إنهم يقرعون طبول الحرب، بل ويخوضوها باتقان وانتظام شديدين ضد خصم «وهمي» أو حقيقي! لا فرق، المهم أنهم يرون فيه حاجة ضرورية لاطلاق حرب باردة جديدة تغذي نزعتهم الامبراطورية الجديدة المستندة إلى الايديولوجية الصاعدة للاصوليين المسيحيين الأميركيين والصهيونيين... وهذا الخصم المفترض أو الحقيقي ليس سوى العالم الإسلامي بقضه وقضيضه «بعجره وبجره» بيابسه واخضره، بمتشدديه ومعتدليه، بسنته وشيعته، بأصولييه وإخبارييه بمعتزلته واشعرييه... وخطئ تماماً من يظن أنه في منأى عن الثأر التي سيضطرم ويزداد لظى يوماً بعد يوم ان هو قرر اتخاذ مسافة تفصله عما باتوا يعرفون بالمتشددين أو المتعصبين أو حتى «الإرهابيين» من المسلمين! كل ما هناك أن الدور اليوم هو دور من يجرؤ على قول كلمة «لا» عالياً!
إنها الحاجة إلى «الحرب الباردة» الجديدة التي يحب ان تزج بين حروب «المدفع والنار» وحروب «الأفكار والقيم»! والحاجة هذه من صلب احتياجات تطوير النزعة الهيمنية الكولونيالية الجديدة التي يقودها المحافظون الأميركيين الجدد مدعومين ومتحالفين مع الحركة الصهيونية المتجددة عالمياً ومن تل أبيب!
وهذه «الحرب الباردة» بحاجة ليست فقط إلى سياسيين يبدأون عهدهم بالتحذير من «حروب صليبية جديدة» بحجة مكافحة الإرهاب!
كما فعل بوش في بداية عهده في الحرب على جماعة القاعدة وبن لادن على خلفية حوادث 11 سبتمبر/ أيلول الشهيرة، ومن ثم يطورونها إلى حرب ضد ما سماه بوش أخيراً بـ «الفاشية الإسلامية»!
بل هم بحاجة إلى اوريانا نفالاتشي الصحافية التي هاجمت الدين الإسلامي الحنيف بشدة وقساوة ناعتة إياه بأقذع الأوصاف والتعابير! وهم بحاجة إلى مستشارين «عرب» والأفضل أن يكون اللبنانيين يدورون مع المستشرق الأوروبي الشهير المعادي للإسلام برناردلويس ويسوقونه في البلدان العربية والإسلامية ليؤسسوا «حرب أفكار» حقيقية بين الإسلام المقاوم والإسلام المهادن والمنبهر بالغرب وقراءته «الدرويشية» الدين الإسلامي البعيد كل البعد عن الإسلام المحمدي الأصيل!
وهم بحاجة إلى رسام كاركاتيري من الدنمارك معروفة قصته وارتباطاته بعتاة المحافظين الأميركيين الجدد! وهم بحاحة إلى فضائية «حرة» في انتقاء الصور والكلمات والأفكار والناس الذين يتحدثون عن إسلامهم الذي يشتهون وتشتهي مصالح الشركات الكبرى المتعددة الجنسية! وهم بحاجة إلى بابا جديد أيضاً يتصرف بـ «ردة» واضحة عن البابا الذي سبقه ويقرر بكل «صدفة» المحاضر الأكاديمي و«حياديته» العلمية استنطاق التاريخ البيزنطي الامبراطوري المعادي للإسلام والمسلمين ليشوه مسيرة الدعوة الإسلامية ثم ليظهر على العالم بـ «اعتذار» اقبح من ذنبه الأول عندما يتهم المسلمين بانهم اساءوا فهمه!
ثم يذهب إلى أبعد من ذلك مستصغراً عقولهم بالقول إن ما كان يقصده في الواقع هو أن الإيمان والدين الذي يدعو إليه وينبغي للمسلمين أن يتعبوه هو الدين الذي يتعايش مع العقل وليس مع العنف! ناسياً أن أول باب من أبواب فقه المسلمين هو باب العقل الذي يقول إن «ما حكم به الشرع حكم به العقل والعكس صحيح»!
وهم بحاجة و«بالصدفة»! دائماً إلى مستشارة ألمانية تحاضر في الوقت نفسه محاضرة البابا لتقول إن جنودها الذين يذهبون إلى الشواطئ اللبنانية هذه الأيام إنما يذهبون لحماية أمن «إسرائيل» والدفاع عنها!
وهم بحاجة أيضاً إلى «فيلسوف» فرنسي يتهم الرسول الأعظم (ص) أنه «قاطع طريق» ويتهم الإسلام بأنه «دين العنف»! وهم بحاجة إلى وزير داخلية أوروبي من النوع الإنجليزي طبعاً يطالب الآباء بالتجسس على أبنائهم ويحذرهم من مستقبلهم الخطير وتالياً مطالبتهم بالتعريف عنهم لدى مراكز الشرطة! قبل أن ينحروا ذواتهم وينحروا معهم مواطنين انجليزاً آخرين ليسوا من المسلمين!
إن ما يغطيه البابا «أخلاقياً» وما يمارسه صاحب البيت الأبيض منذ بداية عهده من عسكرة للعلاقات الدولية وما يقع فيه من أفخاخ بعض الأوروبين من ذوي النوايا «الحسنة» ان أحسنا الظن هو ما يلخصه طوني بلير بطل جسر «القنابل الذكية» إلى لبنان في محاضرة له إذ يقول: «نحن أي الغرب أمام أمم تتحكم بها قيم يجب تغييرها». ويضيف «لا يمكن الانتصار في معركة مكافحة التطرف إلا إذا انتصرنا على مستويي القيم والقوة على حد سواء...»! مختتماً القول: «إن نهجنا لا يرى تغيير الأنظمة بل تغيير القيم التي تتحكم بالأمم المعنية».
وأي قيم تتحكم بـ «الأمم المعنية» وخصوصاً إذا ما قرر أمثال بوش وبلير استثناء موضوع «تغيير الأنظمة»؟! هل تبقى هناك قيم غير قيم الإسلام والثقافة الإسلامية وتعاليم القرآن؟!
إنه لابد من ذكر ذلك الكلام الشهير لرئيس وزراء بلاده الشهير في ذلك النزاع الشهير بين الامبراطورية البريطانية وعراق ثورة العشرين عندما قال: «لن نستطيع ان نهزم هذه الأمة مادام القرآن بين يديها...».
إنها حرب قيم وأفكار ومعايير وكلمات بلا حدود... لابد لها من بابا وفيلسوف وصحافي وإذاعة حرة وجيش من الكتبة المنبهرين... يلمعون ويغطون ويفلسفون وينظرون ويسوقون لبوش وتابعه البريطاني الخبير في حروب الفتن المتنقلة
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1479 - السبت 23 سبتمبر 2006م الموافق 29 شعبان 1427هـ