أظهرت مناقشات صندوق النقد والبنك الدوليين خلال اجتماعاتهما السنوية التي اختتمت أمس (الأربعاء) في سنغافورة تحولات موازين القوة الاقتصادية في العالم بعد أن نجحت الاقتصاديات الناشئة وخصوصاً الآسيوية في فرض حضورها.
وفعلاً تحدث المسئولون في المؤسستين الدوليتين عن حق القوى الاقتصادية الجديدة في آسيا وخصوصاً الصين والهند في الحصول على نفوذ يعادل ثقلها في الاقتصاد العالمي حاليا.
وكان صندوق النقد الدولي وافق خلال تلك الاجتماعات التي استمرت أسبوعا على زيادة حقوق التصويت لبعض الدول ذات الاقتصاديات الناشئة وهي الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا لتناسب الثقل الذي تمثله هذه الدول في الاقتصاد العالمي. وهذا القرار يوصف بأنه أكبر تحول في سياسات الصندوق منذ تأسيسه قبل نحو ستين عاما.
كما أن هذا القرار يعطي للدول الأربع حصة أكبر من الاصوات في مجلس إدارة الصندوق الذي ظل خاضعا منذ تأسيسه لسيطرة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية.
يذكر في هذا السياق أن أوروبا والولايات المتحدة تتقاسمان بشكل غير مكتوب رئاسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ يتولى أوروبي رئاسة الصندوق في حين يتولى أميركي رئاسة البنك الدولي وهو العرف الذي لم يتغير على مدى ستة عقود.
وكانت الدول الاعضاء في صندوق النقد الدولي وعددها 184 دولة صوتت أمس بغالبية كبيرة لصالح زيادة حقوق التصويت لكل من تركيا والصين وكوريا الجنوبية والمكسيك.
وتقضي خطط الاصلاح أيضا بإجراء مزيد من المناقشات بشأن صيغة جديدة لمنح الدول النامية الاخرى صوتا أكبر في صندوق النقد وهي عملية ستستغرق عامين.
ووفقا للنظام الحالي فإن الولايات المتحدة تمتلك 17 في المئة من الاصوات داخل الصندوق في حين أن دولاً أوروبية ذات ثقل اقتصادي بسيط نسبيا مثل بلجيكا تمتلك حقوق تصويت أكبر من تلك التي تمتلكها اقتصاديات كبيرة مثل المكسيك وكوريا الجنوبية.
وقال وزير الخزانة البريطاني جوردن براون إن التحديات العالمية الراهنة تحتم على صندوق النقد الدولي أن يتكيف مع الطبيعة العالمية والتعددية لاقتصاديات في الوقت الراهن.
وفي إطار طموحات أكبر بشأن تعديل نظام التصويت داخل صندوق النقد الدولي فقد اتفقت الدول الاعضاء على منح كل الاقتصاديات الناشئة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية حصصا أكبر من الاصوات داخل الصندوق خلال العامين المقبلين.
وسيتغير نظام التصويت في البنك الدولي أيضا بطريقة مشابهة وإن كان بدرجة أقل للتغيير في نظام التصويت بصندوق النقد الدولي.
وعلى رغم اتفاق الدول الاعضاء في صندوق النقد الدولي على تغيير حصص الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا في التصويت داخل مجلس إدارة الصندوق فإنه من المنتظر أن تشهد الايام المقبلة خلافات حادة بشأن حصة كل دولة من هذه الدول وخصوصاً أن زيادة حصة أي دولة في التصويت ستكون على حساب حصص الدول الاخرى وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
أما التحدي الآخر الذي ظهر بوضوح خلال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين فهو سياسة مدير البنك الدولي بول وولفوفيتز لمحاربة الفساد في دول العالم وهي السياسة التي تثير جدلا كبيرا وتواجه معارضة قوية من جانب بعض الاطراف.
وتصدرت قضية محاربة الفساد وتشجيع الحكم الرشيد في الدول النامية جدول أعمال لجنة إعداد سياسات التنمية في صندوق النقد والبنك الدوليين التي اجتمعت يوم الاثنين الماضي في إطار الاجتماعات السنوية للمؤسستين الدوليتين التي تستضيفها سنغافورة حاليا.
وكان بول وولفوفيتز قد أكد أن جهود تشجيع ودعم الادارة في الدول النامية عنصر أساسي في محاربة الفقر بهذه الدول.
وأضاف وولفوفيتز أن الالتزام بمعايير الشفافية والمحاسبة أمر ضروري من أجل ضمان حسن إنفاق الاموال ما يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي.
وكان البنك الدولي في ظل رئيسه الحالي بول وولفوفيتز الذي كان نائبا لوزير الدفاع الاميركي قبل انتقاله إلى البنك الدولي العام الماضي قد أوقف تقديم مساعدات اقتصادية إلى دول إفريقية وآسيوية بقيمة مليار دولار بدعوى وجود ممارسات فساد في تلك الدول تحول دون تحقيق الهدف من هذه المساعدات وهو خفض معدلات الفقر بين شعوب تلك الدول الفقيرة وقد استأنف البنك تقديم الجزء الأكبر من هذه المساعدات بعد أن تعهدت الدول المتلقية للمساعدات بتبني سياسات صارمة لمكافحة الفساد.
وقال مسئولون في البنك الدولي إن الفساد في الدول النامية أدى إلى ضياع مساعدات مالية وقروض بقيمة تصل إلى تريليون دولار خلال السنوات الماضية من دون أن يستفيد الفقراء في تلك الدول الفقيرة من تلك القروض والمساعدات الدولية.
في الوقت نفسه وجه عدد من الدول الإفريقية انتقادات عنيفة إلى البنك الدولي بدعوى تبنيه لمعايير صارمة بشأن تقديم المساعدات لهذه الدول التي تقول إنه لا يجب معاقبة الشعوب بسبب فساد الحكومات.
وكانت بريطانيا أيضا قد هددت بوقف تقديم 50 مليون جنيه إسترليني من مساهمتها في موازنة البنك الدولي احتجاجا على بعض الشروط الاقتصادية المثيرة للجدل التي يحاول البنك ربطها بمساعداته للدول النامية.
ولكن بول وولفوفيتز قال أمام لجنة سياسة التنمية إن البنك الدولي لن يتخلى عن الفقراء في العالم لمجرد أن مؤسساتهم وحكوماتهم ضعيفة.
وأضاف أن التخلي عن الفقراء في هذه الحال يعني «أنهم سيعاقبون مرتين». وأشار إلى ضرورة قيام الجهات المانحة بالبحث عن قنوات بديلة لتقديم المساعدات إلى الفقراء في الدول النامية بعيدا عن المؤسسات الحاكمة الفاسدة أو الضعيفة.
وقال بول وولفوفيتز إنه مصر على أن تتجه المساعدات الاقتصادية إلى «أبطال الاصلاح» في مختلف أنحاء العالم في إشارة إلى أكثر الدول النامية التزاما بتنفيذ برامج الاصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
يذكر أن معارضي سياسات البنك الدولي سواء كدول أو منظمات تتهم بول وولفوفيتز باستغلال المساعدات الاقتصادية التي يقدمها البنك للدول النامية من أجل تنفيذ أهداف سياسية تتعلق بالخطط الاميركية.
وعلى صعيد التجارة العالمية فقد وجه صندوق النقد والبنك الدوليان أمس (الاربعاء) دعوة إلى دول العالم لاستئناف محادثات تحرير التجارة العالمية بهدف دعم النمو الاقتصادي في كل من الدول الغنية والفقيرة على السواء.
وقال مدير صندوق النقد الدولي رودريغو دي راتو: «إن جميع دول العالم مطالبة بالعمل معا من أجل القضاء على كل الاجراءات الحمائية التي تعرقل التجارة العالمية الحرة».
وأضاف أنه يتمنى وصول هذه الرسالة واضحة وعالية إلى المشاركين في مفاوضات تحرير التجارة العالمية والقادة السياسيين والمواطنين في جميع دول العالم.
وتعهد راتو بتنفيذ الوعد الذي أقره الصندوق بزيادة حقوق التصويت للدول النامية حتى يكون معبرا عن تنامي مكانة تلك الدول في الاقتصاد العالمي.
في الوقت نفسه تعهد مدير البنك الدولي بول وولفوفيتز بمواصلة سياساته لمكافحة الفساد في الدول النامية والعمل مع الحكومات في تلك الدول من أجل تحقيق هذا الهدف.
قال رئيس صندوق النقد الدولي أمس (الاربعاء): ان اتفاق زيادة حقوق التصويت لقوى اقتصادية صاعدة في عملية الاقتراع في الصندوق مجرد بداية لعملية صعبة فيما أبدى البنك الدولي استعداده لان يحذو نفس الحذو.
واعترف رئيس الصندوق رودريجو راتو في ختام اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في سنغافورة بان المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة إذ يقلق الدول الغنية فقد نفوذها بينما تضغط الدول النامية من أجل المزيد.
وهذا الأسبوع وافق الوزراء على منح الصين وكوريا الجنوبية والمكسيك وتركيا ثقلاً أكبر في عمليات الاقتراع ويلي ذلك مرحلة ثانية من الاصلاحات الاوسع نطاقاً وذات الطابع السياسي بحلول العام 2008. واعترضت 23 دولة معظمها من اميركا اللاتينية والشرق الأوسط على الخطة التي حظيت بتأييد كاسح.
وكانت الارجنتين والبرازيل والهند ومصر وإيران من الدول المعارضة قائلة ان الاصلاحات المبدئية لا تعكس بصورة كافية التحول في ميزان القوى الاقتصادية العالمية بعيداً عن الدول الغنية التي مولت الصندوق عند انشائه في العام 1945.
وتمتلك مجموعة الدول الصناعية السبع وهي: الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وكندا حصة 45 في المئة في رأس مال الصندوق ما يحدد الى حد كبير ثقلها في عملية الاقتراع.
وأصر راتو على انه سيكون هناك المزيد من الاصلاحات.
وصرح لوزراء المالية ومحافظي المصارف المركزية في ختام الاجتماعات «اتفق تماماً مع من يعتقدون أن المستقبل يحمل تحدياً كبيراً ولكنه ضروري جداً في الوقت ذاته».
وأضاف «لم ينه الاقتراع عملية جعل الحصص أكثر تمثيلاً للاقتصاد العالمي ولكنه يفتح الباب أمام عملية مهمة جداً ويدشنها».
وأعلن راتو أنه سيتصل شخصياً بجميع الاعضاء لضمان نيل المرحلة التالية الموافقة الضرورية.
وقال رئيس البنك الدولي بول وولفويتز ان المصرف سيمضي قدماً في اجراء تغييرات لهيكل ادارته إذ للولايات المتحدة واوروبا دور مهيمن ايضاً.
وهنأ وولفويتز، راتو على ما أنجزه قائلاً: «الثقل العادل ومنح صوت لكل الدول الاعضاء ضروري للصدقية والفعالية وندرك أن بوسعنا أن نحقق المزيد وأنه ينبغي علينا ذلك».
وأضاف «لقد ضربتم مثلاً يحتذى وننوي أن نسير على نهجكم»
العدد 1476 - الأربعاء 20 سبتمبر 2006م الموافق 26 شعبان 1427هـ