قبل أيام حلت الذكرى السنوية الخامسة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول التي استبسلت الولايات المتحدة كي تحولها إلى مناسبة احتفالية سادتها الكثير من المهرجانات، المحلية والعالمية على المستوى الدولي، المناهضة لما أصبحت تطلق عليه واشنطن «محاربة الإرهاب». كل تلك المهرجانات المبالغ فيها، والمبالغ الفلكية التي أنفقت عليها، لم تنتشل واشنطن من الرمال المتحركة التي راكمتها سياستها العالمية خلال فترة إدارة الرئيس بوش. فالهدوء المنشود لم يستتب في أفغانستان، والساحة اللبنانية توعد بإشعال فتيل حرب يصعب التكهن بشراستها ومداها، والملف الإيراني تتعقد بنوده وتتعدد أقطابه، والحرب في العراق يشتد أوراها، وسمعة أميركا مستمرة في التدهور. هذه الظواهر كافة ولدتها واشنطن، بشكل أو بآخر، في سياق سياستها الدولية الهادفة إلى تثبيت صورة الولايات المتحدة كالدولة الوحيدة التي تستحق أن تكون عظمى في العصر الراهن.
لكن، ألم يحن ذلك الوقت بعد الذي تدرك فيه واشنطن، أو بالأحرى إدارة الرئيس بوش الحالية، أن بوسعها أن تصبح قوة عظمى في نصرة الخير، بدلا من آلة ضخمة تزرع بذور الشر وتنشرها؟ لقد أظهرت دراسات كتلك التي أجرتها اللجنة التابعة لمنظمة الصحة العالمية بشأن الأنظمة الاقتصادية الضخمة والصحة، أن أميركا بدخلها القومي السنوي الذي يبلغ 11 تريليوناً من الدولارات تستطيع تمويل عمليات كبح انتشار أمراض كنقص المناعة المكتسب (الإيدز) والملاريا والسل، وكثير من الأمراض الفتاكة الأخرى، مقابل نسبة ضئيلة لا تذكر من الأموال التي تهدرها واشنطن في بلد مثل العراق فقط. بل إن الولايات المتحدة على علم أيضاً بأن مساعداتها التي تتبجح بها إلى دول العالم الفقيرة نسبة إلى دخلها القومي تعد الأقل، مقارنة بأي من الدول المانحة للمساعدات.
بالمقابل، وبالقدر ذاته، بوسع الولايات المتحدة أيضاً أن تستمر في ممارسة دورها، الذي تقوم به اليوم، كأكبر قوة لنشر الشر في العالم. فالموازنة العسكرية الحالية لأميركا تبلغ نحو 450 ملياراً من الدولارات، أي ما يوازي تقريباً مجموع الإنفاق العسكري لبقية دول العالم مجتمعة. وتؤمن إدارة بوش أن القوة العسكرية لأميركا تستطيع أن تشتري لها الأمن الداخلي والعالمي.
ولربما تتعظ الدوائر الحاكمة في واشنطن مما جاء في تصريح مدير مكتب الكونغرس وهي الهيئة التي تمثل مجلس الشيوخ والنواب الأميركي والتي نقلتها عنه وكالة الأنباء الفرنسية في 6 مارس/ اذار الماضي إذ حذر من أن العجز التجاري الأميركي المتراكم قد يلامس 2600 مليار دولار من الآن وحتى العام 2015 . وأضاف أن سياسة بوش المالية، التي استنزفت مليارات الدولارات، لتمويل العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان، سترهق كاهل الموازنة الأميركية حتى العام 2015.
هكذا إذاً، لا تقف سلبيات سياسة الشر عند الحدود الأميركية الخارجية، بل تتوغل كي تمس عصب الاقتصاد الأميركي وتراكم العجز في الموازنة.
ولربما في الوسع الاتعاظ مما جرى في الحادي عشر من سبتمبر 2001، والذي كان رد فعل لسياسة الشر الأميركية تلك، عندما تحررت مجموعة صغيرة من عقالها بفعل سياسة واشنطن الهوجاء في مناطق كثيرة من العالم، وخصوصاً في الشرق الأوسط، ونجحت شبكة غير تابعة لدولة ما في شن هجمة مفاجئة طالت مركز التجارة العالمي، وكادت أن تصل إلى البنتاغون، قلب المؤسسة العسكرية الأميركية، وأدت تلك العمليات إلى قتل عدد من الأميركيين تجاوز عدد القتلى الذين أوقعتهم الحكومة اليابانية في هجمة بيرل هاربور في العام 1941. وأسوأ من ذلك مما شاهدناه يوم 11 سبتمبر 2001 هو ردة الفعل العدوانية الأميركية التي لاتزال مستمرة تحت شعار «محاربة الإرهاب» والمبررات التي ترافقت معها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1472 - السبت 16 سبتمبر 2006م الموافق 22 شعبان 1427هـ