معظم المدرسين لديهم ذكريات مريرة في سنوات التوظيف الأولى. ونظراً إلى الصعوبة الكبيرة التي يواجهها بعضهم في الحصول على وظيفة في أي مدرسة فإنهم يضطرون إلى القنوع - على مضض - بمصير مدرسي الاحتياط المجهول!
المشكلة تبدأ في اليوم الأول، استقبال حافل يلقاه المدرس الجديد، ويظن بأن المدرسين فرحون أكثر منه ولكنه لا يعلم بأن هذه الفرحة تخبئ له أسرارا لم يعرها بعد لأنها من اختصاص مدرسي الحتياط فقط.
وما إن تعلم الإدارة المدرسية، بوجود مدرس احتياط فإنها تجعل منه «سوبرمان» في المدرسة. فإذا تغيب أي مدرس عن أية حصة فإن الحل موجود: مدرس الاحتياط! ولا مانع من أن توكل بعض الحصص إلى مدرس الاحتياط، ولا مانع من أن يدرس مدرس الفن الاحتياطي مادة الجغرافيا، أو حتى التاريخ، وأذكر شخصيا أن مدرس التربية الإسلامية (السوبرمان) في المرحلة الثانوية كان يعطينا دروس اللغة العربية! وفي بعض الأحيان كنا مجبرين على حضور بعض حصص النحو في صفوف أخرى أو استئجار مدرس خاص لشرح الدروس التي لا يمكن أن يوصلها شرح مدرس الدين إلى عقولنا...
ولا ندري إن كانت وزارة التربية والتعليم على علم بما يحدث في كثير من مدارسها، إذ يؤكد مدرسو احتياط أن الإجراءات التي تتبع في المدارس وتمارس على مدرس الاحتياط هي إجراءات داخلية تنفذ بقرارات من الإدارات، كما أنهم أكدوا أن بعض المدرسين يستغلون وجود مدرس الاحتياط! ونعتقد أن هؤلاء المدرسين كانوا في يوم من الأيام يعانون من الموقف نفسه...
وهناك مشكلة أخرى قد تكون مرتبطة أكثر بوزارة التربية والتعليم، وهي مشكلة تنقل المدرس الجديد من مدرسة إلى أخرى، واضطراره إلى التعامل مع أجواء مختلفة وتلاميذ يختلفون باختلاف بيئاتهم ما يصعب من مهمة التدريس، ولربما يجعل من عملية بناء شخصية المدرس وطريقته في العمل أمراً صعباً.
وهناك مشكلة أخرى وهي مشكلة نصاب الحصص التعليمية، إذ يعاني بعض المدرسين من نصاب يفوق النصاب الطبيعي وهو 20 حصة في الأسبوع، فيما يحصل مدرسون على نصاب دون النصاب، وهنا يتساءل بعض المدرسين: من المسئول عن توزيع النصاب العادل؟
وربما تهون كل المشكلات التي يعاني منها المدرسون أمام «أزمة» الاحتياط التي تشبه إلى حد بعيد الأيام الأولى التي يقضيها الجندي في التدريب... صحيح أن المدرس لن يقول «لا» في شهوره الأولى، ولكن هل يعني ذلك استغلاله بهذه الطريقة المجحفة التي تقوده إلى كره اليوم الذي قرر فيه أن يدخل حقل التدريس!
أحد المدرسين في المرحلة الإعدادية كان معروفا بالعصبية أو الجنون بعبا أدق، وحين سألنا مدرسا آخر عن حاله قال لنا: هذا المدرس لم يستحمل مرحلة الاحتياط ومرحلة التنقل بين مدرسة وأخرى، ففقد شيئا من عقله... صحيح أنني لم أكن شاهدا على التحول في شخصية هذا المدرس، ولكني أبلغت بأنه لم يرض بالوضع الذي لاقاه في مدحلة مدرسي الحتياط، ونظرا لاعتراضه الدائم ظل من المغضوب عليهم على الدوام!
ولا نستغرب كثيراً حين نرى العصبية الزائدة عن حدها لدى بعض المدرسين التي تصل أحياناً إلى مرحلة أشبه بالجنون، ولنتذكر فقط أنهم خضعوا إلى عملية «طوارئ الاحتياط» فقط! صحيح أن بعض المدرسين لم يعيشوا هذه المرحلة قط، وصحيح أن بعض إدارات المدارس لا تستغل المدرسين على هذا النحو، ولا يمكن - بأي حال من الأحوال- أن نعمم الظاهرة على الجميع. ولكن على وزارة التربية والتعليم أن تبحث عنها في بعض المدارس لتخلص المدارس من مرحلة الاحتياط القسري..
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1474 - الإثنين 18 سبتمبر 2006م الموافق 24 شعبان 1427هـ