لم يكن اختيار حزب المعارضة الياباني الرئيسي لــ إيكيرو أوزاوا كقائد جديد له قراراً مفاجئاً بحد ذاته. فأوزاوا، ذلك المشرع المحنك ذو النزعة الإصلاحية، هو ما يحتاجه الحزب الديمقراطي الياباني تماماً، بعد بعض النكسات المحرجة. من الجدير بالملاحظة، على كل حال، أن أوزاوا، العضو السابق في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، يشاطر كبار المرشحين الآخرين لخلافة رئيس الوزراء جونيتشيرو كويزومي اعتقاداً بأن اليابان لابد أن تلعب دوراً أكبر في آسيا.
وفي هذا الخصوص، فإن صعود أوزاوا إلى قيادة الحزب الديمقراطي الياباني ينم عن اتجاه في السياسة اليابانية ذي مضامين مهمة، أكثر من الاختلافات الأسلوبية بين القياديين السياسيين الأربعة في الحزب الديمقراطي الليبرالي - شينزو آبي، وياسو فوكودا، وتارو آسو، وساداكازو تانيغاكي.
في السنوات القليلة الماضية، كان صانعو السياسة في طوكيو قد أصبحوا أكثر ثقة وحزماً، فأعادوا تعريف استخدامات القوة العسكرية التي اعتبرت شرعية في ظل الدستور الياباني المسالم رسمياً.
لم يكن هذا التوجه مرحباً به في شرق آسيا، إذ يتخوف الناس من أن أي تنقيح، سواء للدستور الياباني أو للتحالف الأميركي - الياباني، سيدل على التخلي عن السياسة الخارجية السلمية المنصوص عليها في الفقرة التاسعة من الدستور.
ولكن ظهور اليابان كقوة إقليمية يلقى ترحيباً في واشنطن. إن القوة العسكرية الأميركية، على رغم أنها لم توازِ لحد الآن، لا تستطيع أن تحافظ على وضعها المهيمن في جميع أرجاء العالم. كان الجيش الأميركي يرزح تحت أعباء الالتزامات العالمية التي تجاوزت قابليته حتى قبل الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وجاءت الحروب في العراق وأفغانستان لتفاقم تلك الضغوط. وبناءً عليه، كان صانعو السياسة الأميركية يسعون إلى طرق لنقل المهمات الأمنية وبهدوء إلى حلفاء ديمقراطيين أغنياء.
اليابان بدأت بداية جيدة، وعملية النقل الآن في طور الحدوث. ففي الشهر الماضي توصل وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، ونظيره الياباني العميد فوكوشيرو نوكاغا، إلى اتفاق لتسهيل نقل جنود البحرية الأميركية من جزيرة أوكيناوا في جنوب اليابان إلى غوام، الإقليم الأميركي.
إن العلاقة الأميركية - اليابانية الأكثر شبهاً بالتحالف بالمعنى التقليدي للمصطلح، على نقيض علاقة الراعي بالزبون، هذه العلاقة يمكن أن تستمر لأنها تنسجم والرأي العام على جانبي المحيط الهادئ. فاليابانيون حريصون على أن يتصرف بلدهم كـ «بلد طبيعي» وأن يعامل على هذا الأساس، بلد مسئول عن حماية مصالحه وليس معتمداً على الولايات المتحدة. كما يبدو الأميركيون متعبين من موازنة الدفاع المرهقة، منفتحين للتغييرات التي ستسمح للجيش الأميركي بالتراجع عن دوره كشرطي العالم.
في هذه الأثناء، فإن قوة الدفاع الذاتي اليابانية قد أصبحت قوة عسكرية هائلة يبلغ عدد منتسبيها في الخدمة الفعلية في المشاة والبحرية والقوة الجوية 240,000 منتسب. أما من حيث الإنفاق، فان اليابان تنفق أكثر من فرنسا، وروسيا، وألمانيا، وثلاثة أضعاف إنفاق الهند تقريباً.
إن جيشاً يابانياً، يعمل بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، ولكنه ملتزم رغم ذلك بالدوافع الاحترازية (وحتى المسالمة) للعامة، يمكن أن يكون عاملاً مهماً في الاستقرار الإقليمي. فيستطيع، مثلاً، أن يوفر رادعاً معقولاً للأعمال الهجومية الكورية الشمالية ضد اليابان، وقد يمنع بيونغ يانغ من التصرف بعدائية ضد البلدان الأخرى. عموماً، لابد لبلدان شرق آسيا من الترحيب بظهور اليابان كقوة إقليمية قادرة على توفير ثقل مواز للصين الناهضة.
اليابان هي القوة الإقليمية الأكثر ملائمة للعب هذا الدور، حتى وإن نقاح اليابانيون دستورهم، فإنهم سيحتفظون بمخاوفهم من استخدام القوة العسكرية وبتصميم قوي على الحفاظ على سيطرة مدنية قوية على الجيش. إن الجدل الأخير بشأن زيارات كويزومي إلى ضريح ياسوكوني لقتلى الحرب اليابانية، والجدل الصاخب المنفصل، ولكنه ذي صلة، حول بعض الكتب الدراسية التي تقلل من أهمية الانتهاكات اليابانية في زمن الحرب لا يجب أن ينظر إليها على أنها يقظة قومية يابانية. على رغم أنه قد يكون هناك هامش قومي داخل اليابان يتوق إلى العودة إلى مجدها العسكري، إلا أن مثل هؤلاء الأفراد يبقون على هامش المجتمع الياباني.
يتوقع أن يخرج كويزومي من رئاسة الوزراء في شهر سبتمبر/أيلول، ولكن خلفه سيشاطره الرغبة في إيضاح وضع الجيش في ظل الدستور الياباني وفي تأسيس شراكة استراتيجية أكثر مساواة مع أميركا. إن العلاقات الأميركية -اليابانية التي تشكلت من خلال صداقة كويزومي القوية مع الرئيس بوش ستبقى إلى وقت طويل بعد أن يذهب هذان الرجلان عن المشهد السياسي.
كريستوفر بريبل
رئيس قسم دراسات السياسة الخارجية في معهد كيتو، واشنطن. والمقال برعاية مصباح الحرية، www.misbahalhurriyya.or
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1478 - الجمعة 22 سبتمبر 2006م الموافق 28 شعبان 1427هـ