الإدارة الأميركية ليست مع مشروع الدولة في لبنان، وأنها ليست صادقة عندما تتحدث عن دعم هذا المشروع، لأنها تريد دولة تعمل لحسابها كما تريد تغليب فريق لبناني على فريق آخر في إطار لعبة تخدم فيها مصالحها ومصالح «إسرائيل».
ان الإدارة الأميركية، التي تتميز بجهلٍ غير مسبوق مقابل الإدارات التي سبقتها في قراءة الواقع اللبناني والمجموعات اللبنانية، وكذلك الوضع في المنطقة عموماً، تعمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على تقويض مشروع الدولة في لبنان عبر انحيازها لفريق لبناني معين وسعيها لقيادة الحركة السياسية اللبنانية بالمستوى الذي يتجه بالبلد إلى الصدام السياسي الذي قد يتصاعد ويدفع بالبلد نحو انقسامات خطيرة.
وعلى رغم أن الشعب اللبناني بكل طوائفه وتجمعاته السياسية، نبذ الحرب وأخذ القرار بعدم العودة إليها، فإننا نرى الإدارة الأميركية لا تزال تنفخ في نار الفتنة من خلال سفيرها تارة ومن تستخدمه تارة اخرى. ومن خلال سعيها للتأسيس على ما أحدثه العدوان الإسرائيلي على لبنان من انقسامات كانت واشنطن المسئول الرئيسي عنها عبر الهمس السياسي الذي مارسته وزيرة خارجيتها ومساعدوها لدفع البعض إلى التصعيد في مواقفهم عبر تشجيع الكثيرين على الدفع بالأمور إلى مستويات خطيرة، حتى أنه نقل عن بعض المسئولين الأميركيين استغرابهم لعدم قدرة البعض في لبنان على التحرك على رغم الفرص التي صنعتها أميركا لهم.
المطلوب من السياسيين اللبنانيين الان هو الحد الأدنى من الوطنية التي تدفع إلى مواجهة خطط العدو وتحميله المسئولية عن كل ما تسبب من مجازر وتدمير ومن ثم القيام بخطوات من شأنها أن تساهم في إعادة الثقة إلى المستويات الشعبية التي فوجئت بأن هناك من يحاول التنصل من التزاماته الوطنية حيالها منذ بداية الحرب وخلالها وحتى بعدما وضعت الحرب أوزارها ليتبين أن هناك من يريد لوتيرة الإعمار أن تخضع للوتيرة السياسية التي يجلد فيها البلد مجدداً تبعاً لما تريده الإدارة الأميركية، الأمر الذي قد يلبي شيئاً من طموحات «إسرائيل» المهزومة عسكرياً والباحثة عن جرعات سياسية لبنانية تحمي هزيمتها. إننا في الوقت الذي لا نشك في أن الحرب الإسرائيلية على لبنان بكل وحشيتها كانت جزءاً من الحروب الاستباقية التي انطلقت بها إدارة بوش والمحافظون الجدد لتشجيع «إسرائيل» على إحداث خرق في المنطقة لحسابهم وحسابها، نؤكّد أن بناء الدولة اللبنانية العادلة والقادرة والتي يأخذ فيها الجميع حقوقهم ويؤدون واجباتهم تبعاً للمقتضيات الوطنية والقانونية ولمنطق العدالة والمساواة وحفظ الاستقلال الحقيقي يمكن أن يكون أسهل الطرق التي من شأنها أن تضع الحلول للمشكلات والقضايا المطروحة. وذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال التأسيس في مجال الثقة وهو ما يتم من خلال إبعاد العوامل الخارجية عن التأثير وعن العبث بلبنان، وخصوصاً العامل الأميركي بكل ألاعيبه ودسائسه والعامل الإسرائيلي بكل خططه وأطماعه وعدوانه، ولا يمكن بناء دولة جديدة بعيداً عن عنصر الثقة الذي يقدم للجميع بالممارسات لا بالمماحكات بالإضافة إلى عنصر القوة والحماية للوطن الذي ينطلق على أساس العدل أولاً ثم على أساس البناء المادي للقوى الحامية للوطن وعلى رأسها الجيش الوطني.
الذين يتهمون المقاومة بالتبعية لإيران وسورية يمكن اتهامهم بالتبعية لأميركا وفرنسا. لا نعرف لماذا لا تعد «إسرائيل» دولة إرهابية، وخصوصاً من قِبل الأوروبيين الذين يتعاملون مع العالم العربي والإسلامي وفق منظومة أخلاقية وسياسية معينة يتحدّثون فيها دائماً عن احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية، في ظل استمرار العمليات الإرهابية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، وحربها على لبنان، بالإضافة إلى اعتقالها ومحاكمتها لنوابٍ فلسطينيين جرى انتخابهم ديمقراطياً بحسب الاعترافات الأوروبية.
نأسف لأن أوروبا خاضعة للسياسة الأميركية بشكل شبه مطلق، مع أننا نؤكد في أحاديثنا مع الأوروبيين، وخصوصاً مع سفرائهم، أن أوروبا أقرب إلينا من أميركا، وتفهمنا أكثر، ونريد علاقات جيدة معها، ولكن هذه الدول خيبت آمالنا، وتبين لنا أنها لا تتماسك أمام الضغط الأميركي.
قد يربط البعض ما يجري من مواقف بسلاح المقاومة الإسلامية هذا السلاح الذي انطلق من أجل الدفاع عن لبنان، ولأن الجيش اللبناني لم تقدم له القوة اللازمة والسلاح اللازم للدفاع عن لبنان، ولأن الدولة اللبنانية ليست في موقع الدفاع عن لبنان، لذلك وقفت موقف الحياد بين المقاومة وبين العدو الإسرائيلي في عدوانه الأخير على لبنان. وعندما يسلح الجيش تسليحاً قوياً يستطيع من خلاله أن يدافع دفاعاً قوياً عن لبنان، وعندما تقوم الدولة القوية العادلة، عندها لا تبقى هناك حاجة لسلاح المقاومة. ونحن نلاحظ الآن أن أميركا في حديثها عن تسليح الجيش اللبناني.
العامل الأميركي بكل ألاعيبه ودسائسه والعامل الإسرائيلي بكل خططه وأطماعه وعدوانه، ولا يمكن بناء دولة جديدة بعيداً عن عنصر الثقة الذي يُقدم للجميع بالممارسات لا بالمماحكات بالإضافة إلى عنصر القوة والحماية للوطن الذي ينطلق على أساس العدل أولاً ثم على أساس البناء المادي للقوى الحامية للوطن وعلى رأسها الجيش الوطني.
الذين يتهمون المقاومة بالتبعية لإيران وسوريا يمكن اتّهامهم بالتبعية لأمريكا وفرنسا لا نعرف لماذا لا تعد «إسرائيل» دولة إرهابية، وخصوصاً من قِبَل الأوروبيين الذين يتعاملون مع العالم العربي والإسلامي وفق منظومة أخلاقية وسياسية معينة يتحدثون فيها دائماً عن احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية، في ظل استمرار العمليات الإرهابية الاسرائيلية ضد الفلسطينيين، وحربها على لبنان، بالإضافة إلى اعتقالها ومحاكمتها لنوابٍ فلسطينيين جرى انتخابهم ديمقراطياً بحسب الاعترافات الأوروبية. نأسف لأن أوروبا خاضعة للسياسة الأمريكية بشكل شبه مطلق، مع أننا نؤكد في أحاديثنا مع الأوروبيين، وخصوصاً مع سفرائهم، أن أوروبا أقرب إلينا من أميركا، وتفهمنا أكثر، ونريد علاقات جيدة معها، ولكن هذه الدول خيبت آمالنا، وتبيّن لنا أنها لا تتماسك أمام الضغط الأميركي عمل على استشارة «إسرائيل» في هذا التسليح؛ هل تقبل «إسرائيل» هذا التسليح أو لا تقبل، علماً أنّ أقصى ما بلغته التقديمات الأميركية على صعيد التسليح هو مبلغ قيمته 30 مليون دولار، مما لا يفي بأي غرض تسليحي حقيقي، لأن «إسرائيل» ترفض أن يكون هناك جيش لبناني قوي يستطيع أن يدافع عن أرضه في مقابل عدوانها لو أرادت أن تعتدي.
اما عمن يقول ان حزب الله يأخذ أوامره من سورية أو من إيران، فهذا كلام غير صحيح لان هذا الحزب مستقلٌ في قراراته، ولكنّه صديق لإيران ولسورية، كما أن اللبنانيين الآخرين يعتبرون أنفسهم أصدقاء لأميركا ولفرنسا. إن الحديث عن أن هذه الحرب كانت إيرانية سورية، هو الحديث الذي لا يحترم الإنسان فيه عقله. إن المقاومين لبنانيون، وقد سبق في سنة 2000 أن حرروا الأرض اللبنانية من «إسرائيل»، وكانت حربهم هذه دفاعاً عن النفس أمام العدوان الإسرائيلي، فهم ليسوا إيرانيين أو سوريين، وإذا كان الآخرون يتهمونهم بأنهم تابعون لإيران وسورية، فنحن يمكن أن نتهم هؤلاء بأنهم أميركيون وفرنسيون وأوروبيون. مقابل كل الاتهامات الاوروبية المعلنة وغير المعلنة، نقرأ في هذه الأيام أن نائباً في الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى خارج فلسطين، وقرأنا أن بعض حاخامات اليهود يطلبون من اليهود قتل أطفال الفلسطينيين ونسائهم وشيوخهم وشبابهم، فلماذا لا تعلّق أوروبا والغرب على هذه التصريحات؟
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1471 - الجمعة 15 سبتمبر 2006م الموافق 21 شعبان 1427هـ