أما على مستوى المؤسسات، فإن المنطقة تحظى باهتمام غير مسبوق في ظل وجود فرص استثمارية في البنية التحتية في منطقة الخليج بقيمة إجمالية تقدر بنحو 053 مليار دولار ابتداء من مشروعات البنية التحتية وصولاً إلى مشروعات الكهرباء والمياه ومشروعات الطاقة التي قد ترى في الاجتماعات السنوية مكاناً مثالياً لإبرام مثل هذه الصفقات. وبالنظر إلى كون اجتماعات هذا العام ستتركز على تقييم أداء الاقتصاد العالمي، فإن على الدول الخليجية والعربية بشكل الخاص أن تستعد لمواجهة انتقادات ارتفاع أسعار النفط وتأثيره على احتمالات النمو في العالم. بل إن هذه الدول يجب ألا تقف موقف المدافع عن حقوقها وانما توضيح دور سياسات النمو الاقتصادي الخاطئة التي يقودها العالم المتقدم في التأثير على تلك الاحتمالات. وليس ببعيد مسئولية هذا العالم عن فشل مفاوضات منظمة التجارة العالمية بسبب إصراره على سياسات الدعم الزراعي.
فهناك الكثير من الشواهد التي تؤكد أن ارتفاع أسعار النفط لم تثر سلبا على الاقتصاد العالمي، ومنها أن هذه الارتفاع مدفوع أساسا بزيادة الطلب العالمي نتيجة تسارع وتيرة النمو الاقتصاد العالمي لا بسبب معوقات في جانب العرض تدفع الأسعار للارتفاع بصورة غير مبررة، كما حدث في السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي. ما زاد من قدرة الاقتصاد العالمي على التأقلم مع هذا الارتفاع، وحد من تأثيره في معدلات نموه، وجعل مواصلة أسعار النفط ارتفاعها دليلا على قوة ومتانة النمو الاقتصادي العالمي لا سببا في الحد منه. كما أن التغير الهيكلي في اقتصادات الدول المستهلكة والمتمثل في ارتفاع نصيب قطاع الخدمات على حساب القطاعات التقليدية كالقطاع الصناعي والزراعي، أسهم هو الآخر في رفع كفاءة استخدام الطاقة والحد من تأثر الاقتصاد العالمي بارتفاع أسعار النفط. فقطاع الخدمات يمتاز بشكل عام بقيم مضافة عالية واستخدام أكثف للتكنولوجيا واقتصادات المعرفة، ما حد كثيرا من أهمية كلفة الطاقة إلى إجمالي كلفة الخدمات المنتجة، وجعل ارتفاع أسعار النفط هامشي التأثير في معظم أنشطة هذا القطاع متنامي الأهمية عالميا.
كذلك فإن ارتفاع الضرائب المفروضة على استهلاك النفط في معظم الدول المستهلكة قلل من نصيب سعر النفط الخام من إجمالي السعر الذي يدفعه المستهلك النهائي، ما حد من تأثير ارتفاع أسعار النفط الخام على أسعار المستهلكين.
والى جانب ذلك، لعل هذه الاجتماعات تكون مناسبة لتسليط الضوء على جهود الدول العربية في مجال الإصلاح الاقتصادي وإخضاع هذه الجهود لتقييمات دولية متفاوتة - بعضها قد لايكون محايدا - وهي - أي التقييمات - ستسهم في كل الأحوال في تسريع وتيرة تحرير الاقتصاد الوطني، والتسيير الكفء له وفقا لآليات السوق، بما يمكنه من الانتعاش والازدهار، وبما يسهل تكامله مع الاقتصادات الإقليمية، واندماجه في الاقتصاد العالمي.
وإذا كان من المتفق عليه أن الأداء الحالي للاقتصادات العربية لا يتواكب مع التحديات الواجب التصدي لها، ولا يرقى إلى الإمكانات المادية والبشرية وطاقاتها الكامنة، فإن الإبطاء في الإصلاحات الاقتصادية لها كلفة باهظة وأعباء هائلة، ولن يزيدها مرور الوقت إلا سوءاً
العدد 1475 - الثلثاء 19 سبتمبر 2006م الموافق 25 شعبان 1427هـ