أعادت خسارة إنتر ميلان الايطالي أمام سبورتينغ لشبونة البرتغالي صفر/1 في الجولة الأولى من تصفيات المجموعات في الدور الأول لمسابقة دوري أبطال أوروبا، مشاعر القلق إلى جماهير الفريق التي انكبت على الاحتفال طوال الأسابيع القريبة الماضية بمنحها لقب الدوري الايطالي بعد معاقبة يوفنتوس ووصيفه ميلان لضلوعهما في عملية التلاعب بنتائج المباريات. كما استعادت هذه الجماهير العريضة ذكريات التصريح الشهير لراعيه الأول ماسيمو موراتي الذي علق على اكتفاء الانتر بمركز الوصيف أو دونه في نهاية كل موسم قائلا: «علينا أن نعتاد على هذا الأمر». ومما لا شك فيه أن النتيجة المفاجئة خلطت أوراق القطب الآخر لمدينة ميلانو بعدما استهل الموسم الجديد بمعنويات عالية بفعل الأفضلية التي اكتسبها جراء معاقبة غريمه التقليدي بحسم 8 نقاط من رصيده.
وتبدو تطلعات الانتر وموراتي مختلفة تماما عما حصل في البرتغال، إذ لا يخفى على أحد أن الأخير أفرط في صرف المبالغ الخيالية طوال عقد من الزمن في سبيل استقدام أفضل لاعبي العالم لتذوق طعم الفوز بـ «السكوديتو» للمرة الأولى منذ العام 1989 أيام الثنائي الألماني الشهير لوثار ماتيوس واندرياس بريمه والمدرب المعروف جوفاني تراباتوني.
وطبعاً لم تكن الاحتفالات الصاخبة لمشجعي الانتر بغنم اللقب من قاعة المحكمة نابعة من فرحة قصوى بقدر ما هي لإحباط جماهير ميلان وعلى وجه الخصوص يوفنتوس ومديره لوتشيانو موجي المتهم الأول بالكارثة التي أصابت الكرة الايطالية، وهذا الأخير ردد دائما انه يجب أن يفرح فريق المدرب روبرتو مانشيني إذا حل في المركز الثاني خلف «السيدة العجوز».
لكن الفرحة الجزئية رافقتها مطالبة باستغلال الوضع المستجد والظفر باللقب على ارض الملعب، علما بان هذا الأمر في حال حصوله سيكون مرة أخرى مثيرا للجدل والمناقشات الحادة كون الانتر تقدم بخطوات على منافسيه قبل انطلاق البطولة بفعل العقوبات المفروضة عليهم.
وتجاهل موراتي هذه الاعتبارات وسط إصراره على اتباع تقاليده السنوية متعاقدا مع لاعبين جدد علهم يعيدون إليه ابتسامته العريضة الشهيرة، التي يعشقها جمهور الانتر بقدر تقديرهم لهذا الرجل الذي يعتبرونه واحدا منهم، إذ دأب على الوقوع في «غرام» مرتدي القمصان السوداء والزرقاء، وتعايش مع الحزن بعد كل خسارة قبل أن يواكب انطلاقة كل موسم جديد بالحماس عينه مستعدا للتضحية في سبيل تحقيق حلمه بقيادة الانتر إلى قمة المجد الكروي.
إلا انه في كل مرة أمل فيها موراتي بخط فصل مجيد في تاريخ الـ «نيرازوري» على غرار ما فعله والده انجيلو في ستينات القرن الماضي، انتهت مغامرته بما يشبه الكابوس لتختفي الوعود التي قطعها في غيمة من الدخان الأسود من دون أن يكون لديه أي داع للابتسام.
وفي الوقت الذي توقع فيه كثيرون أن يرمي موراتي المنديل الأبيض معلنا استغناءه عن ملكية النادي اللومباردي، أصر الأخير على تجميل وجه «لا غراندي إنتر» أو «الانتر الكبير»، وهذا اللقب اكتسبه النادي بعد فوزه بكأس الأندية الأوروبية البطلة عامي 1964 و1965 إلى سيطرته في تلك الفترة على مكامن البطولة المحلية.
وأدرك موراتي منذ البداية ان إعادة تسطير الانجازات المذكورة سيكون مكلفا لعائلته المالكة للنادي والتي جمعت ثروة نفطية هائلة يديرها هو بنفسه، لذا اضطر إلى تسليم الرئاسة العام 2004 للراحل جاتشينتو فاكيتي من دون أن يتجاهل ما عرف في ايطاليا بـ «ثورة إنتر» الرامية إلى تغيير صورة الفريق بقيادته أو يفقد «هوسه» لاستعادة «السكوديتو» والكأس صاحبة «الإذنين الكبيرتين».
ومنذ توليه مقاليد النادي العام 1995 وحتى الموسم الماضي، مول موراتي صفقات التعاقد مع 112 لاعبا بمعدل فريق كامل كل سنة، كما يحتل المدرب الحالي مانشيني المرتبة 14 على لائحة المدربين الذين تعاون معهم.
وكانت عائدات هذه الاستثمارات المكلفة الفوز بكأس الاتحاد الأوروبي العام 1998 وكأس ايطاليا وكأس السوبر الايطالية في نسختيهما الأخيرتين، مقابل عدد من الخيبات التي لا تنسى ومنها فقدان لقب الدوري في المرحلة الأخيرة العام 2002 لصالح «السيدة العجوز» بعد الخسارة المفاجئة أمام لاتسيو (4/2)، وتحول الفريق إلى «مقبرة للنجوم» بعد فشل الكثير من اللاعبين الكبار ضمن صفوفه وتألقهم بعد رحيلهم عنه، أمثال الألماني ماتياس زامر والهولندي دينيس برغكامب ومواطنه كلارنس سيدورف واندريا بيرلو وفابيو كانافارو والبرازيلي روبرتو كارلوس.
أما الأمر الأكيد اليوم ان الضغوط ستزداد على المدرب الشاب مانشيني، بعد الإضافات الكثيرة التي أمنتها له إدارة النادي، التي ستعطيه مزيدا من الحلول وخصوصا في خط الوسط الذي عانى الموسم الماضي من فقدان السيطرة على مجريات المباريات، فكان التعاقد مع الفرنسيين باتريك فييرا واوليفيه داكور، إلى تدعيم الهجوم بالسويدي زلاتان ابراهيموفيتش والأرجنتيني هرنان كريسبو، والدفاع بالبرازيلي مايكون والدولي فابيو غروسو المتألق في مونديال 2006.
ويقف مانشيني ورجاله أمام فرصة تاريخية لاستعادة ثقتهم المفقودة ونزعة التعطش إلى الفوز، وهذه النقاط لطالما منحت منافسيهم الأفضلية عليهم، لذا ينحصر الهدف الأساسي في الشق الأول من الموسم في توسيع الفارق والمنافسين في الـ «سيري آ» قبل التركيز على الجبهة الأوروبية التي ستكون المهمة فيها أصعب من النواحي المختلفة.
لكن مانشيني ورجاله أصحاب الأجور المرتفعة لديهم الإصرار على تسديد ديونهم المستحقة إلى موراتي بعد معاناته أعواما طويلة من الإحباط المخيب آملا في تكرار المشهد الأخير لوالده قبل 42 عاما عندما رفع الكأس الأوروبية عقب الفوز على ريال مدريد الاسباني في العاصمة النمسوية فيينا
العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ