يناقش مقال اليوم دور قطاع الخدمات الحكومية في الاقتصاد البحريني وذلك ضمن سلسلة تغطيتنا لنتائج الناتج المحلي الإجمالي للعام 2005. حقيقة أن أكثر ما يلفت الانتباه هو حلول قطاع الخدمات الحكومية في المركز الثاني من حيث مساهمته في الاقتصاد البحريني (بعد الخدمات المالية) متخطيا بذلك الصناعة والنفط الخام والغاز الطبيعي. ويعكس هذا التطور ازدياد الأهمية النسبية للنشاط الحكومي في الاقتصاد البحريني. بيد أنه يتناقض مع ما حدث مع التوجه الرسمي الداعي إلى تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي.
ثاني أكبر مساهم في الاقتصاد
بحسب إحصاءات العام 2005 بلغ حجم قطاع الخدمات الحكومية 506 ملايين دينار، مشكلاً بذلك نحو 14,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (بالمقابل ساهم قطاع الخدمات المالية والذي حل في المرتبة الأولى بنحو 28 في المئة). وتؤكد البيانات الأولية للحسابات القومية بأن قطاع الخدمات الحكومية سجل نموا قدره 30 مليون دينار، مشكلا بذلك نحو 12 في المئة من حجم الارتفاع الفعلي في الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي وقدره 253 مليون دينار.
ويلاحظ من الجدول المرفق أن النتائج الايجابية جاءت على خلفية تحقيق نمو في مختلف الأنشطة المتعلقة بقطاع الخدمات الحكومية، وتتمثل هذه الأنشطة بالخدمات التعليمية والصحية وأمور أخرى لا نعرف عنها.
الخدمات التعليمية
بلغت قيمة الخدمات التعليمية للقطاع العام 123 مليون دينار بزيادة قدرها 6 في المئة مقارنة بالعام 2004. ومثلت الخدمات التعليمية 3,5 في المئة من مجموع الناتج المحلي وهي نسبة متدنية إلى حد ما. لكن من المعروف أن هناك اتجاها قويا لدى عدد كبير من الأهالي في البحرين في تدريس أبنائهم وبناتهم في المدارس الخاصة لعدة أسباب منها عدم قناعتهم بمستوى التعليم في المدارس الحكومية وعلى الخصوص تلك المخصصة للبنين. يبقى أننا لا نعرف عن القيمة المالية لمساهمة المدارس الخاصة في الاقتصاد، ويعتقد بأنها ضخمة نظرا لكلفة المصاريف المتعلقة بالمدارس الخاصة مثل الرسوم وغيرها. فقد شكل طلاب المدارس الخاصة نحو 20 في المئة من مجموع الطلاب في البحرين في العام 2004. فمن أصل 152 ألف طالب ذهب نحو 30 ألف منهم للمدارس الخاصة. وعلى هذا الأساس، المؤكد أن القيمة الفعلية لقطاع الخدمات التعليمية أعلى مما تشير إليه الإحصاءات. ويكشف عدم توفر الأرقام الكلية للعملية التعليمية عن ضعف أداء الجهاز المركزي للمعلومات.
الخدمات الصحية
إضافة إلى ذلك، تم تسجيل نسبة نمو قدرها 5,4 في المئة في الخدمات الصحية إذ بلغت 58 مليون دينار. على كل حال تراجعت مساهمة الخدمات الصحية في الناتج المحلي من 1,7 في المئة في العام 2004 إلى 1,66 في المئة في العام 2005، الأمر الذي يشير إلى تسجيل نمو أفضل في القطاعات الاقتصادية الأخرى. أما بخصوص الأرقام الحيوية الصحية فتشير إحصاءات وزارة الصحة بخصوص العام 2004 إلى وجود 4 مستشفيات حكومية فضلا عن 5 مستشفيات حكومية للولادة، أي لا تغيير منذ العام 2002 (كشف حديثا النقاب عن بدء العمل في تشييد مستشفى حكومي يحمل اسم جلالة الملك في المحرق). بالمقابل هناك 6 مستشفيات خاصة (مقارنة بثلاثة مستشفيات فقط في العام 2000)، الأمر الذي يعكس توجه القطاع الخاص نحو توفير الخدمات الصحية. بالمقابل يلعب القطاع الخاص دورا أهم من الحكومة فيما يخص العيادات، بدليل وجود أكثر من 200 عيادة خاصة، مقابل 21 عدد المراكز الصحية والعيادات الحكومية في العام 2004.
الجهاز المركزي للإحصاء والأرقام الغامضة
يبقى أن الملفت للنظر هو عدم توافر تفاصيل لخانة «الخدمات الأخرى» والمقدرة بـ 325 مليون دينار، أي أكثر من نشاطي الخدمات التعليمية والصحية مجتمعين. بالتأكيد يمكن اعتبار وجود خانة «الخدمات الأخرى» أمرا سلبيا لأن المفروض من الحكومة الكشف عن التفاصيل المتعلقة بهذا الرقم الذي يمثل نحو ثلثي النشاط الحكومي.
ويمكن القول بأن مصدر المشكلة هو الجهاز المركزي للمعلومات الذي يرفض مشاركة الناس تفاصيل بعض الأرقام الحيوية. ونريد أن نؤكد على أهمية إفصاح الجهات الرسمية عن التفاصيل تعزيزا لمبدأ الشفافية، بل إن عدم توافر هذه المعلومة يشير إلى رغبة الجهات الرسمية في إخفاء معلومات حيوية عن الناس.
ختاما... لابد من التأكيد على أن نمو قطاع الخدمات الحكومية بنسبة 6 في المئة لا يخدم برنامج تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي. فالصحيح هو إفساح المجال أمام القطاع الخاص لكي يلعب دوره الطبيعي في توفير الخدمات التعليمية والصحية بينما تلعب الحكومة الدور المساند والمكمل وليس المزاحم. وخلافا للقطاع العام، فإن القطاع الخاص يعتمد على عامل الربحية ما يعني ضرورة توفير أفضل الخدمات التعليمية والصحية للمستهلكين. مقال غد (الخميس) يتناول دور القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي للبحرين
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1482 - الثلثاء 26 سبتمبر 2006م الموافق 03 رمضان 1427هـ