير مقبول.
إن دولاً كثيرة - عربية وأوروبية - بدأت تعلن حجم الخسائر الاخلاقية بين شبابها بسبب الاختلاط والعري وما يحدثه ذلك من فساد أخلاقي يقود إلى تدمير الشباب ومن ثم إلى تدمير المجتمعات... ولعله أصبح من المعروف أن أميركا بدأت منذ فترة في إيجاد جامعات مستقلة للبنات، وقالت إن هذه الجامعات أثبتت نجاحها وتفوقها بسبب عدم الاختلاط، وعدم الاختلاط نوع من الحشمة كما نعرف.
قد يقول البعض ان المفاسد الأخلاقية موجودة في كل المجتمعات، وموجودة في جامعات البنات الموجودة في بعض الدول مع الاحتشام المفروض على الطالبات. أقول نعم هذا موجود وليس هناك مجتمع معصوم ولكن الفارق في نسبة المفاسد بين مجتمع وآخر بسبب قلة الاحتشام أو عدمه أحياناً.
لعل رمضان هو شهر التغيير في حياة الأمة المسلمة يكون بداية انطلاق حقيقية لتغيير واقعنا إلى الأفضل، ولعله يكون طريقاً لتغيير شهوات النفوس لتسمو إلى الأعلى دائماً، ولعله - أيضا - يذكرنا أننا أمة مسلمة مهما اختلفت أفكارنا وأن الاسلام وحده هو الذي يجب أن نحتكم إليه في شئون حياتنا... ويوم أن تتعمق هذه المفاهيم في حياتنا سنجد أن الحشمة في كل حياتنا مطلب نعتز به وندعو إليه ونقبله راضين مطمئنين إلى نتائجه الحسنة في حياتنا
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1482 - الثلثاء 26 سبتمبر 2006م الموافق 03 رمضان 1427هـ