العدد 1477 - الخميس 21 سبتمبر 2006م الموافق 27 شعبان 1427هـ

العرب وتحدي حكومة الاتحاد الوطني

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

بين آخر الأخبار الفلسطينية، كان الاتفاق بين الرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة إسماعيل هنية، في التوجه نحو تشكيل حكومة اتحاد وطني، تضم بصورة أساسية حركة «حماس» ذات الغالبية البرلمانية، والتي ينتمي إليها الرئيس هنية، وحركة «فتح» التي يقودها الرئيس عباس، وينتظر أن تتسع الحكومة المرتقبة لشخصيات فلسطينية أخرى بحيث تصير معبرة عن مختلف الطيف الوطني الفلسطيني.

والسير نحو حكومة اتحاد وطني فلسطيني، كان مطلب أكثرية القوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية منذ بعض الوقت. لكن الأكثرية البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني، التي تجسدها حركة «حماس»، تجنبت الاستجابة لذلك المطلب على قاعدة الاستئثار بالسلطة على نحو ما كانت سابقتها حركة «فتح» تفعل، عندما كانت لها أكثرية مقاعد التشريعي الفلسطيني، وكانت تعلل استئثارها بالرغبة في تطبيق برنامجها الحكومي باعتبارها المعبر عن أكثرية الشارع الفلسطيني.

غير أن موقف حكومة «حماس» ورئيسها اسماعيل هنية سرعان ما اصطدم بالوقائع الاقليمية والدولية، التي لم تعترف بفوز «حماس» في عملية انتخابية ديمقراطية بشهادة الكثيرين، بل رفضت التعامل معها، وفرضت عليها عقوبات باعتبارها تمثل حركة «حماس» الموصوفة من دول عدة باعتبارها «منظمة إرهابية»، وهو موقف يتطابق مع الموقف الإسرائيلي.

وإزاء المقاطعة والعقوبات الدولية، والتساهل العربي معها، انقلب مشروع حكومة «حماس» مشكلة على الفلسطينيين بدل أن يكون مخرجاً لهم من مشكلاتهم الكثيرة، التي يتجاوز بعضها موضوع الاحتلال الإسرائيلي وسياساته حيال الفلسطينيين ومنها مشكلات الصراع على السلطة بين الجماعات الفلسطينية، وكله زاد في معاناة الفلسطينيين، وأدى إلى تعدد وتنوع صعوبات عيشهم ونضالهم من أجل التحرر وبناء الدولة المستقلة. وكان أحد أهم الأسباب التي دفعت الرئيس هنية وحكومته وحركة «حماس» إلى قبول السير نحو حكومة اتحاد وطني فلسطينية، وتوزيع حقائبها بما فيها الحقائب الرئيسية بين ممثلي القوى المشاركة.

وتكاد تتفق الآراء في أن تشكيل حكومة اتحاد وطني من شأنها إحداث تغييرات سياسية في الوضعين الداخلي والخارجي على حد سواء، بحيث انها في المستوى الداخلي توقف التناحرات البرنامجية والسياسية بين الجماعات والشخصيات الفلسطينية من خلال اتفاق على برنامج واحد، يأخذ في الاعتبار المشتركات قاعدة له في معالجة المسائل الأساسية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويفتح تشكيل حكومة اتحاد وطني في المستوى الخارجي، فرصة أمام الفلسطينيين لتحرك سياسي أوسع، لا يضمن فقط تأييد دول وتكتلات إقليمية ودولية أكثر من تلك التي تؤيد حكومة «حماس» الحالية، بل تشكيل ضغط أقوى وأوسع على الحكومة الإسرائيلية سواء لدفعها نحو تخفيف سياستها التدميرية ضد الفلسطينيين، أم لجهة فتح بوابات حوار مع الحكومة الفلسطينية وصولاً إلى تفاهمات بشأن جوانب التسوية الإسرائيلية - الفلسطينية.

وعلى رغم ان التقديرات، قد لا تتناسب مع الواقع المنتظر طبقاً لما اعتادت على ممارسته الحكومة الاسرائيلية في التعاطي مع الفلسطينيين وسلطتهم منذ اتفاقات أوسلو، فان تشكيل حكومة اتحاد وطني وإقرار برنامج سياسي لها سيضع المجتمع الدولي والاسرائيليين بصورة مشتركة أمام استحقاقات التحول السياسي الفلسطيني الذي لن يكون من السهل تجاهله.

ويشكل المسار الفلسطيني بالسير نحو حكومة اتحاد وطني من مستوى الحكومة إلى مستوى الشارع السياسي نموذجاً للسياسة المطلوبة في غالبية البلدان العربية، التي يواجه الحكم فيها مشكلات وتحديات كثيرة ومتنوعة، ليس من سبيل للتعامل معها والتغلب عليها إلا من خلال انفتاح السلطات على الأطراف الأخرى في المستويين السياسي والاجتماعي، وضم الجهود إلى بعضها عبر حكومات اتحاد وطني وبرامج مشتركة، تفتح آفاقاً ليس في معالجة القضايا القائمة فقط، بل في توليد آليات للمشاركة والتوافق بين المختلفين والمتعارضين، وخلق أجواء من التشارك والوحدة.

لقد جرب اللبنانيون في محنتهم الأخيرة مواجهة العدوان الإسرائيلي باتخاذهم موقفاً موحداً جسدوه رسمياً عبر حكومة الرئيس السنيورة، واستطاعوا من خلال حكومتهم وبرنامج النقاط السبع التي وافقوا عليها بالإجماع، وبحركة سياسية نشطة دعمت موقف المقاتلين ضد الاحتلال في الجنوب، أن يغيروا التوازنات الإقليمية والدولية المحيطة بهم، ويحققوا نقلة نوعية في هذا المجال، ما كان لها أن تتحقق في ظل انقسام لبناني، أو في ظل حكومة تمثل الأكثرية البرلمانية فحسب.

إن المثال الفلسطيني المرتقب، والمثال اللبناني الحاضر، يفتحان أفقاً في واقع السلطات الحاكمة العربية بدفعها إلى مستقبل تتغلب فيه على ظروفها وتحدياتها، بأن تذهب ليس فقط خارج حكومات الأقليات، بل أن تخرج من حكومة الأكثريات إلى حكومات اتحاد وطني تكون معبرة عن الطيف السياسي والاجتماعي الأوسع في مجتمعاتها. ومن دون الوصول إلى هذه الصيغة مشفوعة بإرادة سياسية واعية، سيكون من الصعب خروج أية حكومة عربية من ظروفها وتحدياتها

العدد 1477 - الخميس 21 سبتمبر 2006م الموافق 27 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً