العدد 1481 - الإثنين 25 سبتمبر 2006م الموافق 02 رمضان 1427هـ

اليمن... صالح بعد صالح

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

بعد إعلان النتائج المتوقعة في الانتخابات الرآسية اليمنية في الأسبوع الماضي يعود السؤال من جديد عن سقف الجمهوريات العربية في التجديد والتغيير من داخلها وبشكل سلمي، ويبدو أن العرب قد استهووا تبديل المصطلحات حتى أصبح الشاذ هو السائد. الفكرة الأصلية في الحكم الجمهوري هو تبادل السلطة السلمي في زمن محدد، وقد قننته القوانين الحديثة في كثير من الدول إذ يكون له سقف زمني لا يحق للشخص مهما أوتي من قدرات وحقق من منجزات أن يتجاوزه، ولذلك حكمة، لان الفكرة العامة في «الجمهورية» هي التبدل والتداول، حيث ينتج المجتمع قيادات جديدة تقوم بمحاولة حل المشكلات المتجددة، ولان البشر بطبيعتهم يميلون إلى الارتكان للمألوف فلا تصبح رؤية التجديد إلا خبثاً وسوء طوية.

هذا المفهوم التجديدي، استنسخ ليس في اليمن وحده ولكن في مفهوم وممارسة الجمهورية العربية الحديثة التي لا تتردد في أن تقدم كرسي الحكم في بلادنا إلى «شخص» بعينه طوال حياته، وتورثه إلى خلفه من ذريته بعد وفاته، كل ذلك بانتخابات «شرعية» وصناديق انتخاب «شفافة» وتحت اسم «الجمهورية»!

على حسبة الأرقام التي أعلنت في الانتخابات اليمنية الأخيرة، فإن قطب المعارضة الأبرز فيصل بن شملان قد حصل على ستة عشر في المئة من الأصوات العامة، وإن الرئيس علي عبدالله صالح قد حصل على ثمانين في المئة من الأصوات وأكثر، وهي أرقام لا تقبل الشك، فقد كانت متوقعة.

إلا انه بحسبة بسيطة يحتاج أي معارض جدي في اليمن إلى ثلاث دورات، هذا بافتراض أن يحقق نسبة أصوات مضاعفة كل مرة، كي يصل إلى ألثمانية وأربعون في المئة من الأصوات ليقترب جديا من المنافسة، ويحصل الرئيس في الوقت نفسه على ثلاث دورات، أمد الله في عمره، أي واحد وعشرين سنة. حسابيا من المتوقع أن يحصل احتمال تداول سياسي في قمة الحكم اليمني، بعد ثمان وأربعون سنة من الحكم الجمهوري الفردي، وهو في هذا الحال يعني العام 2027 أبقاكم الله جميعا!

للإنصاف فان الرئيس علي عبدالله صالح قد أعلن منذ أكثر من عام انه غير راغب في التجديد ودعا الجماهير اليمنية أن تقرر ما تريد ومن تريد للرآسة، إلا أن تلك الجماهير كما نعلم جميعا قد أبت إلا أن تطالب وبإلحاح عودة الرئيس عن قراراه «غير الديمقراطي» لان من يحق له أن يقرر من يحكم هو الشعب اليميني ومن يقرر كفاءة الإدارة هو الشعب نفسه لا غيره.

كان الرهان على من سينال ثقة الشعب في هذه الانتخابات، هل هو الرئيس أم مرشح آخر؟ وخسر من راهن على غير الرئيس.

إلا أن الأمر له وجهة نظر أخرى، دبلوماسي يمني التقيت به في أوروبا قبل أسابيع، ناقش المسألة من زاوية أخرى قد تغيب عن البعض، قال إن الجيد والجديد في الانتخابات الرآسية اليمنية المقبلة (قبل أن تقع) هي أنها تنافسية، وهناك أكثر من مرشح يطوف على الناس ويحضر اللقاءات الانتخابية الجماهيرية، وينتقد القائم من السياسيات، وهي ظاهرة صحية بكل المعاني في فضائنا العربي المقفر من هذه المظاهر، وقد وافقته على أن الظاهرة صحية، إلا أن الخلاف يدور حول ما تقود أليه، هل إلى تنافس حقيقي، أم إلى تكريس عزل شريحة من الشعب وربما تشاؤمهم من التغير الحقيقي الذي له معنى؟

صديقي اليمني الواقعي له حق إذا قارن ما يحدث في اليمن بمناطق «جمهورية» أخرى من عالمنا العربي، حيث لا مرشح بديل، ولا نقاش عام، بل هو شخص واحد، من كثرة ما لصقت عيون الناس بصورته لا ترى له بديلا آخر، حدث ويحدث هذا في أكثر من عاصمة عربية، حتى جرى العرف العربي أن يحتار الناس في البديل ويتمنوا «طول عمر الرئيس»!.

اليمن بلد لا يسهل حكمها، وبقاء الرئيس علي عبدالله صالح طوال هذه الفترة الزمنية التي قاربت ثلث قرن في الحكم، يحسب له لا عليه، فاليمن بلد فقير نسبيا فيه الصراع القبلي والمناطقي على أشده، بلاد جبلي شاهق وسهول عريضة، يختفي فيه أن أردت حتى الشيطان ! وهو لسنوات خلت، بلاد متخلفة بالمعنى الحقيقي للتخلف، ومنقسمة على نفسه، فهي تنافي بمعطياته الاستقرار الذي حققه علي عبدالله صالح.

فالانجاز اليمني في الزمن الذي انقضى ليس سهلا أو ميسورا، ولا بد أن الرئيس علي عبدالله صالح له من القدرات الشخصية والذكاء ما قدر به أن يمخر عباب البحر السياسي اليمني المتقلب بقدرة مشهودة... فالشعب اليمني كبير العدد متعدد الحاجات، موارده الاقتصادية من جهة أخرى محدودة، وعلى رغم تمتعه بموارد بشرية نسبية مؤهلة فإن هيكله الاقتصادي ضعيف ومستوى معيشة الناس منخفض وقد استقطبت معظم موارده الصرف على السلاح، مع إشاعات بالفساد. وعلى الصعيد العربي لعب اليمن على تواضع إمكاناته الدور الأهم في الصيحات العربية المتوالية، فهو أول من رشح كادرا من أبنائه عندما وجد أن العرب غير مستقرين على أمين عام للجامعة العربية، ما دعا إلى سرعة تسمية الأمين العام الحالي عمر موسى، واليمن هو أول من يدعو إلى قمة عربية في الملمات العربية. إلا أن سياسته العربية مازالت تشوبها ظلال من «اليسارية القومية» فات وقتها، وربما هي انعكاس عميق لتسيس طويل المدى في قطاع واسع من الجمهور اليمني، تلك السياسة وان بدأت رابحة على الصعيد الكلامي الشعبي، خاسرة على صعيد الأمن الوطني اليمني متوسط وطويل المدى و خطرة على فرص التنمية أيضا، فهي تحرم اليمن من تدفقات تنموية عربية مستحقة للشعب اليميني، طالما أن اليمن تشجع التعنت عن بعد، على أساس أن لا ضير عليها من ذلك كونها بعيدة جغرافيا، إلا أن هذه السياسة تقود إلى حرمان اليمن في نهاية المقام بسبب الانفاق العربي على السلاح والأمن، ويفقد العرب، ومن بينهم اليمن، فرص استثمار إنساني طويل المدى.

الولاية الجديدة لعلي صالح في بلاد السهل والجبل ليست هينة أو بسيطة، وعلى الخطوات التي سيتخذها سيبنى استقرار أو عدم استقرارا اليمن. في الديمقراطيات الحديثة تعاف الوجوه المكررة، حتى لو انتخبتها، وفي المثال البريطاني الحالي والسابق عبرة، فطتوتي بلير يواجه صعوبات جمة في الحكم، رغم استمرار ولايته الدستورية القانونية، كما واجهت مارجريت ثاجر صعوبات وهي في قمة النجاح ولديها غالبية في البرلمان، فإنها تعاف أيضا عدم الوفاء بالوعود. وتقرر الدساتير الجمهورية الحديثة سقف لفترة زمنية لا يتجاوزها « الزعيم» في سدة الحكم، مهما ابلي من نجاحات سياسية، فهناك كما يقول المثل الانجليزي، الكثير من الذين لا يستغنى عنهم في المقابر! وسيدخل علي عبدالله صالح لو قرر الآن أن يحدد سقف زمني للرئيس لا يتجاوزه.

اليمن كجزء من البلاد العربية الجمهورية مختلف جزئيا، إلا أن الشعور الإنساني موحد. فهناك استحقاقات على علي عبدالله صالح مقبلة وصارمة. منها على سبيل المثال لا الحصر «تدوير النخبة اليمنية» فهناك جيل كامل متعلم يتطلع إلى المشاركة في «السلطة والثروة» وهناك مناطق بأكملها تحتاج إلى جهود تنموية حقيقية، وهناك سياسات عربية تستحق أكثر من الخدمة اللفظية بالعمل الحقيقي، وهناك نقص في فرص التعليم والتطبيب والإسكان والبنى التحتية، لم يعد الشعب اليميني بغافل عنها أو غير مدرك لأهميتها. لا يعتقد أحد في ظل التواصل العالمي القائم أنها خافية على متخذ القرار في صنعاء.

الشعارات تغيرت والأهداف تحولت، ورجال الأمس ليس بالضرورة على بينة بمتطلبات اليوم والغد، وعلى رغم أهمية الشعارات فان الناس تريد في نهاية اليوم أن تكل خبزا

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1481 - الإثنين 25 سبتمبر 2006م الموافق 02 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً