العدد 1477 - الخميس 21 سبتمبر 2006م الموافق 27 شعبان 1427هـ

واشنطن... بكين... حلف الأعداء (1 - 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من جديد ترتفع الأصوات التي تتوقع أن تبرز الصين كقوة عظمى خلال العشرين السنة المقبلة. مصادر كثيرة تتحدث عن عملاق صيني يمتلك كل المقومات التي يحتاجها المتنافسون الكبار في حلبة الصراعات الدولية. ومن الطبيعي أن تكون واشنطن أكثر الدول العظمى تخوفا من هذا المارد القادم من أقصى الشرق، والذي يهدد باستمرار تفردها بزعامة العالم.

بالطبع، المخاوف الأميركية من الصين ليست من دون أساس. فاقتصاد هذه الدولة لايزال ينمو بأكثر من 9 في المئة سنوياً، ويحتمل أن يستمر كذلك لعقود مقبلة. وإذا ما تمكّـنت الصين من مواجهة التمزقات الضخمة التي يتسبب بها النمو الرأس مالي السريع، مثل الهجرة الداخلية من الأرياف إلى المدن، والمستويات العالية من البطالة والديون المصرفية الكاسحة، فإن اقتصادها سيكون الأكبر في العالم بحلول العام 2040، وبالطبع، القوة الاقتصادية ستميل لترجمة نفسها سريعاً إلى قوة عسكرية وسياسية.

ولا يقتصر الأمر على السوق الداخلية أو الأميركية فحسب، فهناك السوق الأوروبية وعلى وجه التحديد السوق المالية السويسرية، فحديثاً أعلن اتحاد المصارف السويسرية يو بي إس (UBS)، أكبر المصارف في سويسرا أنه وقع على اتفاق تعاون استراتيجي مع بنك الصين «Bank of China».

وقد اتفق الطرفان (بعد مفاوضات طويلة لم يعلن عنها رسميا إلا يوم 23 يونيو/ حزيران الماضي) على أن يكونا شريكين متميزين في عدة مجالات من اختصاص مصارف الأعمال إضافة إلى منتجات وخدمات تتعلق بالأسهم في الصين وللعملاء من ذلك البلد. كما سيتعاون المصرفان أيضا على المستوى العملياتي في هذه المجالات.

وقال مصرف يو بي إس في بيانه: إن هذا الاستثمار يعتبر «جزءا من مقاربته الاستراتيجية التي تتمثل في التموقع في مجالات متعددة على الأسواق الصينية من أجل الاستفادة من إمكانات النمو القائمة». هذا وتخضع هذه العملية إلى الموافقة المسبقة للسلطات الصينية.

ويصنّف بنك الصين BOC الذي أنشئ العام 1902 ضمن أهم أربعة مصارف الأعمال في الصين وهي «مصرف بناء الصين» و«مصرف الصين الصناعي والتجاري» و«المصرف الزراعي للصين».

وفي العام 2004، تحول «بنك الصين» و«مصرف بناء الصين» بعد سلسلة من الإصلاحات إلى شركات مساهمة مملوكة بالكامل للدولة. وقد وضعت الحكومة الصينية 45 مليار دولار على ذمة المصرفين من أجل المساعدة على إعدادهما لدخول البورصة وللتقليل من صدمة تأثير حجم القروض غير المضمونة السداد التي تساهلت في تقديمها في السابق.

وخلال الأشهر العشرة الأوائل من السنة الماضية، بلغ حجم الأرباح التي حققها بنك الصين 54 مليار يوان (نحو 7.5 مليارات دولار أميركي) بزيادة تقدر بـ 22 في المئة على مدى العام.

من جهة أخرى، تمكن المصرف نفسه من تقليص نسبة القروض غير المضمونة السداد من 5.16 في المئة إلى 4.55 في المئة بحسب المعطيات المقدمة من طرف «بنك الصين» الذي يعتبر نفسه ثاني أهم مصرف في البلاد ويأمل في دخول البورصة في فترة لا تتجاوز بداية العام المقبل.

بالإضافة إلى «بنك الصين»، من المنتظر أن يساهم المصرف السويسري بحدود 20 في المئة في رأس مال شركة بايجينغ سيكوريتيز Beijing Securities المتخصصة في الوساطة في السوق المالية.

وقد أكدت هذا الخبر صحيفتا «الفاينانشل تايمز» اللندنية ووول ستريت جورنال الأمريكية الخبر الذي كشفت عنه صحيفة صينية اChina Business Postب.

وهذه هي المرة الأولى التي تساهم فيها مجموعة مالية دولية في شركة وساطة صينية تعمل في سوق الأسهم المالية.

وطبقا لمعلومات حصلت عليها «الفاينانشل تايمز»، فإن مشاركة مصرف يو بي إس قد تصل إلى نحو 272 مليون فرنك في رأس مال الشركة التي تعاني من مديونية مزمنة.

على صعيد آخر، يبدو أن الصين تدرك اهمية حاجتها للطاقة، وفي شهر أبريل/ نيسان الماضي، نشرت دروية «فار إيست أيكونوميست ريفيو» (Far East Economist) الاستراتيجية المتخصصة بآسيا، دراسة مطوّلة كشفت فيها النقاب عن أن العملاقين، الصيني والهندي، باتا يسندان كل توجهاتهما الاستراتيجية العالمية إلى أمرين اثنين: حاجاتهما المتنامية بشكل هائل من الطاقة، وأمن هذه الطاقة.

وتعمل الصين، حسبما تورده تلك الدورية من أجل حماية أمن إمدادات النفط. ووفقا لأرقام وزارة الطاقة الأميركية، أضحت الصين منذ فترة غير قصيرة ثاني أكبر مستورد للنفط بعد الولايات المتحدة. ومعظم هذا الطلب سيُـلبى من مستوردات الغاز الطبيعي المسيّـل والنفط من الشرق الأوسط بواسطة الناقلات. وعلى رغم كميات كافية من احتياطي الفحم المحلي في الصين، فإنه ليس هناك ما يكفي من احتياطي النفط والغاز.

وبالتالي، يتطلع صناع القرار في الصين بشكل متزايد إلى الخارج لمواجهة نقص الطاقة. ولقد بات النفط يلعب الدور الأهم في مداولات السياسة الخارجية لدى بكين. فتأمين خطوط الشحن أصبح هدفاً حاسما لها لضمان عدم قطع إمدادات الطاقة. وكما هو معروف، تأتي أكثر من 50 في المئة من واردات النفط الصينية من الشرق الأوسط عبر المحيط الهندي. كما أن 80 في المئة من كل واردات النفط الصيني تمر قرب السواحل الجنوبية الهندية عبر مضيق مالاكا. وطبيعي بعد ذلك، أن تسعى الصين إلى أن يكون لها وجود بحري قوي في المنطقة لضمان سلامة الحاملات الناقلة للنفط، وهي تشعر بقلق من احتمال قيام الولايات المتحدة (ولاحقاً في وقت ما) الهند بعرقلة هذه الإمدادات الحيوية.

وأدى كل ذلك إلى دخول شركات النفط الصينية في سباق محموم لتأمين موارد الطاقة عالمياً. وفعلاً بدأت الصين الاستثمار بكثافة في التسعينات. ويبدو أن الصين باتت الآن أكبر مستهلك للنفط السوداني والإيراني، إذ استثمرت بكثافة في هذا القطاع، خصوصاً في السودان منذ بداية التسعينات. وهي تستكشف الفرص في دول أخرى منتجة للنفط في العالم، بما في ذلك الأميركيتين، الأمر الذي قد يضعهما في النهاية في مواجهة الولايات المتحدة.

ماذا تعني كل هذه التطورات؟ شيئاً واحداً: الصينيون قادمون حتماً إلى الشرق الأوسط، سواء تم ذلك عبر بوابة مضائق آسيا الوسطى أو ثغر خلجان المحيط الهندي. وحين يفعلون (وهم بدأوا يفعلون ذلك) بالفعل. لأسباب عدة، أبرزها أن تركيز واشنطن على بكين لن يؤدي أبداً إلى غياب «نقاط الضوء الصغيرة» العربية عن شاشة رادارها. فهنا كان ولايزال النفط، الذي كان ولايزال المحور الحقيقي لكل صراعات الدول الكبرى وتنافساتها. وهنا، كانت ولاتزال «بؤرة الإرهاب» التي بنت على أساسها الولايات المتحدة كل قواعد حربها العالمية الجديدة.

وهنا، ثمة نبوءة أطلقتها «الأيكونومسيت» في نهاية القرن العشرين حين توقعت قيام تحالف تاريخي - حضاري كبير بين الصينيين والمسلمين في عشرينات القرن الحادي والعشرين، ينطلق من آسيا الوسطى ليجابه أميركا والغرب في كل مكان وبكل أنواع الأسلحة المتوافرة.

هل هي نبوءة خيالية لا أساس لها؟ ليس بالضرورة. فحروب أميركا الساخنة الراهنة في الشرق الأوسط، والباردة لاحقاً في الشرق الأقصى، ستضع الصينيين والمسلمين في مرحلة ما (!) في زورق واحد ما (!).

وحين يحدث ذلك، إذا ما قُـدر له أن يحدث، ستنضم «نقاط الضوء الصغيرة» العربية إلى نقاط الصورة العامة الصينية لتشدنا مرحلة «جديدة - قديمة» في التاريخ الإنساني: مرحلة تنتقم فيها الحضارات الشرقية القديمة من 500 سنة من هيمنة وعربدة الحضارة الغربية الجديدة.

وعند الحديث عن النفط والعلاقات الصينية - الأميركية، تنبغي الإشارة إلى الرعب الذي ساد الدوائر الحاكمة الأميركية عندما علموا بأمر شراء الصين لشركة النفط الأميركية الضخمة في كاليفورينا «يونوكال» بمبلغ فلكي قدره 18.5 مليار دولار.

ما الذي تحضره الولايات المتحدة لعلاقاتها المقبلة مع بكين؟ وما هي السيناريوهات التي ترسمها واشنطن لتلك العلاقة؟ وهل تنضوي تلك السيناريوهات تحت مظلة ما صرح به وزير الدفاع الأميركي، دونالد رامسفيلد التي أطلقها قبل أعوام محذرا بكين بأنها «ستخسر كثيراً إذا ما قررت استخدام قوتها العسكرية المتنامية بسرعة بأساليب تهدد الآخرين»؟ هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية من هذا المقال

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1477 - الخميس 21 سبتمبر 2006م الموافق 27 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً