منذ زكثر من أسبوع والخبر الرئيسي الذي يعصف بالبحرين هو تقرير «البندر»، بعد أن استقبله شعب البحرين بحفاوةٍ بالغةٍ لما فيه من تهمٍ خطيرة، وحكاياتٍ مثيرة.
في البداية كان الحديث عنه همساً، أما الآن فأصبح حديث المجالس والوزارات والمنتديات، ومن المتوقّع أن يتصاعد الحديث عنه في مجالس رمضان.
التقرير الواقع في 216 صفحة، وُزّع أولاً - والعهدة على الراوي - على عددٍ من السفارات الأجنبية، ثم وصل إلى أيدي عددٍ من المسئولين، وفي الأخير حطّ رحاله في أحضان الصحف والجمعيات السياسية. التقرير حظي بحفاوةٍ بالغةٍ من قِبَل شعب البحرين الوفي، ويقيناً لو أجري استطلاع الآن، لتبين للجميع أنه حطّم الرقم القياسي في سجل «الكتب» الأكثر مبيعاً في المنامة، بعد أن أخذ نصيبه الخيالي في التوزيع. فهناك نسخٌ ورقيةٌ (الملزمة يبلغ وزنها نصف كيلوغرام!)، وهناك نسخٌ على الأقراص المدمجة، ربما تحصل عليها مجانا من صديق. وهناك رسائل الكترونية تصل على بريدك الالكتروني. وبعض الجهات التي حصلت عليه في آخر الأيام، قامت بتوزيعه على ملفات صغيرة وإرساله على البريد مع عبارة «انتظروا الحلقة القادمة»! ربما لإدخال عنصر تشويق، وربما لسبب تقني وهو عدم تحمّل الرسالة الواحدة لكل هذا الحجم الكبير من المعلومات والتهم والفضائح والصدمات!
من وسائل التوزيع التي حَظِي بها التقرير التاريخي، تلك المسجات التي تصل على هاتفك النقال: قفشاتٌ وتعليقاتٌ على «القبضايات» من أصحاب الكتابات الطائفية المشبوهة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
بالمقابل، وأمام هذا الاهتمام الشعبي العارم، ولأن الطلب زاد على العرض، حاول البعض تلبية الطلب المتزايد، بطباعة التقرير في نسخٍ شعبية سريعة (فوتو كوبي)، وتم بيعه عند بعض الدوارات الرئيسية، وبعد أن كنا نشاهد الصغار والآسيويين يبيعون الليمون وقناني الماء البارد، أصبحنا نشاهد من يبيع مادةً مطبوعةً - ولأول مرة - عند الدوارات (وربما لهذا السبب هناك محاولاتٌ للتخلص من بعض أجمل وأكبر الدوارات في البلاد)!
على أن الذي دفع ثمن هذه التجارة غير المصرح بها، هو أحد الآسيويين، فبعد أن اكتشف كثرة الطلب على هذه البضاعة، وازدهار تجارة البيع بالمفرق على الدوارات، اشترى هو الآخر نسخةً واحدةً بخمسة دنانير، ثم أخذ بنسخها وبيعها بالجملة، بثلاثة دنانير ونصف فقط للنسخة، بعد أن حسبها (صح)، فهناك تخفيضٌ في سعر البضاعة قدره 30 في المئة، وهو ما أغرى الكثير من الزبائن بالتوجه إلى دكانه للحصول على نسختهم الخاصة، مع توفير دينار ونصف!
ويقال إن هذا الإقبال الكبير وغير المسبوق سبب ازدحاماً وإرباكاً لحركة المرور بالمنطقة، أكثر مما كانت تسبّبه المسيرات التي كانت تشهدها البحرين في السنوات الماضية، وهو ما دفع البعض إلى الظنّ بوجود مؤامرةٍ تستهدف الأمن العام وزعزعة استقرار البلاد. وفي هذه الحال، لابد من حركة استباقية لإحباط «أكبر قصة استخباراتية ضد الوطن»!
إنسانياً، من المتوقع أن تتحرك جمعية الدفاع عن العمال الوافدين للمطالبة بحق الاسيويين أن يبيعوا تقرير البندر من أجل الرزق، ودماء الباعة الأسيويين في رقبة الجمعية، وكذلك في رقبة المناضلين الأشاوس في جمعية أخرى «تراقب» حقوق الإنسان... واذا كان هذا البائع الآسيوي أو ذاك يحمل الجنسية البحرينية منذ ثلاثة أسابيع أو أكثر، فانه بذلك لم يعد مجرد وافدٍ آسيوي مستضعف، وعليه، فاذا تم اعتقاله فيجب أن يتمتع بكافة الامتيازات التي يتمتع بها المواطنون السجناء، ذلك لأنه لا يجوز التمييز بين المواطنين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1479 - السبت 23 سبتمبر 2006م الموافق 29 شعبان 1427هـ