حسناً فعلت إدارة سينما السيف بسحب فيلم «الرغبة الأساسية» من العرض وذلك لسببين: الأول فكرة الشريط السينمائي التي تقوم على موضوع الاغراء وعلاقته بالجريمة. والثاني أن الرقيب تكفل بتقطيع أوصال الفيلم إلى درجة لا يفهم المشاهد منه الا شذرات من هنا وهناك وبالكاد يستطيع ربطها لتشكيل تصور عن معناه وأهدافه.
الفيلم الآن سحب من التداول. وهذا الأمر يساعد على تقديم فكرة عن الشريط السينمائي في إطار عام يلامس الجوانب المعقولة منه. فالرغبة الأساسية تتحدث عن امرأة مريضة نفسياً وتعتقد أنها تملك من الفتنة ما يكفي لاغراء أي رجل والايقاع به وثم قتله أو توريطه في جريمة لا لسبب وجيه وانما لتأكيد الذات واختبار القدرة على إثبات الإرادة.
هذا النوع من المرض النفسي يتحول إلى مشكلة لأن الطرف المعني بها لا تظهر عليه العوارض، بل يتمتع باحساس عال وذكاء وقدرة على الاحتيال والتكيف إلى درجة لا تستطيع الشرطة إثبات التهمة حتى الأطباء لا يملكون الوسائل التي يستطيعون استخدامها لتأكيد المرض.
الممثلة شارون ستون تلعب دور هذه المرأة. المرأة تكتب روايات بوليسية واقعية ومعظم قصصها حصلت ونجحت في تسجيلها بالتفصيلات الدقيقة. ونجحت ستون في تقمص هذا الدور سواء في الجزء الأول الذي تم تصويره في سان فرانسيسكو وثم في الجزء الثاني الذي جرت وقائعه في لندن.
يبدأ الجزء الثاني من جريمة قتل تتهم فيها هذه الشقراء ولكنها تنجح في اقناع الشرطة بأنها ليست الشخص المقصود. وفي قاعة المحكمة يشهد طبيب نفسي ضدها ويقوم بتحليل شخصيتها ليؤكد أنها تشكل خطراً على المجتمع ولابد من سجنها بسبب إصابتها بمرض جامح تصعب السيطرة عليه.
تقرر المحكمة سجن المتهمة إلا أنها تنجح مستخدمة علاقاتها واتصالاتها في الافراج عنها بكفالة. وبخروجها من السجن تبدأ ورطة الطبيب النفسي الذي شهد ضدها حين تأخذ بمطاردته بذريعة أنها مريضة وتريد الشفاء بإشرافه.
من هنا تبدأ الحيل بالظهور وتضيع الكثير من المشاهد بسبب مقص الرقيب. فهناك جرائم تقع لا يعرف كيف. ودائماً هناك شبهة ما تشير إلى هذه الشقراء ولكن من الصعب إثبات التهمة عليها. فكل جريمة تقع هناك أكثر من مستفيد منها وأكثر من متضرر. ولذلك كان من الصعب على الشرطة ضبط هذه الشقراء، الجرم المشهود في حين تؤكد الوقائع دائماً أن هناك أكثر من خيط يتجه إلى شركاء غيرها.
وتبقى الجرائم تقع واحدة بعد أخرى ولا دليل على وجود إثباتات دامغة تؤكد أن الحسناء هي من يقف وراء صنعها وذلك للسبب نفسه وهو وجود أكثر من طرف له مصلحة في حصول الجريمة.
شخصيات الفيلم تتألف من خمسة عناصر. أولاً الحسناء (المتهمة الدائمة والبريئة الدائمة). وهي روائية تعمل على تأليف رواية جديدة أبطالها هؤلاء الذين تتلاعب بهم. ثانياً الطبيب النفساني الذي طلق زوجته وفي الآن يطمح بالمحافظة على سجله النظيف لأنه يريد الانتقال إلى الجامعة للتدريس. ثالثاً شرطي المباحث الذي يشك دائماً بالشقراء من دون دليل حسي، ومشكلة الشرطي أنه متهم بممارسة الضغط لأخذ شهادات من الموقوفين وهذا ما منعه من الاقدام على اعتقالها خوفاً من تجديد التهمة ضده. رابعاً الصحافي وهو الذي يقوم بإجراء تحقيق عن الطبيب في قضية في حال كشفت تتعرض سمعته للضرر ويصبح احتمال تدريسه في الجامعة مسألة صعبة. وخامساً زوجة الطبيب المطلقة التي أصبحت صديقة الصحافي والطرف الذي قدمت المعلومات له عن زوجها السابق.
الإطار العام لشخصيات الفيلم يشكل نقطة مركزية للسيناريو. فالشخصيات كلها مشبوهة أو على الأقل محط انظار الهيئات التي يعملون في دائرتها. فالطبيب يعاني من مشكلة غامضة، والشرطي كذلك، وأيضاً زوجة الطبيب. والصحافي هو الضحية التي تتعرض للقتل بسبب وجوده في إطار تتألف عناصره من شخصيات غير سوية.
هذا الإطار السلبي شكل نقطة جاذبة للحسناء الروائية للتحرك في ضوء تلك الشخصيات المهزوزة. وهذا الاهتزاز أعطاها قدرة فائقة للتلاعب وتحريك المشاعر. فمثل هؤلاء الناس يشكلون لها الحقل المطلوب لممارسة جموحها وطموحاتها واصطياد خصومها وتشويه سمعتهم وأخيراً ضربهم ببعض لتنفيذ مأربها وهو اثبات قدراتها على التحكم بالآخرين... وثم تسجيل معاناتهم في رواياتها.
بعد الصحافي تقتل زوجة الطبيب المطلقة التي كانت على علاقة صداقه مع الصحافي المغدور. وهكذا تدور الشبهات. من قتل الصحافي ومن قتل زوجة الطبيب السابق؟ الشرطي يتهم الشقراء ويحاول اقناع الطبيب بصحة رأيه من دون دليل. والطبيب يحتار فهو يشك بالمرأة الحسناء ولكنها أيضاً غير متأكد. لماذا هو غير متأكد؟ الجواب أنها نجحت في اقناعه بأن الشرطي هو الذي نفذ الجرائم ويريد توريطها والايقاع بها لاخفاء دوره في الموضوع.
يدور الصراع بين الشرطي والحسناء ويقع الطبيب بينهما ويفشل في تحديد موقفه من المجرم الحقيقي إلى أن تحصل المفاجأة. الطبيب يحسم موقفه ويتهم الشقراء ويطلب من الشرطي ملاقاته في منزل يشك بأن الروائية تخطط لتنفيذ جريمة جديدة فيه. ولكن الحسناء تقنعة بأن الشرطي مجرم ويريد قتلها واتهامه بالجريمة حتى يؤكد صحة وجهة نظره. وفي لحظة التردد هذه يدخل الشرطي فيطلق الطبيب النار عليه ويعتقل بتهمة القتل ويودع في مستشفى الأمراض العقلية.
نهاية الفيلم كانت غريبة وغير مفهومة إما لأن المخرج يريد أن يضع الجزء الثالث أو لأن مقص الرقيب أسهم في غموض القصة. النهاية تقتصر على مشهد زيارة الحسناء للطبيب في المستشفى النفسي بقصد تقديم روايتها الجديدة التي استخدمت مادتها وموضوعاتها من تلك الجرائم الغامضة التي تشير إلى دور ما للطبيب في ترتيبها بقصد اتهام الروائية بها.
ينتهي الفيلم على مشهد غامض. هل الطبيب هو المجرم بدليل أن له مصلحة في ابعاد الصحافي الذي يحقق بموضوع يشوه سمعته، كذلك له مصلحة في قتل مطلقته التي كشفت أسراره؟
الحسناء تغادر المستشفى تاركة روايتها الجديدة للطبيب الذي ادعى أنه مريض عقلياً، والطبيب ينظر إلى الروائية بعين ما كرة من دون أن يعطي إشارة نهائية على جنونه الفعلي أو دوره المشبوه في صنع الجرائم
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1482 - الثلثاء 26 سبتمبر 2006م الموافق 03 رمضان 1427هـ