يتأمل مقال اليوم في جانب حيوي من التفاصيل المتعلقة بنتائج الناتج المحلي الإجمالي البحريني للعام 2005. ويتعلق هذا الجانب بمسألة نوعية الصرف التي أدت إلى تحقيق النتائج الاقتصادية في العام الماضي. حقيقة القول من المهم أن نعرف الأسباب الحقيقية وراء التغيرات التي حصلت في الاقتصاد البحريني في العام 2005. بمعنى آخر هل جاءت التغيرات نتيجة زيادة في الاستهلاك أم في الاستثمار أم أمور أخرى؟ بحسب النظرية الاقتصادية يعتبر حدوث تطورات في الناتج المحلي الإجمالي بسبب الاستثمار أفضل من الاستهلاك نظراً إلى الدور المتواصل للاستثمار في التأثير على عجلة الدورة الاقتصادية.
باختصار ما حدث في العام 2005 يتمثل في تسجيل زيادة في الاستهلاك (الحكومي والخاص) فضلاً عن الاستثمار الحكومي وصافي الصادرات والواردات. في المقابل، حدث تراجع للاستثمارات الخاصة.
ارتفاع الاستهلاك
يلاحظ من الجدول المرفق أن متغير الاستهلاك يتمتع بدور رئيسي في النشاط الاقتصادي في البحرين. والدليل على ذلك هو أن حجم الاستهلاك (الحكومي والخاص مجتمعين) شكل 66 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2005 مقارنة بنحو 64 في المئة في العام 2004. وعلى هذا الأساس زادت الأهمية النسبية لمتغير الاستهلاك في النتائج الاقتصادية.
في التفاصيل بلغت قيمة الاستهلاك الخاص 1667 مليون دينار مشكلّة نحو 48 في المئة من مجموع الناتج المحلي في العام 2005 (مقارنة بنحو 46 في المئة في العام 2004). ويعكس هذا التطور نمو الثقة لدى المستهلكين. يشار إلى أن حجم الناتج المحلي ارتفع بواقع 253 مليون دينار في العام الماضي منها 165 مليون دينار بسبب ارتفاع الاستهلاك الخاص.
وكنا أشرنا في مقال نشر قبل نحو أسبوعين إلى نمو عرض النقد كدليل آخر على تنامي الثقة في الاقتصاد، وذلك على خلفية عملية تحرير الاقتصاد التي تنفذها الحكومة. فقد تم تسجيل نمو قدره 202 مليون دينار في العام الماضي فيما يعرف بعرض النقد بمفهومه الضيق أو (ام 1). ويشمل هذا المفهوم النقد المتداول خارج المصارف (أي في المعاملات اليومية) زائداً الودائع تحت الطلب (أي الحسابات الجارية والتي تتضمن القدرة على تحرير شيكات).
كما أن الاستهلاك الحكومي يعتبر مهماً إذ يمثل أكثر من 18 في المئة من حجم الاقتصاد (لم يحدث تغير نوعي في الأهمية النسبية للاستهلاك الحكومي في العام الماضي). حقيقة لا يعتبر الاستهلاك الحكومي أمراً إيجابياً بحد ذاته، إذ إن ذلك يمثل منافسة للقطاع العام للمؤسسات والأفراد للحصول على السلع والخدمات. وهذا بدوره يترك أثره على مستويات الأسعار وشروط الخدمات نظراً إلى ما يتمتع به القطاع العام من نفوذ.
تراجع الاستثمار
يلعب الاستثمار دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي في البحرين، لكن بالتأكيد بعد الاستهلاك. لكن وللأسف الشديد حدث تراجع للأهمية النسبية للاستثمارات الحكومية والخاصة مجتمعة من 25 في المئة في نتائج العام 2004 إلى 23 في المئة في العام 2005. وإذا كان هناك من سبب فهو بالتأكيد تسجيل تدنّ في قيمة الاستثمارات الخاصة بواقع 27 مليون دينار الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً سلبياً وربما دليلاً على محدودية الفرص الاستثمارية أو تنفيذ المشروعات الاستثمارية للقطاع الخاص على رغم الإعلان بين الحين والآخر عن مشروعات ضخمة.
نمو التجارة الدولية
من جهة أخرى، تم تسجيل زيادة في صافي الصادرات من السلع والخدمات بواقع 34 مليون دينار نتيجة ارتفاع وتيرة الصادرات وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وبحسب الإحصاءات الرسمية بلغت قيمة الصادرات والواردات معاً 4870 مليون دينار في العام 2005، أي أكثر من قيمة الناتج المحلي الإجمالي (3496 مليون دينار). وهذا بدوره يعكس الأهمية النسبية لقطاع التجارة الخارجية في الاقتصاد البحريني. بل يعتبر الاقتصاد البحريني من بين أكثر الاقتصادات العالمية انكشافاً على التجارة الدولية.
ختاماً، تشير التغيرات التي حصلت في العام الماضي إلى جملة أمور من بينها أن الاستهلاك يلعب دوراً محورياً في الحركة الاقتصادية عندنا، إذ يمثل أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي (ربما لأننا شعب يحب الاستهلاك)، مقابل تراجع في دور الاستثمارات الخاصة. وعليه، المطلوب من السلطات توفير البيئة الملائمة (سواء التشريعية أو الخدمية) في البلاد لغرض استقطاب رؤوس الأموال. المؤكد أيضاً أن النمو الاقتصادي المستدام يتحقق بواسطة الاستثمار
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1475 - الثلثاء 19 سبتمبر 2006م الموافق 25 شعبان 1427هـ