العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ

دفاعاً عن الدستور في بعض مواده المنتهكة

محمد جابر الصباح comments [at] alwasatnews.com

ونحن على أبواب انتخابات جديدة لفصل تشريعي ثان، بعد أن انتهى الفصل التشريعي الأول بما حمله في طياته من سلبيات أو ايجابيات تحسب لصالح أعضاء مجلس النواب المنتخبين، ممن رزئ الشعب بانتخابه لهم، وخابت آماله فيهم، ممن انسلخوا عن جلدهم وتنكروا لوعودهم ونكثوا بعهودهم، حتى أصبحت تلك الوعود والعهود كومة من الكذب والنفاق والضحك على الذقون.

فلا الديمقراطية قد تطورت، على رغم أن مطلب الديمقراطية مطلب شعبي شامل تجذرت وتأطرت كحقيقة ارست بظلالها على ارضية الواقع المعاش على يد شهداء الحركة الدستورية الذين سجلوا بطولات النضال الحقيقي الشريف على أرض الوطن بدمائهم، وفي المعتقلات والسجون والمنافي، ودفعوا الثمن الغالي من أرواحهم وشبابهم برضا وبروح ترضي الخالق العظيم وتريح ضميرهم من أن يكونوا من الناكثين.

ولما أن تطوير الديمقراطية وتوسيع مختلف مجالاتها لا يتأتي، ولا يثبت ويصح قوله ويصدق فعله، ويدنو قطف حلو ثمارها إلا من خلال ديمقراطية سليمة، لا ديمقراطية منغولية مشوهة، تندثر في خلقتها أساسيات ما نصت عليه المادة الدستورية رقم (32) - أ - في الباب الرابع، تحت عنوان «السلطات أحكام عامة» بنصها الآتي:

أ - «يقوم نظام الحكم على اساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونهما وفقا لأحكام هذا الدستور، ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، وانما يجوز التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة وبموضوع أو موضوعات بالذات، ويمارس وفقا لقانون التفويض وشروطه».

فإذا ما تتبعنا مفاصل نصوص هذه المادة، ووقفنا نحاكي المفصل الأول في نصه: «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها...»، لم نر واقعا عمليا يجسد هذا النص ويرسيه على أرضية الواقع، ان حقيقة ما نراه ونعيشه، ان السلطة التنفيذية قد سطت على السلطة التشريعية وسلبت منها روحها المتمثل في التشريع، وتم هذا السلب من دون تفويض تشريعي، على رغم أنه لا يجوز للسلطة التشريعية أو القضائية، مع تأكيد أن ما نعنيه في إطار هذا التحليل والبحث هي السلطة التشريعية، التي تنازلت من دون قيد أو شرط عن أهم حقوقها تحت هزال أعضائها المستسلمين للاغراءات المادية وجهلهم بمتطلبات العمل البرلماني وما يتطلبه من مناورات سياسية وبراعة دبلوماسية وقدرة على الاخذ والعطاء والمواجهة والصمود ان كانت هناك ضرورة لمواجهة الخطأ لإصلاح ما شط واعوج من أمور... ناهيك عن أن امتلاك السلطة التشريعية لكامل صلاحيتها تعطيها القدرة الكاملة والراسخة على حجب الثقة عن الحكومة ومحاسبتها لحماية حقوق المواطنين، وتطوير أنظمة الانتخاب لتثبيت انتخابات نزيهة ومستقلة ومتحررة من تدخلات أجهزة الدولة، وتأثيرها على نتائج الانتخابات حتى لا تسفر عن محاصرة الديمقراطية، وتطورها. بحيث تأتي النتائج بأفضل مردود لتطلعات الجماهير ومختلف القوى الاجتماعية لمواجهة الفساد الإداري والنهب المالي المباشر وغير المباشر، كالاستيلاء على الأراضي البرية أو البحرية وتؤول مسميات الاشخاص بحجم سرقاتهم، فيصير فلان براً وفلان بحراً، وتهانينا للإدارة الحكيمة التي أوصلت وطننا البحرين وشعبنا البحريني ومسئولينا إلى هذا الوضع التهكمي المخجل؟!

أما إذا انتقلنا لنحاكم الأوضاع المزرية التي نعيشها في ظل الإصلاح العجيب، في ضوء الفقرة - ب - من المادة (32) ووقفنا عند العبارة: «السلطة التشريعية يتولاها الملك والمجلس الوطني...».

ولعل الضرورة تقتضي منا أن تقف مليا عند عبارة «المجلس الوطني» لنفرز الأوراق التي خلطتها السلطة بتعمد وقصد، إذ بهذا الفرز يمكن أن نرى حقيقة ديمقراطيتنا بمجهر الحقيقة الكاشف وهي تتوارى خجلا خلف صفوة الديمقراطيات البدائية بمجلسها الوطني النصف منتخب والنصف معين، وهو مجلس وطني يمثل ديمقراطية متخلفة بكل مفاهيم التخلف وإذا ما انتقلنا لنحاور الفقرة - ب - من المادة (32)، ووقفنا نستعرض العبارة: «السلطة التشريعية يتولاها الملك والمجلس الوطني»، وفتشنا في أوساط المجلس الوطني وفي مختلف جوانبه عن هامش مهما بسط وضاق يشغله مفهوم «التشريع» لما وجدنا له من أثر على أرضية الواقع، مما معه يصبح أعضاء مجلس النواب المنتخبون من قبل الشعب ليشكلوا السلطة التشريعية أسماء مجردة بلا مسمى وألواناً بلا شكل وطعماً بلا مذاق مهمتهم الأساسية في ظل فقدانهم مهمة التشريع... (روح روح. تعال تعال)... ومع كذا نوع من ديمقراطية ينبغي تعديل الدستور ليتم قراءة المادة (32) في فقرتها - أ - لتقرأ: «يقوم نظام الحكم على أساس من تكامل نواقص السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها...» ومع استعراضنا لشخصيات أعضاء مجلس النواب المحترمين وبما يدلون به من تصريحات وما ينظرون اليه من أمور تهم الشعب وحاجياته العامة، جميعها ان دلت على شيء فانما تدل على ضحالة فكرية وافتقار في مجال التشريع واساسياته التي من شأنها ان تؤهل عضو مجلس النواب، لأن يحق له ان يتبوأ مجلس البرلمان ويصبح عضوا فعالا ذا كفاءات تشريعية، وذا تفهم عميق لمتطلبات الشعب في جل شئونه الحياتية الملحة في مداها القريب والبعيد.

من هذا الواقع لا عجب ان تكون المهمة التشريعية ان وقعت في يد السلطة التنفيذية، إلا أن بقاء التشريع في يد السلطة التنفيذية، أمر يشوه صورة الديمقراطية ويتناقض تناقضا حادا مع ما يهدف اليه ويرنو إلى تحقيقه جلالة الملك المفدى من وراء تثبيت المادة (32) بفقرتيها - أ وب.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "محمد جابر الصباح"

العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً