العدد 1474 - الإثنين 18 سبتمبر 2006م الموافق 24 شعبان 1427هـ

انتخابات مجلس الخبراء في إيران: تاج القيصر لا يحميه من الصداع

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تنتظر النخب الفقهية «الإيرانية» انتخابات مجلس خبراء القيادة بمزيد من الترقب وسط مجموعة من المتغيرات التي باتت تفرض نفسها في المرحلة الراهنة، فالتشظي الحوزوي تجاه المترشحين لايزال قائماً، والمجاميع الحزبية المتناغمة مع المدماك الفقهي المتعدد لا يختلف حالها عن حال سابقتها، وبالتالي فإن الاستعدادات لتلك الانتخابات تبدو مرهونة لخيارات محدودة ومعرّفة. وبالابتعاد قليلاً عن طبيعة هذا المشهد «الخبرائي» المضطرب يمكن تسجيل مجموعة متغيرات أولها هو ان رئيس مجلس الخبراء الحالي آية الله الشيخ علي فيض المشكيني والذي أجريت له حديثاً عمليتان جراحيتان؛ أعاد حضوره مرة أخرى كرقم صحيح ومركزي في المجلس المعني بمراقبة «القائد» عندما أدار الاجتماع الأخير للمجلس المنتهية ولايته وقدم تقريره النهائي بإمضائه، المتغير الثاني هو ما قاله المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي عند لقائه بأعضاء مجلس الخبراء عندما قال إن «مجلس الخبراء يعتبر رصيداً معنوياً للنظام الإسلامي، والحفاظ على مكانة المجلس والابتعاد عن المشاحنات السياسية والمحافظة على ثقة الشعب والتمتع بالحصافة والوعي يعد أمراً مهماً ولا يجوز من الناحية الشرعية هتك حرمة العلماء»، في إشارة واضحة إلى الاحتقان الدائر بين الفرقاء.

المتغير الثالث هو ما قاله آية الله الشيخ محمد تقي مصباح يزدي أحد أبرز فقهاء مدينة قم المقدسة عن لقائه بالشيخ هاشمي رفسنجاني على هامش اجتماع مجلس خبراء القيادة الأخير في طهران، عندما أشار إلى أن «جميع السادة كانوا حاضرين في الاجتماع الأخير لمجلس خبراء القيادة وشاهد أحدهم الآخر، وقد التقيت بالشيخ الرفسنجاني مصادفة في ممر المجلس، وهو شخص تربطني به صداقة منذ أربعة وخمسين عاماً، وهو من أقدم أصدقائي وكنا نتعاون معاً، وصداقتنا في غنى عن مثل هذه الأقوال، لكننا نختلف معاً من الناحية الفكرية والنهج العملي، وصداقتنا العريقة ليست بمعنى أن أفكارنا متوافقة في جميع القضايا، فنحن نختلف معاً بشأن بعض قضايا ما بعد الثورة، ومنشأ ذلك مسائـل فقهية وتنفيذية». وعندما سئل عما إذا كان أساس حجية أعضاء مجلس خبراء القيادة هو رأي الشعب أو حجيتهم قال مصباح يزدي: «إن التقليد من المراجع ليس بسبب تعبدهم بل العقل يرى السبيل الوحيد لكسب العلم اللازم في مراجعة الجاهل للعالم، وعلى هذا الأساس، يراجع الناس مراجع التقليد، وإن انتخاب الولي الفقيه من قبل مجلس خبراء القيادة، هو ذاته رجوع الجاهل إلى العالم، ولكن لأجل مأسسة انتخاب القائد، تم إعداد نظام داخلي وضوابط حتى لا يستجد خلاف في الموضوع، وينتخب نواب مجلس خبراء القيادة، الولي الفقيه لئلا يحصل خلاف في المسائل الحكومية» وهي تصريحات تشي بنوع خاص من التمايز الفكري والفقهي أخذ في التعاظم منذ بروز قوى منافسة للنظام الحزبي التقليدي، وخصوصاً عند القوى اليمينية.

ما يدفعنا لتثبيت تلك التصريحات والحوادث وقراءتها هو أنها صادرة عن أشخاص مركزيين في الحكم، وبالتالي فإن تبعاتها عادة ما تكون لها قيمة سياسية في الداخل الإيراني، وبالتالي يمكن الإشارة إلى توصيف المتغيرات المذكورة كالآتي:

(1) إن إعادة تأكيد حضور آية الله الشيخ علي فيض المشكيني البالغ من العمر خمساً وثمانين سنة، يعني بطريقة ما إعادة إنتاج للتوازن الذي كان يقوم به الشيخ طيلة المجالس الثلاثة السابقة، فضلاً عن محوريته في الحكم، كما أن التوافق المفقود بين الأطياف اليمينية التي انفرط عقدها خلال الانتخابات الرئاسية السابقة يجعل من وجود الشيخ المشكيني «ضرورة» في هذه المرحلة التي تتطلب مزيداً من الحذر في توزيع الأدوار والضبط المتقن في بازار التنازلات، على الأقل في مرحلة ما قبل الانتخابات، كذلك فإن مسألة انقسام التيار الفقهي بين الرفسنجانية واليزدية سيعني حتمية وجود شخصية تتمتع بنوع من الكارزمية المتحصلة من العمق الثوري والتاريخ النضالي، وبالتالي إيكال ذلك الدور في شخصية الشيخ المشكيني.

(2) من يتتبع خطابات المرشد وإيماءاته في الحوادث يدرك جيداً ما يرمي إليه تصريحه الأخير في محضر الخبراء، فهو أولاً أراد إيصال رسالة توبيخ للقوى اليمينية المحافظة التي دخلت في احتراب مع بعضها بعضاً منذ ذهاب ريح مجلس تنسيق قوى الثورة قبيل انتخابات الرئاسة التاسعة، وصيرورة ذلك إلى سماطين كل يحاول استقطاب أنصار الآخر، كما أن الحادثة التي تعرض لها الشيخ الرفسنجاني في مدينة قم المقدسة في شهر يونيو/ حزيران الماضي قد أزعجت المرشد كثيراً على اعتبار أن الشيخ الرئيس هو المستشار الأول غير المعلن للمرشد، سواء أكان ذلك من الجنبة العرفية أم التنفيذية، وهو من رموز الثورة الكبار، وبما أن مدبري تلك الحادثة هم من اليمين الراديكالي الجديد، المحسوب على شخصيات معينة في الحوزة، فإن ذلك يعني اقتراب مسألة الحسم بين هؤلاء وبين شعار دفاعهم عن ولاية الفقيه بطريقة مختلفة، كما أن حديث المرشد قد أعطى دفعة قوية للبطن الرخو في القوى المحافظة التقليدية التي هي في الأساس صاحبة العزاء في هذه المرحلة، بالإضافة إلى توسيع دائرة الخبراء الذين يحق لهم الترشح للمجلس المقبل.

(3) إن ما عبّر عنه الشيخ مصباح يزدي يعطي دلالة مؤكدة في بعدين مهمين، الأول يتعلق بميزان التحالف الفقهي - الحزبي القائم وعدم رغبته في إحداث تغيير في موقفه من التيار الثالث الذي ساهم بقوة في تشكيله ربما منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة في العام 2004، وبالتالي المضي قدماً في تهميش القيادات التقليدية في روحانيت مبارز وجمعية مدرسي الحوزة العلمية والنزول مستقلا عن خياراتهما، والبعد الثاني يتعلق بانعطاف ذلك على المفاهيم الجديدة لطبيعة «الخبرة» التي ينادي بها للأعضاء المرتقبين في المجلس من قبل التيار الثالث ومدى ارتكاز تلك المفاهيم على نظريات أوسع كوجهة نظر الإسلام في باب الحكومة الإسلامية، والتنصيب العام والتنصيب الخاص للحاكم، وماهية عمل مجلس الخبراء وهل هي تقديم أم تنصيب للولي الفقيه وهي ما اعتبرت الأهم من كل ذلك، فالشيخ المصباح يرى هنا بأن المجلس لا يعين الولي الفقيه ولكنه فقط يعرفه ويقدمه للناس، لأن ذلك الولي (بحسب قول الشيخ) هو منتخب من قبل إمام الزمان (ع) وعين بتنصيب عام من أجل الحكومة، مستنداً في ذلك إلى رواية «من كان منكم قد روى حديثنا»، ومن هذا المنطلق فإن حق الولاية والإشراف وزعامة المجتمع والحكومة قد منح من قبل الإمام المعصوم إلى هذا الفقيه، ولذلك فمن غير المعقول أن يمنح هذا الحق إلى أعضاء مجلس الخبراء، وبالتالي فهم يستشهدون بآراء أعضاء المجلس فقط على الفقيه الأصلح.

إن هذا النوع من التفكير يعني قفزاً على الكثير من الأدبيات الدينية المعمول بها والمقيدة بشروط إدارية أخرى، وإذا ما تحقق البعدان المذكوران سيعني القفز على الموائمات السياسية التي شيدت وفقاً للخريطة الحزبية وميزان القوى في الداخل الإيراني، وكذلك للترضيات التي كانت تتم عادة لإتمام النصاب القانوني للأعضاء من خلال الحضور المرجعي التمثيلي لمدينة قم المقدسة، وبالتالي فإن الحديث يدور الآن داخل أروقة التيارات مجتمعة عن ضرورة احتواء التيار الثالث الذي بدا ككرة الثلج، وخصوصاً أن هذا التيار وفي حال سيطرته على مجلس الخبراء سيعني الكثير، أوله تعديل اللائحة الداخلية للمجلس وبالتالي تضييق الدائرة أكثر وأكثر على قوى اليمين فضلاً عن قوى اليسار التي تتمثل الآن بعشرين عضواً «خبرائياً» فقط

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1474 - الإثنين 18 سبتمبر 2006م الموافق 24 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً