العدد 1471 - الجمعة 15 سبتمبر 2006م الموافق 21 شعبان 1427هـ

أرقام هندية 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأرقام المبهرة التي تناولتها الحلقة الأولى من هذا المقال لا تعني أن الهند لا تعاني من مشكلات تحاول التخلص منها. ما هي تلك... وما سياسات الهند لوضع حد لها؟... وما صورة الهند في الـ 20 سنة المقبلة؟ هذا ما ستتناوله الحلقة الثانية من هذا المقال.

وبخلاف توقعات البعض منا المبنية فقط على معلومات مضيئة كتلك التي سقناها في الحلقة الأولى من هذا المقال، تعاني الهند من مشكلات كثيرة بحاجة إلى التوقف عندها وإيجاد الحلول لها. بعض تلك المشكلات أصبحت شبه مزمنة، وربما تحتاج إلى برامج مبتكرة وخلاقة للحد من سلبياتها. أول المشكلات الخطيرة تلك هي التعليم. أو بالأحرى ضرورة توفير التعليم الأساسي للفئات المحرومة في الهند. فحين يتوفر التعليم الأساسي اللائق لفقراء الهند، فلن تكون هناك حاجة إلى أماكن محجوزة في التعليم العالي أو في أي مكان آخر.

فمنذ نالت الهند استقلالها قبل 58 عاماً، أهدرت الحكومات المتعاقبة مليارات الروبيات على سياسات تعليمية لا حصر لها ولا عدد، لكن التعليم الأولي ظل في حال يرثى لها. وطبقاً لتقرير صادر عن المعهد الوطني لإدارة التخطيط التعليمي (NIEPA) فإن 8,1 في المئة من المدارس الابتدائية في الهند ليس بها فصول، بينما 17,5 في المئة من هذه المدارس ليس بها سوى معلم واحد. فضلاً عن ذلك فإن 76,2 في المئة من المدارس ليس بها مصدر لمياه الشرب النظيفة، بينما 14,6 في المئة منها تفتقر إلى التيار الكهربي. وأقل من 4 في المئة من المدارس الأولية بها أجهزة حاسب آلي.

وعلى نحو مماثل، كشف تقرير «الحالة السنوية لتقرير التعليم عن العام 2005» الصادر عن جمعية براثام الأهلية، والذي تم إعداده بعد إجراء دراسة مسح لثمانية و20 ولاية من ولايات الهند، أن 35 في المئة من الأطفال في المرحلة العمرية ما بين 7 إلى 14 عاماً عجزوا عن قراءة فقرة بسيطة، بينما أخفق 41 في المئة منهم في حل مسألة طرح أو قسمة بسيطة مكونة من رقمين. لكن سياسة الحكومة، بدلاً من إعداد ذخيرة من العمال المتعلمين من أجل المستقبل، تعمل على الإعلاء من شأن طائفة هائلة العدد من الأميين.

وتثير هذه النتائج قدراً هائلاً من الشكوك بشأن مستويات معرفة القراءة والكتابة التي زعمت الحكومات الهندية المتعاقبة أنها نجحت في تحقيقها. وإذا ما كانت حالة التعليم الأولي بهذا السوء، فهل من المنتظر أن تحصل الفئات المحرومة في الهند على أية فرصة؟ فضلاً عن ذلك، وطبقاً لأحد أعضاء المجلس الاستشاري المركزي للتعليم (CABE) فإن 80 مليوناً من أطفال الهند الذين يبلغ تعدادهم 200 مليون طفل في المرحلة العمرية ما بين 6 إلى 14 عاماً لم يلتحقوا بأي مدرسة على الإطلاق. ومن بين العدد المتبقي (120 مليون) هناك 20 مليون طفل فقط من المتوقع أن يظلوا في المدرسة حتى السنة العاشرة من التعليم الأساسي، بينما من المرجح أن يتسرب بقيتهم من المدارس خلال هذه الفترة. ولقد أعرب رئيس وزراء الهند مانموهان سينج أخيراً عن أسفه وصدمته حين علم أن 47 فقط من بين كل 100 طفل يلتحقون بالسنة الأولى الابتدائية، يصلون إلى الصف الثامن.

كانت الحكومة قد تعهدت في برنامجها الذي أطلقت عليه «المستوى الوطني المشترك الأدنى» برفع معدلات الإنفاق العام على التعليم إلى 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن الأعوام الأخيرة شهدت، على العكس مما تعهدت به الحكومة، انحداراً ثابتاً في معدلات الإنفاق على التعليم، إذ انخفضت من 4 من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2001 - 2002 إلى 3,8 في المئة خلال الأعوام من 2002 إلى 2004، ثم إلى 3,5 في المئة خلال العام 2004 - 2005.

إن التعليم الجيد يعتبر الأصل العظيم الوحيد الذي تستطيع أية أمة أن تمنحه لشعبها. كما تبين أيضاً أن التعليم الجيد يشكل الدعم الأقل كلفة والأكثر جدوى الذي تستطيع الحكومة أن تقدمه لمواطنيها. ولكن يبدو أن اهتمام ساسة الهند يتجه نحو هدف آخر. ذلك أن بقاء معدلات معرفة القراءة والكتابة بين أفراد الشعب عند نسبة 37,5 في المئة، يستطيع هؤلاء الساسة بسهولة ويسر أن يستغلوا أصوات الناخبين من الأميين وغير المتعلمين عن طريق رشوتهم بالخمور، أو تخديرهم بالشعارات المدوية، أو حتى إرهابهم.

ثاني تلك المشكلات الخطيرة هي الفقر، وقد أطلقت دلهي خطة طموحة تستهدف القضاء على الفقر في المناطق الريفية في الهند ومساعدة 60 مليون أسرة هناك. وتضمن الخطة حصول العامل الريفي على عمل لمدة 100 يوم على الأقل في العام بعائد يعادل نحو 1,35 دولار في اليوم، أو إعانة بطالة.

بقي أن يعرف القارئ أن نحو ثلث سكان الهند، التي يزيد تعدادها عن المليار، يعيشون على أقل من دولار واحد يومياً. وسيغطي البرنامج في البداية 200 من أكثر المناطق فقرا وتخلفا في البلاد.

ويقول مراسل «بي بي سي» بولاية أندرا براديش، نافديب داريوال إن هذا البرنامج يمثل محاولة حكومية لحل مشكلة الفقر في الريف الهندي. ويصطف مئات الآلاف من القرويين الهنود في المناطق المستهدفة على أمل الاستفادة من البرنامج.

وأطلق رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج البرنامج في قرية بولاية أندرا براديش الجنوبية بمنح 5 قرويين بطاقات توظيف.

وحضرت زعيمة حزب المؤتمر الهندي الحاكم، سونيا غاندي إطلاق البرنامج الذي وصفته بأنه «خطوة مهمة وثورية».

ولكنها أضافت قائلة «مهما كان نبل البرنامج فانه لن ينجز دون شفافية ومحاسبة».

وكان حزب المؤتمر قد وصل إلى السلطة في العام 2004 وتعهد حينها بالعمل على تحسين أوضاع الفقراء في الهند. وسيتم تعميم البرنامج في كل ربوع الهند خلال السنوات الأربع المقبلة، ويعتبر خطوة مهمة للحد من الهجرة من الريف إلى المدن المزدحمة بالفعل.

ويقول المحللون إن هذه الخطة من أكثر البرامج التي تستهدف دعم الفقراء طموحا في الهند التي يعيش 70 في المئة من سكانها في الريف.

وقال وزير التنمية الريفية الهندي راجوفانش براساد سينج حينها: «إنه أكبر برنامج ضمان اجتماعي في الهند على الاطلاق».

وسيعمل الذين يتم توظيفهم من خلال البرنامج في مشروعات مثل مد الطرق، وتحسين البنية الأساسية في الريف، وشق القنوات، وغيرها من البرامج المماثلة.

وعلى رغم ذلك، يقول المنتقدون إن البرنامج مكلف للغاية وتساءلوا من أين ستوفر الحكومة تمويله الذي سيتراوح بين 5 و25 مليار دولار.

ويقولون: «بدلاً من دفع الأموال للعمالة غير الماهرة فانه من الأفضل استثمارها في تحسين البنية الأساسية في الريف خصوصاً في مجالي الرعاية الصحية والتعليم». ويقول آخرون ان ضعف الشفافية يمكن أن يؤدي إلى الفساد.

ثالث تلك المشكلات هي المشكلات الحدودية وخصوصاً تلك التي مع الجارة الكبرى «الصين». وقد أوردت صحيفة الـ «واشنطن بوست» في أحد أعدادها تقريراً مفصلاً عن هذا الموضوع في أعقاب قمة جمعت بين رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ ونظيره الصيني وين جياباو.

واعتبرت الصحيفة الأميركية أن الاتفاقات التي وقعت بين الجانبين تشير إلى تحول مهم في العلاقات بين العملاقين الأسيويين، اللذين خاضا حرباً حدودية قصيرة في 1962، وكان ينظر كل منهما إلى الآخر نظرة ارتياب.

وأضافت أن احتمال إقامة المزيد من العلاقات التعاونية يحمل مضامين عالمية مهمة، تقوم على الإمكانات الاقتصادية الضخمة للهند والصين وشهيتهما المفتوحة للطاقة والموارد الطبيعية الأخرى.

وتقول الصحيفة، إن الحكومتين الصينية والهندية وافقتا على إطار لتسوية الاختلافات الطويلة المدى بشأن 2,175 ميلا حدوديا، وتعهدا بحل النزاع من خلال مشاورات سلمية ومخلصة. كما وقعت الحكومتان على اتفاقات بشأن التجارة والتعاون الاقتصادي والمشاركة التكنولوجية والملاحة المدنية واتفاقات أخرى.

وفي بادرة حسن نية، تخلت الصين رسميا عن ادعاءاتها بشأن إقليم سيكم الصغير في منطقة الهيمالايا، وقدمت للمسئولين الهنود خريطة تظهر المنطقة كجزء من الهند. وقال مسئولون هنود وصينيون إنه للمرة الأولى تعهد الصينيون بدعم محاولة الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.

وقال وزير الخارجية الهندي شيام ساران: هناك تصاعد في مستوى العلاقات بين البلدين؛، وأضاف ان الهند والصين لا ينظر كل منهما إلى الآخر «كعدو» ولكن تعد كلا الدولتين بعضهما البعض «كشركاء».

وتقول الصحيفة إن الهند منذ فترة وهي ترقب بحذر علاقات الصين الحميمة بجارة الهند وعدوتها باكستان. ولكن في السنوات الحالية، بدأت الهند والصين في رسم مصالحهما المشتركة الأساسية في التجارة، والاستقرار الإقليمي وغيرها، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع تهديد المتطرفين الإسلاميين.

وتعود بنا الصحيفة إلى العام 2003، عندما تعهد رئيس الوزراء الهندي آنذاك بيهاري فاجباي، خلال زيارته إلى بكين باحترام سيادة الصين على التبت وعدم السماح إلى أنشطة السياسيين المعادين للصين في الهند، في إشارة إلى حكومة التبت في المنفي، التي يقودها دالي لاما. ولفتت الصحيفة إلى أن هذا التعهد تم التأكيد عليه في الإعلان الأخير المشترك.

وقال البيان: «إن الجانبين اتفقا على أن العلاقات الهندية الصينية اكتسبت طبيعة عالمية واستراتيجية». وأضاف أن حكومتي الدولتين اتفقتا على إقامة «شراكة استراتيجية وتعاونية للسلام والرخاء».

وترى الصحيفة أن الأمر الأكثر أهمية في الاتفاقات، على المدى القصير، يتمثل في الدعوة إلى حل النزاع الحدودي على أسس السجلات التاريخية والجغرافية والمطالب الأمنية ومصالح السكان الذين يعيشون في المنطقة بالإضافة إلى العوامل الأخرى، مضيفة أن هذا التقارب بين الدولتين، الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، قد يزدادا عمقاً.

هل توفق الهند في أن تضع حلا لمثل هذه المشكلات، وأخرى مثل الفساد والخدمات الصحية وتشييد البنى التحتية وفي الوقت ذاته تعزز من تلك الإنجازات التي حققتها. المعادلة الجيدة بين ما تبديه الدولة ومؤسسات المجتمع المدني تجههما هي التي سترسم معالم صورة الهند في السنوات الـ 20 المقبلة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1471 - الجمعة 15 سبتمبر 2006م الموافق 21 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً