العدد 1471 - الجمعة 15 سبتمبر 2006م الموافق 21 شعبان 1427هـ

رحل وبقي صوته... وبقي غيره بلا صوت

ألوان، الوسط - المحرر الفني 

15 سبتمبر 2006

إذا أعددتهم لن تحصيهم، وإذا أحصيتهم لن تستطيع أن تحصي أرقام الأغاني والمهرجانات والملحنين وأصحاب الكلمات، والكتيبة الفنية المؤهلة للعناية والرعاية والاكتشاف والاستغلال، فجأة وخلال شهر كامل، اختفى عالمهم، محاه صوت السلاح، فتواروا عن الأنظار، إلا قلة قليلة، عددها يثير الدهشة، بالنسبة إلى سكان مملكة الغناء، منهم لطيفة، جوليا بطرس، ماجدة الرومي، عاصي الحلاني، نوال الزغبي، دينا حايك، وحتى شعبان عبدالرحيم. أما الآخرون، وهم الكثرة، فقد انزووا، يلطمون الخدود، ويشقون الجيوب، لأن الموسم الصيفي المزدهر انهار، وأنهم بسبب الحوادث وجدوا أنفسهم في غاية الإحراج، فهم إما يقيمون مهرجاناتهم وحفلاتهم الغنائية بعيدا عن وسائل الإعلام، وإما أنهم يصرون على تمثيل دور النضال والبطولة وحب الوطن، والمقاومة بالأغنية والصمود باللحن. الذي يثبت أنهم أحياء، كما كتب بعض الصحف عن نجوى كرم، التي غنت لتثبت لـ «إسرائيل» أن الخوف لن يمنعهم من الحياة، وأنهم يريدون سلب الحياة وهي تريد أن تثبت أنهم يحيون بحفلات الغناء.

لا أتمنى أن يكون ذلك صحيحاً، تماماً كما أتمنى ألا تكون أصالة قد غنت فعلاً، لكي تثبت أننا شعوب فرقتها السياسة وتوحدت بالفن. مثل تلك الأحاديث والتبريرات مرتدة على أصحابها، تثير السخرية الحقيقية. فأي فن ذلك الذي وحدنا؟! هل هو فن التمايل والغناء على جثث الشهداء، والطرب على أصوات الموت والدمار؟ هل الذي يجمعنا هو تبلد الإحساس؟ هل أصبحنا من ذوي الدم البارد والعواطف المتحجرة، ليجمعنا الفن في وقت يتعرض فيه جزء من هذا الوطن لتفتيت الأوصال، إلى حرب شعواء تريد أن تقضي على السلام والجمال، وتريد أن تزهق الأرواح، وتقضي على الأمل والطفولة، وتغرس خنجراً في خاصرة الكرامة والعز والشرف؟

الأغنية الوطنية في مثل هذه المرحلة من عمر الأمة، تعزز الصمود وتحض على المقاومة، وتنشر الفخر والاعتزار وتستثير الحماسة. لكنها ضاعت في الحوادث الأخيرة، وموقف تخاذل في وقت الحاجة، لتكون هزيمة حقيقية أخرى تلحق بفن اليوم الذي تجرد من كل شيء، إلا من نزعة المادة وسلاح إثارة الغرائز. فنانو اليوم غالبيتهم بلا موقف وبلا قضية، وإن افتعلوا أن لديهم مثل تلك القضية، يأتي النزال الحقيقي، فتنكشف أقاويلهم. لقد عاد صوت عبدالحليم حافظ، بعد أكثر من ثلاثين عاماً، ليشارك أبناء الأمة مشاعرهم، وهو يغني «خل السلاح صاحي». لقد قدم عبدالحليم فنه في فترة أخرى مشابهة، ليكون في خدمة قضية وطنه، وعمل على أن يقيم معسكراً آخر، وثكنة عسكرية قوامها الكلمة وعتادها اللحن، وقوتها في أداء لا يعرف الخنوع أو الضعف. والغريب أنه بعد رحيله بعقود يعجز غيره من مغنيين إلا أن يكونوا بلا صوت وبلا موقف

العدد 1471 - الجمعة 15 سبتمبر 2006م الموافق 21 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً