قبيل دخول فصل الصيف، تستنفر إدارات الصحف كافة إمكاناتها، من أجل استقبال موسم «الموات» كما تسميه الصحافة البريطانية. ففي هذا الموسم تبدأ تقليدياً اجازات الوزراء والوكلاء والمديرين، ويهرب كل من يتمكن من الهروب فراراً من الحر، من مختلف الطبقات. لذلك تستنفر الصحف إمكاناتها لتغطية «الفراغ الكبير» خلال موسم الموات.
من هنا لم يتوقع أحدٌ أن يكون هذا الصيف على هذه الدرجة من السخونة في البحرين، خصوصاً إذا بدأت عطلتك مع الإعلان عن توقف الحرب العدوانية على لبنان. وإذا كنت من المهتمين بالشأن السياسي العام فلن يطاوعك قلبك على عدم متابعة أخبار بلدك في الخارج.
أول خبرٍ صاعقٍ من الوطن كان مقتل مواطن على يد مواطن آخر، ولأنهما كانا من مذهبين مختلفين، وضعنا أيدينا على قلوبنا لئلا يحوّل بعض المتربصين هذه الحادثة إلى فتنةٍ طائفية، فالبلد لا يتحمل مزيداً من الفتن والنيران.
الحدث الساخن الثاني هو ما بدأ يتسرب من أخبار عن مخططٍ جديدٍ لتجنيس آلاف من الآسيويين، ولأن التجنيس عملية مختلف عليها وطنياً، فقد أثار الخبر انتقادات شديدة لدى أطياف المجتمع البحريني، خصوصاً لجهة توقيته وتزايد الشكوك من وجود أهداف «خفية» من ورائه، ووجود شبهات من دوافع بعض مؤيديه، الذين سرعان ما سيتبين أن بعضهم كان يكتب بالعمولة.
الملف من المتوقع أن يترك آثاراً سيئة بعيدة المدى ليس على تركيبة البلد السكانية فحسب، بل على الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ومن الواضح أن هناك وعياً عاماً متزايداً بخطورة الموضوع، إذ أخذت شرائح أوسع وأكثر تنوعاً تجاهر بمعارضتها له، فلم يعد مقتصراً على الجهة التي ستتضرر منه في الانتخابات فقط على المستوى القريب، بل هنا مخاوف جدية على المستوى المتوسط والبعيد لدى الأطراف الأخرى التي بدأت تستشعر الأخطار على مستقبلها ومستقبل ذراريها وامتيازاتها الحالية أيضاً. حتى القوى التي «بلعت» التجنيس فيما مضى أو أغمضت عيونها عنه، بدأت تنتبه إلى الفخ الذي ستقع فيه هذه المرة.
كان من الواضح ان قضية التجنيس الأخيرة لم تكن من النوع الذي يمكن سلقه أو بلعه أو الإغماض عنه، أو حتى الدفاع عنه بحجة «حاجة البلد إلى هذه الكفاءات النادرة»، أو على طريقة الجمبازية (ها... تذكروا العام 1938). من هنا جاءت الزوبعة الأخيرة عن «كشف» مخطط إيراني سري لشراء أراضٍ في المحرق، لأهداف سياسية خفية، ومحاولة تغيير التركيبة السكانية. وهي قضيةٌ على سوئها وفضائحيتها وضعف إخراجها، كشفت من جانب آخر كيف تتسافل الصحافة حين تعتمد في أخبارها على مواقع الكترونية يتسلم بعض كتابها المغمورين أموالاً في السر.
إذن... البلدان الأخرى (ماعدا لبنان طبعاً) مرّ صيفها كما يمر كل عام، «موسم موات»، إلاّ البحرين. ففي الموسم الذي تبدأ فيه اجازات الوزراء والوكلاء والمدراء، ويهرب كلّ من يتمكن من الهروب من الحر، وتستنفر الإدارات الصحافية لتغطية الفراغ الكبير... فإن صيف 2006 سيبقى يتذكره الناس في البحرين طويلاً... بعد أن عاشوا صيفاً طائفياً حاراً مزدحماً بكل المكدرات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1474 - الإثنين 18 سبتمبر 2006م الموافق 24 شعبان 1427هـ