منذ أن نشرت مقالة «أرقام هندية»، وأنا أتلقى رسائل تراوحت بين الإعجاب بالهند والعتب على كاتب المقالة لأن فيها ما ينم عن تخلف العرب. رسالة واحدة تفردت بالقول: «إن لدينا - أي نحن العرب - ما هو أكثر من العلماء والمبرزين لكن طبيعة الأنظمة السياسية العربية الحاكمة تحول دون الاستفادة منهم». كان في وسعي أن أكتفي بالإجابة على ذلك بالقول: «كما تكونوا يولى عليكم»، لكني وجدت من الأجدى أن أورد المزيد من الأرقام والبيانات التي تدل على عظمة الأمة الهندية وتنفي حصر السبب في طبيعة الأنظمة العربية، كما يحلو للبعض حين يريد أن يزيل المسئولية عن كاهله.
لقد دفعت شركة تاتا ويملكها القطاع الخاص وليس الحكومة مبلغ 118 مليون دولار لقاء شراء الشركة الكورية دايوو (Daewoo) لصناعة المركبات التجارية.
تحقق شركة صناعة الأدوية الهندية رانباكسي (Ranbaxy) 70 في المئة من مبيعاتها البالغة مليار دولار أميركي من مبيعاتها في الأسواق الخارجية و40 في المئة من مبيعاتها تذهب إلى سوق الولايات المتحدة.
تقدم الهند مساعدات مالية إلى 11 دولة لتسديد ديون تلك الدول، إضافة إلى 300 مليون دولار قدمتها كمساعدات إضافية لصندوق النقد الدولي، كما سددت مسبقا ديوناً عليها بلغت قيمتها 3 مليارات دولار لكل من البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي.
تعتبر الهند أكبر مركز عالمي لقطع وتلميع الألماس. وبلغت صادراتها منه في العام 1999 نحو 6 مليارات دولار. ويذهب بعض المصادر إلى حد القول بأن 9 من بين كل 10 قطع ألماس تباع في الأسواق العالمية، لابد وان تكون قد مرت، بشكل أو بآخر، على الهند.
ويتوقع لصناعة الملابس الهندية أن ترتفع قيمتها الإجمالية الحالية البالغة 6 مليارات دولار إلى 25 مليار دولار بحلول العام 2010. كما يحافظ احتياطي الهند من العملات الاجنبية على مستوى يبلغ 120 مليون دولار. وفي خلال العام 2002، نما التبادل التجاري بين الهند والصين بما نسبته 104 في المئة. وخلال الخمسة الأشهر الأولى من العام 2003 حققت الهند تفوقا تجاريا على الصين قيمته نصف مليون دولار.
هذا على مستوى المؤسسات، أما على مستوى الأفراد فبوسعنا أن نورد الإنجازات الهندية الآتية:
- فينود خوسلا (Vinod Khosla) هو شريك مؤسس في شركة صن مايكروسيستمز (Sun Microsystems).
- فينود داهم (Vinod Dahm) هو مخترع جذاذة البنتيوم (Pentium Chip).
- صابير بهاتيا (Sabeer Bhatia) هو مخترع ومؤسس البريد الإلكتروني هوت ميل (Hotmail).
وهناك قائمة طويلة من الأسماء اللامعة التي تضم العشرات ممن تركوا بصماتهم على مجموعة مميزة من الشركات والصناعات الدولية من أمثال راجا قوبتا (Rajat Gupta)، وأنديرا نومي (Indra Nooyi) ورانا تولر (Rana Talwar) وآخرين.
وتاريخياً قدرت الثروات التي نهبتها بريطانيا من الهند مليار جنيه إسترليني حتى العام 1901، وإذا أخذنا في الاعتبار معدلات الفائدة والتضخم تصل القيمة الحالية إلى تريليون دولار.
هذا على صعيد المال والاقتصاد، أما على صعيد الحضارة والسياسة فبوسعنا اقتطاف هذا المقطع المعبر عن التسامح الهندي الرائع: «في الهند اليوم لدينا سيدة ولدت وهي مسيحية كاثوليكية والتي هي السيدة سونيا غاندي تنحت كي يخلفها شخص ينتمي لطائفة السيخ هو مانموهان سينج، وهو الآخر مضى كي يحل مكانه رئيس عربي هو عبدالكلام، وجميع هؤلاء حكموا أمة تشكل الطائفة الهندوسية 82 في المئة من عدد سكانها».
هذه الحالة، تشكل تحدياً لكل الدول الأخرى يمكنها أن تتحلى بمثل هذا التنوع والقبول بقياداتها السياسية. لكن ربما هذا التسامح الحضاري اللا محدود هو الذي جعل الأمة الهندية تحقق تلك الأرقام القياسية العالمية.
وخير ما نختتم به حديثنا عن الهند العظيمة، هو مقتطف من كلمات قالها مؤسس الهند المعاصرة مهاتما غاندي، فعندما سئل غاندي عن الحضارة الغربية أجاب «أعتقد أنها تلائم الهند». ومن أقواله أيضا: «يمكن قياس عظمة أي أمة وتقدم قيمها من طريقة معاملتها لحيواناتها» وأخيرا نسمعه يقول إن تطبيق مقولة: «العين بالعين ستجعل العالم كله يصاب بالعمى»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1473 - الأحد 17 سبتمبر 2006م الموافق 23 شعبان 1427هـ