شيعت جموع حاشدة من المواطنين الذين وفدوا على قرية توبلي من جميع مناطق المملكة مساء أمس جثامين الضحيات السبع من عائلة أمان إلى مثواهن الأخير في مقبرة السيدهاشم التوبلاني، بعد أن أمّ الشيخ أحمد العصفور جموع المصلين خلف النعوش السبعة.
ووصلت الجثامين إلى توبلي عصراً على متن إسعافات سعودية بعد أن قضين نحبهن إثر انقلاب السيارة التي كانوا يستقلونها عند الخفجي (قرب الحدود السعودية الكويتية)، إذ كانوا متجهين إلى الكويت لتهنئة ابنتهم المقيمة هناك بسلامة الولادة. وأعلن وكيل ديوان سمو رئيس الوزراء علي العريض في تصريح لـ «الوسط» أن «صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة يتابع موضوع الحادث المؤلم شخصياً، وأمر المسئولين بتوفير كل الاحتياجات والإجراءات الممكنة للعائلة»، فيما قال وكيل وزارة الصحة عبدالعزيز حمزة: «إن مجمع السلمانية استقبل مصابَين من الحادث»، ووصف حالتهما بالمستقرة.
توبلي - حيدر محمد
لم يكن في رحلة الساعات الخمس شيئاً غريباً... عائلة بحرينية كاملة خرجت ظهراً إلى الكويت لتهنئ ابنتها بسلامة الوضع، عندما خرجت العائلة من البحرين متجهة إلى مقصدها لم يكن هناك أمراً مريباً لولا أن القدر داهم هذه العائلة على حين غرة وأصابها في مقتل، نساء وشابات في عمر الزهور كتبن مأساة إنسانية لا يمكن للمرء أن يعبّر عنها سوى بالدموع... الدموع هي الأخرى لا يسعفها - بالقدر الكافي ربما - أن تبكي عائلة ذهبت ضحية حادث مهول.
11 شخصاً خرجوا معاً في سيارة واحدة حتى فرّقهم القدر بين سبع ضحيات ومصابين وآخرين حائرين لا يملكون شيئاً أمام المشهد المأسوي سوى تذكر الأحبة وهم يحدقون بهدايا السلامة التي اصطحبتها العائلة لتهديها إلى ابنتها في الكويت لتهنئتها بالولادة، غير أن الهدايا تناثرت بعد انقلاب سيارة العائلة المنكوبة من نوع «CMG REPUS» بعد عطل مفاجئ عندما انفجر إطارها عند تقاطع الخفجي بالقرب من الحدود السعودية - الكويتية في مساء الجمعة الحزين.
الضحيات السبع
1- خاتون سيد جميل العلوي (18 سنة)، متخرجة من الثانوية العامة.
2- رجاء ميرزا (30 سنة)، لديها دبلوم في التمريض - زوجة الطبيب محمد حسين أمان، أم لـ 3 بنات وابنها (حسين) الذي نجا من الحادث.
3- رحاب ميرزا (25 سنة)، لديها بكالوريوس خدمة اجتماعية، كانت تنتظر التوظيف في وزارة التربية والتعليم، وكانت حاملاً، لديها بنت اسمها زهراء في البحرين نجت من رحلة الموت.
4- بتول ميرزا ( 16 سنة)، طالبة في المرحلة الإعدادية.
5- هدى حسين أمان (32 سنة)، (أخت الطبيب)، فقدت ابنتها في الحادث أيضاً، ولديها بنت توفيت وأخرى في البحرين، وكانت حامل في الشهور الأولى.
6- فاطمة رياض (سنتان و10 أشهر).
7- فاطمة عبدالله حسين (52 سنة)، زوجة ميرزا أمان، نجا ابنها (علي) من الحادث، ولديها ثلاثة ابناء في البحرين: محمد (وكيل نيابة)، حسين (يدرس بكالوريوس إعلام، سنة أخيرة) وحسن (طالب في المرحلة الثانوية)، فقدت ثلاث بنات في الحادث، ولديها ابنتان في الكويت (زينب وافتخار).
«الوسط» التقت عديل ميرزا أمان، سيدجميل محمد العلوي الذي فقد ابنته، وكان موجوداً مع ميرزا في موقع الحادث، العلوي وصف حالاً ليست بالهينة، ورواية تصلح لأن تكون مأساة بكل حذافيرها.
«نحن كنا في الكويت التي وصلناها قبل عدة أيام، وكنا في طريقنا إلى المستشفى لنهنئ افتخار ميرزا بسلامة الوضع بعد أن أنجبت ابنتها زهراء أمس، وعندما كنا في الطريق تسلم ميرزا مكالمة من شرطي من منفذ الخفجي الحدودي، ودار معه هذا الحوار القصير...
الشرطي: استطيع أن أتحدث مع الأخ ميرزا؟
ميرزا: تفضل أنا معك...
الشرطي: هل لديك بنت اسمها رحاب؟
ميرزا: ولكن من أنت؟
الشرطي: «البقية في...»، ضابط المنفذ سحب سماعة الهاتف من يد الشرطي الذي لم يتمالك نفسه.
الضابط: «نريدكم أن تأتي إلى الخفجي شخصياً».
ويعاود سيدجميل حديثه، قائلاً: «غيّرنا اتجاهنا، فبدلاً من أن نذهب إلى المستشفى عدنا إلى الشقة مجدداً، وأخذنا الجوازات واتجهنا مسرعين إلى حدود الخفجي التي تبعد نحو ساعة ونصف الساعة عن وسط الكويت (...) وصلنا إلى شرطة الخفجي، وعاينا سيارة محمد حسين الذي أقلت العائلة في رحلتها وبدا من شكل السيارة أن هناك وفيات، لكن الشرطة رفضوا الإفصاح عن أية معلومات قبل الذهاب إلى مستشفى أرامكو الذي طمأننا فيه على صحة محمد حسين الذي أصيب في كتفه، ولم يكن في وعيه حينها، لكن الطبيب أخبرنا أن حاله مستقرة، وقابلنا زهراء علي جعفر (بنت رحاب) التي كانت متأثرة من هول الصدمة، وكذلك حسين اللذين نجيا من موت محقق».
ويضيف العلوي «ميرزا حينها سأل الشرطة وطاقم المستشفى: أين البنات؟ وكررها غير مرة، ولكن الشرطة قالوا «بناتك في مستشفى آخر» (...) والتقينا مدير المستشفى الذي أجلسنا في مكتبه الخاص وقال بهيئة متدرجة: «ما حدث هو قضاء الله وقدره، ولا نستطيع أن نعترض على إرادة الله، فهو خالقنا وهو يهب ويأخذ»، ونحن سلمنّا أمرنا لله وقلنا له يا «دكتور أخبرنا عن حال خاتون، رجاء، رحاب، بتول، فاطمة ، هدى وفاطمة الصغيرة»، وبنبرة اعتراها الشجن أجاب الطبيب: «لقد اختارهن الله جميعاً»، ميرزا لم يستطع التحدث، كان عليه أن يختار خيارين مؤلمين: يكذب ما سمعه من الطبيب أو يصدق نفسه بأنه في رؤيا كاذبة ولكن لقد صدق الطبيب!
وبعد أن فاجأنا القدر بمصيبة لم تكن في الحسبان، ذهبنا لنعاين الجثث شخصياً، وكانت لحظات صعبة، لأن فراق كل هؤلاء الأحبة أصعب مما تتصور، فنحن بشر في النهاية، ومن المستشفى إلى الإدارة العامة للمرور في الخفجي، وصلنا هناك، ولقينا تعاوناً لا محدود، الكل كان في خدمتنا، والجميع عمل كرجل واحد لتسهيل الإجراءات في وقت قياسي (...) جميع من كان في المرور من المدير إلى الموظفين إلى الكتبة يستحقون الشكر فعلاً».
ويوضح العلوي أن «السفير البحريني في المملكة العربية السعودية راشد الدوسري كان على اتصال دائم مع ميرزا، وكذلك القنصل وبقية مسئولي السفارة الذين يطمئنون علينا بين فينة وأخرى، وفي الحقيقة أن اتصالاتهم لم تجعلنا نحتاج إلى أي شيء، وعلى مسار مواز كنا على تواصل مباشر مع مسئولي وزارة الداخلية البحرينية بأمر من وزير الداخلية لتذليل كل العقبات أمامنا فضلاً عن أحد الأطباء الاستشاريين في مستشفى السلمانية.
وبعد استكمال الإجراءات عدنا إلى البحرين صباحاً، ودخلت المنزل، وعلى الفور هنأتني زوجتي بمولودة افتخار الجديدة، ولكني أجبتها: «عظّم الله لك الأجر، لقد توفيت ابنتك... وأختك... وبناتها الثلاث وأخريين أيضاً»، كان هذا النبأ كالصاعقة، وتعرضت زوجتي وابنتي لحال هستيرية، فيد المنون قطفت عائلة بكاملها».
ومنذ الظهر تجمع حشد كبير من أهالي قرية توبلي والقرى المجاورة في مأتم «الهجير»، إذ كان ذوو العائلة المنكوبة ينتظرون الإسعاف الآخر الذي حمل جثامين الضحيات السبع ووزعها بين مقبرة (الحرم) ومقبرة توبلي، وطلب قيّمو المقبرة عدداً من المغسلات من الكورة وتوبلي وخارج المنطقة للمشاركة في تغسيل الضحيات.
وعند باب المقبرة كان ميرزا أمان وابناه ومعه سيدجميل وحشد كبير من العائلة والأهل في استقبال موكب جنائزي، وميرزا كان منشغلاً بين تقبيل واحتضان الأهل الذين عانقوه بحرارة وبين الجثث اللاتي نقلن الواحدة بعد الأخرى إلى المغتسل... لا أحد يدرك ما جرى هنا سوى من حضر وشاهد بأم عينيه حال ميرزا والبقية!
المسعفان السعوديان الذين كانا مع رحلة الجثث من الخفجي إلى توبلي قالوا لـ «الوسط» إنه «بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تم تكليف جميع الأجهزة المعنية في المملكة مساعدة هذه العائلة واستكمال إجراءاتها على نحو السرعة».
عملية التغسيل استغرقت وقتاً طويلاً، وخلال ثلاث ساعات غصت ساحات مسجد السيدهاشم التوبلاني بالمعزين، وبعد أن غربت شمس السبت صلى المعزون صلاة العشاءين، واستقبل الأهالي المعزين الذين كان من بينهم علماء ونواب وأعضاء في الشورى ووكلاء النيابة العامة ومئات المعزين.
المعزون الذين قدموا من مختلف مناطق البحرين ملأوا كل الساحات المحيطة بالمسجد، وعند التاسعة مساء شارك حشد عريض من المواطنين في تشييع غير معهود لسبع ضحيات من عائلة واحدة وُضعت نعوشهن على الأرض تباعاً، وأمّ المصلين الشيخ أحمد خلف العصفور، وتوجه الركب الجنائزي بنعوشه السبعة إلى المقبرة المجاورة إذ سُجيّن في مثواهن الأخير في قبور متجاورة، بينما نقل إسعاف ثان المصابين (محمد حسين أمان وعلي ميرزا أمان) إلى مجمع السلمانية الطبي.
ها هي شمس السبت أظلمت، ومعها عاشت عائلة أمان آلام الفراق الصعبة... إنه فراق الأحبة والأخلاء الذين خرجوا من البحرين وهم يحملون ابتسامات وهدايا لـ «افتخار»، وها هم قد عادوا إليها في حال مغايرة، عادوا إلى توبلي بعد يوم واحد ولكنهن محمولات على أعواد من خشب، وبالتأكيد لا يمكن لثمة سطور أن توصف الفرق بين الرحلتين!
علي محمد العريض: سمو رئيس الوزراء يتابع الحادث أولاً بأول
قال وكيل ديوان سمو رئيس الوزراء علي محمد العريض: «إن صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة يتابع موضوع الحادث المؤلم شخصياً». وذكر العريض الذي التقته «الوسط» أثناء تقديمه واجب العزاء أن «سمو رئيس الوزراء أمر جميع المسئولين بتوفير كل الاحتياجات والإجراءات الممكنة، وسموه يسأل عن أحوال العائلة ويطمئن عليها بروح أبوية وهو والد الجميع».
وكيل وزارة الصحة: المصابان بخير ويتجاوبان مع العلاج
أعلن وكيل وزارة الصحة عبدالعزيز حمزة الذي التقته «الوسط» أثناء تقديمه العزاء إلى العائلة في مسجد السيدهاشم التوبلاني أن «مجمع السلمانية الطبي تسلم حالتين هما (الدكتور محمد حسين أمان وعلي ميرزا أمان)، ولله الحمد فإن حالتهما مستقرة، لكنهما متأثران نفسياً من شدة الحادث، ويح
العدد 1472 - السبت 16 سبتمبر 2006م الموافق 22 شعبان 1427هـ