جمعتهن أحد المجالس النسائية في حديث طويل متشعب عن الموسم الذي يقترب، والتجهيزات التي يجب أن يتم إعدادها، والصعوبات التي يواجهنها كل عام، بالتفاصيل نفسها كل مرة، لتقترح كل واحدة حلاً «مجرباً» تعمل به الأخريات، أو تجربه، فربما تمتدحه مرة أخرى في العام المقبل.

هن نساء من رؤى وأعمار وظروف مختلفة، بعضهن قريبات، وبعضهن صديقات، وبعضهن تعارفن للتو، كعادة النساء عندما يتعارفن سريعاً، ليبحثن عن موضوعات مشتركة للحديث تجمعهن. وفي هذه المرة، جمعهن حديث الموسم الذي حان موعده، موسم شهر رمضان المبارك.

ولأن شهر رمضان المبارك شهر عبادي، كانت غالبية الأحاديث التي دارت بينهن تقترح برامج دينية للشهر الكريم. إحداهن تمتدح مسجداً معيناً، أو حلقة درس أو تجويد، أو جمعية إسلامية ببرنامجها الديني الغزير كل عام والذي استفادت (هي) منه كثيراً في العام الماضي. ويقودهن الحديث «للزحمة» التي تتشكل عند المسجد في ليالي رمضان المباركة عندما يتجه الجميع في كل ليلة في وقت واحد إلى هناك، ليتشعب بهن مرة أخرى للحديث عن مناسبات «الغبقات» وموائد الإفطار العامرة التي يتم إعدادها والدعوة لها في شهر رمضان. كلهن انتقدن هذه الدعوات، وتضييع الوقت في تناول الأطعمة في شهر يجب أن تستغل كل دقيقة منه للعبادة. كلهن انتقدن تلك الممارسات الخاطئة المتمثلة في الإسراف في الأطعمة التي توضع على موائد الإفطار، وكلهن أيضاً، عرجن بعد قليل، للحديث عن آخر كتاب نزل للطبخ، تنصح الواحدة منهن الأخرى أن تجرب هذه الطريقة في الطبخ أو تلك، لتحصل على أفضل النتائج، وألذ الأطباق.

كان للبرامج التلفزيونية في شهر رمضان نصيب من حديثهن أيضاً، أجمعن على حبهن للمسلسلات السورية، وتفضيلهن إياها على المصرية التي اعتبرتها إحداهن «دعاية للأكل»، إذ برأيها لا يخلو أي مشهد من هذه المسلسلات من موائد عامرة من الأطعمة. أما المسلسلات الخليجية، فاعتبرنها تكراراً مملاً لمشكلات وقضايا مفتعلة، إحداهن عبرت بحدة عن مقاطعتها لهذه المسلسلات، فهي لا تريد أحزاناً وصراخاً وضرباً في كل مرة تشاهد فيها التلفزيون، حتى أنها منعت أطفالها الصغار من مشاهدتها حتى لا يؤثر على نظرتهم للواقع برأيها.

لكن برامج التلفزيون كانت هاجساً حقيقياً بالنسبة إلى الأخرى، فهي برأيها تشجع على الفساد، في شهر يفترض فيه العبادة والطاعة، ويزداد الفساد الذي تبثه القنوات التلفزيونية برأيها مع نهاية الشهر المبارك وحلول العيد، إذ تبيح القنوات لنفسها بث ما لم تبثه طوال العام، وكأنها «جنت».

ويفتح حديث العيد شجوناً لإحدى الجالسات، لتتذكر أنها لم تشتر بعد ملابس العيد لأبنائها، وأنها ستفكر طوال الشهر في هذا الأمر لتقوم برحلة البحث عن ملابس العيد في الأسواق التي لا هم لها إلا أن ترفع الأسعار، على بضائع لا يشتريها إلا مضطر. غير أن أخرى تقول وابتسامة عريضة على شفتيها إنها ضمنت هذه المرة ملابس العيد لأطفالها فاشترتها باكراً، ولن تضطر لخوض المعاناة نفسها ويستمر الحديث...

تلك نسوة بيننا، خضن حديثاً مكرراً، خاضته أو أجزاء منه غالبية النساء في البحرين في الأيام القليلة الماضية، بأشكال مختلفة. فهو حديث استعدادات الشهر المبارك، الذي يحل علينا اليوم ضيفاً كريماً، ليغير روتين الأسر اليومي، تتكرر فيه ممارسات وسلوكات، بعضها خاطئ وبعضها يحتاج إلى تعديل، لتتكرر معها نصائح يعمل بها البعض، ويحتاج البعض دوماً إلى تذكير بها. لتبقى جميعها انطباعات عن طبيعة الناس في شهر رمضان