على رغم الزوبعة التي أثيرت أخيراً بشأن قانون «الحشمة» الذي تم إقرار تطبيقه على طلبة جامعة البحرين، فإنه من الواضح أن الفئة الغالبة من طلبة الجامعة لم تتأثر بالقانون، ولم تعلق عليه سلباً أو إيجاباً. ويكون السبب في ذلك هو أن تلك الفئة الغالبة من الطلبة والطالبات يلتزمون فعلاً بالحشمة ولا يضرهم القانون من قريب أو بعيد، لأنه يقر أمراً واقعاً بالنسبة إليهم.
من الواضح أن إقرار القانون أخذ حيزاً أكبر مما يستحق من النقاش والتحليل والأخذ والرد. المؤيدون للقانون يدافعون عن الفضيلة التي ضاعت في وسط الحرم الجامعي، والمعارضون ينتقدون انتهاك الحرية الشخصية بقانون يحدد ما يتم لبسه بطريقة وصفوها بـ «المهينة».
وبين المؤيدين والمعارضين، خاض الجميع، ومازالوا، نقاشاً لا أول له ولا آخر، بشأن القانون، تفاصيله، مواده، وطرق تطبيقه، وبشأن الأسباب التي دفعت الجامعة لتبنيه، وما إذا كان من حقها أن تتبناه فعلاً.
كثير من الأسئلة رفعت بشأن سبب تطبيق هذا القانون في هذا الوقت بالذات، أسئلة أخرى رفعت بشأن تأثير التيارات الدينية على إدارة الجامعة والتي دفعت بها دفعاً لتبني قانون كان موجوداً من قبل عبر لائحة لم تفعل بشكل جدي قبلاً. أما مجلس الطلبة، فقد كان الجهة الأولى التي تتم الأسئلة بشأن دورها في هذا الموضوع، بوصفها مشتركاً في تطبيقه، إما بسلبيتها، أو بدفعها لإقراره.
بعيداً عن ذلك كله، من المجدي أن ننظر إلى الموضوع من وجهة نظر محايدة حتى نكون منصفين لكل من الطرفين المؤيد والمعارض. فعلى رغم أن الفئة الغالبة من طالبات جامعة البحرين، هي فئة محتشمة، وهي حقيقة لا يمكن أن ينكرها أحد، لأنها نابعة من طبيعة أهل البحرين المحافظة والمحتشمة، على رغم الإيحاء المبطن الذي يبعث به إقرار قانون الحشمة المذكور. ولكن، ما لا يمكن إنكاره بأي حال أيضاً، أن هناك بعض التجاوزات في المظهر من قبل فئة قليلة، يعرفها طلبة الجامعة جيداً. وهي تجاوزات لا تتناسب في أحيان كثيرة مع حرم جامعي يعد منبراً للعلم والمعرفة.
التجاوزات موجودة إذاً، على رغم الجدل العقيم الذي دخل فيه معارضو تطبيق القانون، فمن الأفضل للجميع فعلاً أن يتم التزام الحشمة في أروقة الجامعة، ولا يضر استخدام هذا «المصطلح» لأنه مصطلح نسبي، يمكن لأي شخص أن يضع حدوده ويفسره حسبما يرى، إلا أن هناك قواعد عامة للحشمة يتعارف عليها الناس، ويضعها المجتمع بتركيبته المتنوعة. وأي اختراق لما هو مألوف أو خارج عن «القبول الاجتماعي» يعتبر اختراقاً للحشمة، ذلك المصطلح الذي أثار الزوبعة.
ولكن كيف يمكن أن نقر الحشمة، ونطبقها في الجامعة، وطلبتها بالغون وصلوا إلى درجة لا يمكن معها التعامل معهم على أنهم أطفال مدارس، يحتاجون إلى تربية «قانونية إلزامية». هل القانون الذي تم وضعه، ببنوده المضحكة في أحيان كثيرة، كفيل بإقرار هذه الحشمة الضائعة»؟ وما مدى أولوية تطبيق مثل هذا القانون بالذات في جامعة تملأها المشكلات ومطالبات الطلبة من رأسها حتى أخمص قدميها؟ هي جميعها أسئلة، لابد من النقاش حولها قبل الدخول في ذلك الجدل العقيم بشأن معارضة القانون أو تأييده.
وهي أسئلة تتردد في أذهان الغالبية الصامتة من الطلبة والطالبات في جامعة البحرين، الفئة التي لم تتضرر أو تستفد من قانون الحشمة شيئاً، لتقول: ألم يكن من المفروض على الجامعة التفكير في حلول لأزمات التسجيل، وإلغاء الصيفي، وقلة الخيارات في المواد وغيرها الكثير؟
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ