ها قد قرب شهر رمضان الكريم وكأنه لم يغب عنا طويلاً. فالأيام تمضي بلمح البصر، وما هي إلا أيام حتى نعتاد على يوميات رمضان والصيام وكل الأمور المتعلقة بهذا الشهر الفضيل. فبدأت الخيام والفعاليات الأخرى تبرز في ساحات الفنادق والمطاعم.

استغلال الأمور الدينية للكسب من قبل الشركات والفنادق شيء لابد منه في اقتصادنا المنفتح والاستهلاكي. ولابأس بأن توفر كل تلك النشاطات حركة للأموال وزيادة في التوظيف بعض الشيء. لكن لا ننسى بأن شهر رمضان هو ليس المكسب المادي، بل هو المكسب الروحاني، وإعادة النظر لأنفسنا والرجوع إلى ما يجعلنا أناساً ذوي خلق.

وبما أن بعض المكاتب والمؤسسات تقلل ساعات عملها في هذا الشهر، فلدينا فرصة لأن نثابر في العمل على معالجة وضعنا أياً كان. فمن كان منشغلاً كثيراً بالعمل لديه فرصة للارتباط مرة أخرى مع عائلته ومعارفه. ومن كان فاقد الحس الروحاني فلديه فرصة لأن يستفيد من كثرة النشاطات الدينية في رمضان. ومن كان في ورطة أدت به للمتاعب والمشكلات وحتى سوء الظن، فلديه وقت لأن يراجع حياته ويحاول أن يثبت قدميه مرة أخرى على الأرض. مهما كان أمرك، حاول أن تستفيد من الشهر الكريم، وأن تنتهز الفرصة لأن تتخطى المزاحمات اليومية التي وجدتها في أيامك الأخرى.

ولا ننسى بأن هذا هو أيضاً شهر للتسامح والتفاهم. فعلينا ألا نخجل من إبراز أهمية هذا الشهر لعملائنا الأجانب، وأن ندعوهم إلى مشاركتنا في فعاليات الشهر. فما أحلى من أن يزور مندوب أجنبي بلداً ويتعرف على طابعها الديني، الثقافي والاجتماعي. فرمضان فرصة لأن نقرب بيننا والآخرين، وأن نرحب بهم على سفرتنا، في مجالسنا، وفي مراكزنا الدينية. فلا نتكتل ونبتعد عن بقية العالم في هذا الشهر. فدعنا أن نمسك بالعالم، ونريه ما لدينا من خلق ودين حنيف. وأن نعزز الصلة عبر الحوار المفتوح بيننا وبين شركاء أعمالنا من البلدان الأخرى.

قد أدت العولمة إلى اقتصاد مشترك بين الدول والقارات، وقربت التقنية بين أفواه وآذان الشعوب المختلفة. لكن لا شيء يجعلنا أكثر صلة وأكثر حكمة من التعرف والمشاركة والاختلاط في نشاطات بعضنا بعضاً سوى الدينية، لأن في نهاية الأمر، الدين لمعظم الشعوب هو المنظور الأكبر. وما هو إلا عبر تقبل بعضنا بعضاً واحترام معتقداتنا المختلفة سنحظى بعالم مرتب بطريقة إيجابية روحانياً بقدر ما هو مرتبط اقتصادياً وسياسياً