«إنها ليست قصة حياة فرد يقصها على الناس للعبرة والذكرى، ولكنه يروي قصة شعب عربي أصيل صارع الظلم والاستبداد منذ أزمن الحقب ومازال يصارع تلك القوى الجبارة حتى يصرعها ويخرج منتصرا... بإذن الله...».

عبدالرحمن الباكر، «من البحرين إلى سانت هيلانه».

في صباح مقارب لهذا اليوم، أي قبل شهر رمضان المبارك بأيام معدودات، وقبل أن ينفى إلى لبنان، يقول الباكر أيضاً: «جمعت نخبة أتوسم فيهم الخير والصلاح وأتوقع مساندتهم لي في مهمتي على سبيل تهيئة الجو في الأسواق والأندية والمآتم لإعادة روح الثقة بين الطائفتين (...)، وكنت أجيب العقلاء منهم بما يقنعهم بأن هذه زوبعة في فنجان فإن أي مطلب وطني لا يتم إلا بمساندة الطائفتين الواحدة للأخرى، وكل هذه الأمور ستنجز وتدرس ولابد أن تتم في غضون أيام».

عبدالرحمن الباكر، عبدالعزيز الشملان، عبدعلي العليوات، آخرون ركبوا معه السفينة، وآخرون بقت تعصف بهم فتنة النار على الساحل. ما استكان الفتية وما وهنوا، زادتهم أيامهم/ ذاكرتهم المشحونة بالبحرين حباً وتضحية، لم تكن الهيئة أيامها إلا البحرين، محفورة في ذاكرة الماضي باقية تخلق الضوء للمستقبل.

لا السياسي، لا الحقوقي، ولا الصحافي ممن يريدون بالبحرين الشر جاوزوا النهر، أظهرت الأقدار - على غير ميعاد - أنه مرور عابر على شاطئ الطهر الدلموني، رفعت الأقلام وجفت الصحف، ضوء أوال يكشف غربان الظلمة.

ماذا تبقى لأوال؟ تكاد أن تكون الظلمة، لا. إنسان البحرين الطاهر هنا، ألف عبدالرحمن الباكر هنا، آخرون في المنامة والمحرق والدراز والرفاع هنا. هم الباقون، لا يزحزح إيمانهم بأن الأرض أرضهم زعيق الزاعقين، شيعة كانوا أو سنة. البحرين كلها هنا، فلترجع الذاكرة هادئة للوراء، إنها البحرين 1953.

إنها الأرض، ولا تخون الأرض الكريمة أبناءها. كلما أوغلت رياح الفتنة في ذر رماد الطائفية في أعين الكرماء، أتتها هدأة الماء المتدفق من أعماق البحر لترفع عن أعين الكرماء أذاها. بحران هنا، ماءان هنا، الأرض هنا لا تأكل أبناءها، فمنها الباكر ومنها عبدعلي العليوات، هنا البحرين1953 مرة أخرى.

تصبح البحرين على صباح يقارب صباح الباكر في عامه ذاك، فمن ينطق بكلماته تلك التي جمعت أبناء البحرين في معصم واحد، من يمسك بأنفس الناس التي يكاد أن يتخطفها الطير، حفظ الله البحرين وأبناءها من الطامعين والمأجورين