العدد 1482 - الثلثاء 26 سبتمبر 2006م الموافق 03 رمضان 1427هـ

في وهم/ واقع العالمية في السينما

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أربعة ممثلين في السينما العربية كان مقدّرا لهم أن يتجاوزوا المحلية إلى العالمية بمراحل تتجاوز إمكانات عمر الشريف: أحمد زكي، محمود مرسي، نور الشريف، ويحيى الفخراني.

الأول لم يعمّر طويلاً، وحظي بشهادة عمر الشريف بإمكاناته الملفتة والعميقة. والراحل مرسي اشتغل كما لم يشتغل أحد في السينما المصرية على تجسيد عدد من روايات الفائز بنوبل الآداب، الراحل نجيب محفوظ، في ثلاثيته «بين القصرين» علاوة على أدوار أداها كانت تتجاوز بمراحل قيمة الأعمال بمجملها، بل يمكن القول إنه أحدث نوعا من الإنقاذ والترقيع لسطحية تلك الأعمال بعمق أدائه. نور الشريف تعامل معه بعض المخرجين بحس موسمي وتجاري، وخصوصا في شهر رمضان المبارك، ليس من خلال أدوار تاريخية فحسب، جسدها وأداها بحرفنة عالية، بل من خلال بعض الأعمال التي ظل حضورها في رمضان مسألة حياة أو موت، وإن أدى الأمر إلى موت البطل! لكن البطل لم يمت، بل عمد إلى إحياء جثة/ جثث عدد من النصوص التي أداها، ونفخ فيها من روحه. نور الشريف أكثر «المشخصاتية» العرب قدرة على إقناع المشاهدين بأنه في بيته وليس في استوديو أو أمام كاميرا.

يظل استشاري طب الأطفال الذي هجر المهنة، وترك «السماعة» التي يجس بها نبض مرضاه، هناك في مكان ما، ولكنه ظل محتفظاً بأداة أخرى لجس نبض المرضى بأدائه وفنه وتشخيصه. أداة الدخول والخروج بكبرياء ملفت بأعمال تظل حاضرة ومحل تقدير وإعجاب.

لم يحتج الفخراني إلى أن يكون وسيما ومعتدل البنية كي يحوز تلك الجماهيرية غير المعتادة، اذ هو واحد ممن كسروا وخرجوا على تلك الصور النمطية التي ظلت مكرسة في السينما العربية لعقود من الزمن، جنباً إلى جنب الراحل أحمد زكي بسمرته المحببة. واحدة من فرص العالمية التي توافرت لعمر الشريف، تمثلت في هجرته المبكرة إلى فرنسا. قبلها لم يحظ بشهرة واستئثار في ذهنية وقلوب الجماهير، كما هو الحال مع «متهتك» الشاشة وقتها: رشدي أباظة! على رغم أدائه المصطنع وهيمنة الكاميرا عليه. كان أداء الشريف أقل من متواضع مقارنة بالأدوار التي أسندت اليه، فيما الرباعي: زكي، مرسي، نور، والفخراني، ذهب عميقاً في تجسيد أدوار غاية في الصعوبة، وحتى الابتكار. فقط لأن دوائر التسويق وقتها، والاقتصاد، والانحراف السياسي، وتأزم الأوضاع عموماً لم تتح لأي منهم في البدايات أي فرصة تذكر، جنبا إلى جنب علماء ومفكرين ولامعين في مجالات مختلفة، الا من رحم ربك.

يضعنا ذلك أمام حقيقة غاية في الألم: حقيقة ارتهان الفنان، العالم، المفكر، كل في مجال ابداعه، إلى فساد وتهتك السياسة ومجونها، فتحدد مصائرهم تبعاً لمصير الطريق المتعرجة والمنحرفة التي تنحاز اليها السياسة والسياسيون، فيما الأدوار التي يمكن لأولئك أن يلعبوها تظل مواراة ومتكتماً عليها وغير ذات حضور يمكن التعويل عليه أو الاعتداد به.

انقضت أكثر من 4 عقود منذ هجرة الشريف الأولى إلى الغرب، مرورا بالأفلام التي حظي فيها بأدوار هامشية، وصولا إلى الأدوار الرئيسية، أهمها وأشهرها «لورنس العرب» وصولا إلى مكنة القمار التي هرست جزءاً كبيراً من مداخيله، وتقدر بعشرات الملايين من الدولارات، وانتهاء بعودته المنكسرة، وإقامته لأكثر من عامين في شيراتون القاهرة، ومحاولة تعويض ما فات بالدخول في مساهمات وشراكات في مشروعات سياحية.

حاول عمر الشريف العودة إلى بدايات انتمائه والتصاقه بالسينما المصرية، قبل أن تتجمّل بالألوان، وصولا إلى مرحلة تصوير الديجيتل، لكنها محاولات ذكرتنا - ومازالت - ببداياته الأولى والمتواضعة، فيما الرباعي إما مرتهن إلى الموت، أو الاستغلال من قبل قراصنة الانتاج السينمائي، وإما مرتهن إلى الساذج من النصوص والأدوار ونزعة الحنين إلى التاريخ الذي لا يدّعي إمكانات تجميل القبيح والشرس من حاضر أقل ما يمكن أن يقال عنه انه مشروع مقابر لا نهاية لها

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1482 - الثلثاء 26 سبتمبر 2006م الموافق 03 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً