قاتل الله السياسة والسياسيين، وملعون أبو السياسة! فقد شغلتنا سياسة «التقارير» هذا العام عن توجيه التبريكات إلى القراء بمقدم شهر رمضان الكريم... فكل عامٍ وأنتم بخير... وأعاده الله علينا وعليكم كل عامٍ بتقرير!
ونحن البحرينيين لنا تاريخٌ طويلٌ جداً مع التقارير! وكم أتمنّى لو ينبري أحد طلاب أو طالبات قسم العلوم الاجتماعية أو الانثروبولوجية في جامعتنا الوطنية لدراسة دور «التقارير» في تاريخ وطننا الحديث.
في الستينات كان يكفي أن تخرج في مظاهرةٍ تؤيد جمال عبدالناصر ليُكتب عنك تقرير! في السبعينات كان يكفي أن تقرأ كتاباً لماوتسي تونغ أو كارل ماركس ليُكتب عنك تقرير! في الثمانينات كان يكفي أن تقرأ كتاباً لشريعتي أو تحتفظ بصورة للإمام الخميني ليُكتب عنك تقرير. أما في التسعينات فكان يكفي التوقيع على عريضةٍ شعبيةٍ ليكتب عنك تقرير!
كل تلك التقارير عادةً ما تكون موجزة، مختصرة، سطرين أو ثلاثة تكفي، فخير الكلام ما قلّ ودل، وكثيراً ما تكون النتيجة الحصول على تذكرةِ دخولٍ مجانيةٍ لأحد مراكز التأهيل والإصلاح العامرة، التي يسمّيها بعض المغرضين بالسجون.
هذا ما يخصّ تقارير الماضي، أما التقارير الجديدة فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم! تقريرٌ من 214 صفحة! وفي طبعة بيروت 236، وفي نسخة ثالثة 240 ورقة... ورقة تنطح ورقة!
التقارير القديمة تقرأها، أو يقرأونها في دقيقةٍ واحدة، أما التقارير الجديدة فتحتاج إلى السهر ليلتين كاملتين لقراءتها، من المغرب حتى وقت السحور... (حشا... ما صارت تقارير)!
التقارير القديمة عن الكتب أو المظاهرات والتوقيعات، وأحياناً - قبل أن ننسى- عن أشخاص يطيلون لحاهم، أو يجمعون تبرعاتٍ للفقراء، أو عوائل السجناء، أما تقارير هذه الأيام... فنعوذ بالله!
هل تصدّقون أن تقارير هذه الأيام عن شيكات وتوقيعات، عن دنانير، آلاف الدنانير، دينار ينطح دينار!
تصدّقون ان هناك توقيع شخص (مرشح نفسه) يطلب مساعدةً عاجلةً لإقامة خيمةٍ في بيته واستئجار مصابيح وكراسي وطاولات، (علشان) يدشن حملته الانتخابية! يبدو أنه (برص كلش)، لا يريد أن يدفع من جيبه فلساً واحداً، كله على ظهرهم، ويريد التسلق على كرسي البرلمان بالمجان! الباقي أن يطالبهم بتوفير قيمة البيبسي والسمبوسة و(الروتي) الذي سيقدمه لناخبيه الكرام في خيمته العامرة! فالأصوات في هذه الانتخابات «الالكترونية» لا تساوي أكثر من قيمة السمبوسة!
هل تعلمون أن فيه واحد ثاني يسمونه «مستقل» تسلّم 3000 دينار، دينار ينطح دينار، مجرد دفعة أولى على الحساب لضمان إنجاحه وفرضه على شعب البحرين بقوة الدنانير!
تقارير هذه الأيام تتكلّم أيضاً عن عملية «سويتش» مذهبي، إذ يتم دفع رواتب شهرية لمن يغيّر مذهبه! وفيها هدايا وجوائز ودفع فواتير كهرباء وهاتف وبطاقات سمسم... فضلاً عن «بونس» سنوي لأداء العمرة! عروضٌ مغريةٌ بمناسبة رمضان، وإذا كان فيها عمرة سنفكر في الأمر، فالقضية تستاهل!
تقارير هذه الأيام تقدّم أيضاً مقترحات «استراتيجية» عظيمة، فالطموحات كبيرة، تبدأ بكتابة المقالات (أم عشرين دينار)، ولا تنتهي عند برلمان الشباب ووضع المخططات الشاملة للنهوض بـ «الطوائف» والقبائل والأفخاذ والسيقان العربية في بلد القانون والمؤسسات!
رحم الله شاعر فلسطين الذي يقول: «هذا هو العرس الذي لا ينتهي... في ساعةٍ لا ينتهي... في ليلةٍ لا ينتهي... هذا هو العرس (البناديري)... وكل عرسٍ وأنتم... بنادير
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1481 - الإثنين 25 سبتمبر 2006م الموافق 02 رمضان 1427هـ