يمكن القول الآن إن تايلند نقلت الانقلابات إلى مستوى أعلى جديد من اللاعنف وذلك انطلاقا من الرد السلمي على الانقلاب الخاطف غير الدموي الذي وقع الثلثاء وأطاح برئيس الوزراء تاكسين شيناواترا من السلطة ووضع مجموعة عسكرية في قيادة المملكة. جاء رئيس أركان الجيش التايلندي سونثي بونياراتكلين بالقوات والدبابات إلى تايلند مساء أمس الأول واستولى على البلاد من دون إطلاق رصاصة واحدة، إذ وضع العسكريين في السلطة وقد وعد هؤلاء بتسليم زمام الحكم إلى مجلس وزراء من مدنيين معينين في غضون أسبوعين اثنين وإجراء انتخابات عامة في غضون عام. تقول لوزي ما تزج المقيمة منذ فترة طويلة في تايلند والتي تدير وكالة آسيا ترافلز السياحية «لقد شاهدت 15 انقلابا بنفسي على مدى الأعوام الـ 30 الماضية وكان هذا أسهلهم على الإطلاق. إنه نوع من الانقلابات الناعمة كالحرير». وبحلول أمس انسحبت الدبابات من العاصمة وراح ما تبقى من جنود أمام المراكز التجارية وتقاطعات الطرق يتبادلون الحديث مع جماعات السياح التي راحت تحاول التقاط الصور مع الأبطال العسكريين لا مع مؤيدي تاكسين الغاضبين. وبحسب استطلاع للرأي أجرته جامعة سوان دوسيت راجاباهت فإن نحو 82 في المئة ممن شاركوا في الاستفتاء في بانكوك أعربوا عن تأييدهم للانقلاب بل والأكثر من ذلك إثارة للدهشة أن 86 في المئة أيدوه في الأقاليم.
وكان حزب راك تاي بارتي الذي ينتمي إليه تاكسين قد فاز بالانتخابات الثلاثة الماضية بغالبية كبيرة ولذلك لا يملك المرء إلا أن يتساءل أين ذهب كل هؤلاء الأنصار بعد الانقلاب. ومن الواضح أن البعض ذهب إلى الخارج. استقلت بوجامان زوجة تاكسين وهي واحدة من أشد أنصاره على الإطلاق طائرة متجهة إلى سنغافورة ليلة الثلثاء وبرفقتها ابنها بانثونجاتي وابنتها الصغرى بايثونجتارن. ويتردد أن شمل الأسرة سيلتئم في لندن إذ وصل تاكسين الأربعاء قادما من نيويورك، إذ تدرس ابنته الكبرى بيمثنجتا. ويقيمون جميعا في مبنى سكني اشتراه تاكسين - وهو ملياردير في لندن أخيرا.
كما أن عددا من حلفاء تاكسين السياسيين مثل وزير الزراعة السابق سودارات كيو رافان ووزير المالية السابق سومكيد جاثيور يبتيال في فرنسا حاليا. كما يقبع حلفاء مقربون رهن الاحتجاز لدى الجيش في بانكوك ومن هؤلاء نائب رئيس الوزراء السابق شيداشاي فانا ساتيديا وبرومين ليرتسوديج. ولكن ماذا عن نحو 19 مليونا من التايلنديين الذين صوتوا لصالح حزب تاي راك تاي في الانتخابات العامة التي جرت في فبراير/ شباط العام الماضي.
وتتركز شعبية تاكسين وحزبه في الأقاليم الشمالية والشمالية الشرقية على نحو الخصوص اذ يقيم غالبية الفلاحين الفقراء في البلاد. وثمة أسباب عملية كثيرة تفسر التزام المؤيدين في هذه الأقاليم الصمت. فبداية لم يرفع مجلس الإصلاح الإداري الأحكام العرفية التي تمنع أي تجمع يزيد عدد أفراده على 5. الأمر الثاني أن أي احتجاج منظم يستلزم أموالا لنقل المتظاهرين من الريف إلى العاصمة وفي ظل وجود تاكسين خارج البلاد وشيوع الفوضى في حزبه لم يعد ثمة مجال لتأجير متظاهرين. أما الفلاحون الفقراء فقد نال منهم الفقر مبلغه ومن ثم لا مال فائضاً لديهم للإنفاق على مظاهرات من صنع أيديهم.
وربما يلقى غياب رد الفعل من جانب أنصار تاكسين في الريف الضوء على طبيعة الشعبية السابقة لرئيس الوزراء المخلوع. يقول كرايساك شونهافان عضو البرلمان السابق ونجل رئيس وزراء سابق كان يتمتع بشعبية مماثلة في الشمال الشرقي «إذا كان لديك مال في تايلند فإنك ستحظى بشعبية فتاكسين انفق اموالا طائلة. ويقر كارايساك قائلا «شعبية والدي نشأت من حقيقة أنه كان يدفع للناس كي يشاركوا في المسيرات المؤيدة له. ولم يكن تاكسين مختلفا في هذا الأمر».
د ب أ
العدد 1477 - الخميس 21 سبتمبر 2006م الموافق 27 شعبان 1427هـ