لا أعرف ما السبب الذي يكمن في توجيه دعوة إلى رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير اذا كان هناك في لبنان من وجّه اليه مثل هذه الدعوة حقاً، ولا اعرف أين هي الحكمة في ذلك، والى متى سيظل لبنان ساحة مفتوحة للذين تآمروا على شعبه وعلى دولته لحساب «إسرائيل»؟
إن وقائع الحرب الاسرائيلية الاميركية الاخيرة على لبنان، بتفاصيلها وويلاتها وما تضمّنته من شراكة بريطانية في تغطية الجرائم الاسرائيلية، ومن تسهيلات قدّمها رئيس الوزراء البريطاني وخصوصاً لجهة تسهيل وصول الأسلحة الأميركية المدمِّرة إلى «إسرائيل»، لتقتل المزيد من اللبنانيين وخصوصاً الاطفال، كانت تقتضي على الأقل أن تقول الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية، وان يقول المسئولون اللبنانيون لطوني بلير إنه شخص غير مرغوب فيه في لبنان، حتى يعرف هو وأمثاله بأننا لسنا سذّجاً الى المستوى الذي يساهم فيه في قتلنا وفي ذبح أطفالنا ثم نرحّب به، أو ربما يسعى البعض من هنا وهناك ليربّت على كتفه.
إن رئيس الوزراء البريطاني الذي ساهم في تمرير الكذبة الاميركية الكبرى في العراق بشأن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، ثم ساهم في قرار الحرب على العراق وشارك فيها وفي نتائجها وفي كل ما خلّفته من مجازر لاتزال تتوالى على الشعب العراقي، هو شريك أصيل في الحرب الاسرائيلية الأميركية على لبنان، وينبغي أن يكون على الأقل محل مساءلة، لا ان يُرحّب به، ليعرف المعنيون في لبنان أن بلير الذي بات في موقع سياسي ضعيف في بريطانيا نفسها لا يمكن أن يأخذ البَرَكَة في لبنان بعد كل التغطية التي وفّرها لـ «إسرائيل» وأميركا في حربهما علينا.
إن بلير الذي دفع ببريطانيا لتسلك طريق التبعية وحتى الخضوع للإدارة الأميركية في حروبها المتواصلة على شعوبنا، قد اشترك بطريقة وبأخرى في حفلة الجنون الأميركية الإسرائيلية على لبنان، ومثّل القاتل للأطفال والنساء والشيوخ، وعمل على منع التوصل الى وقف لإطلاق النار بحجة «حلّ المسألة جذرياً»، مع أن ذلك كان لا يمنع من المطالبة ولو بهدنة توقف المجازر وعمليات القتل الاسرائيلية، وتوقف التدمير المنهجي للبنية التحتية اللبنانية.
لا ندري هل يأتي بلير ليحصي عدد الاطفال الذين ساهم في قتلهم من خلال جعل بلاده محطة لتمرير القنابل الأميركية القاتلة للإسرائيليين، أو أنه جاء ليقنع البعض في لبنان كي يندفع في المسألة السياسية إلى حيث يريد بوش، ليكون البلد فريسة لـ «إسرائيل» في حركتها السياسية القادمة بعدما عجزت عن ليّ ذراع لبنان في حربها العسكرية ضده؟!
أو أنه (بلير) يريد ان يعاين نتائج الجريمة وحجم الدمار الذي ساهم به في لبنان؟
إننا عندما نقول ذلك كله لا يعني أننا نحمل أدنى ضغينة للشعب البريطاني وللطلائع الواعية، أو لأصحاب الضمائر الحرّة فيه، أو للأقلام النزيهة في هذا الشعب والتي كشفت حجم المؤامرة وساهمت في نقد سياسة بلير وحكومته، فقد كنا في طليعة من أدان الهجمات الإرهابية التي أصابت هذا الشعب في لندن وغيرها، ولكننا نشارك الشعب البريطاني واصحاب المواقف الحرّة والنزيهة فيه في الموقف الناقد والرافض لسياسة بلير في تبعيته لأميركا (بوش)، والتغطية على جرائمها وجرائم «إسرائيل»، لأننا نعتقد ان هذا الشعب (البريطاني) يستحق رئيس وزراء افضل من طوني بلير.
المقاومة أعادت إنتاج الأمة
كنا نتابع الموقف الإسلامي والعربي الرائع في مواجهة الحرب الأميركية الإسرائيلية التي كانت بمثابة حرب عالمية ضد الإسلام والمسلمين وضد المقاومة وضد لبنان، خصوصاً بعد ان حقّقت المقاومة في هذه الحرب الشيء الكثير في حركة العنفوان للأمة، فأسقطت مقولة القوة الردعية والاستراتيجية لـ «إسرائيل»، لأول مرة. لقد كان نصر المقاومة الاسلامية نصرا للإسلام والمسلمين تماماً، كما كان النصر في معركة بدر، ففي «بدر» حقّق المسلمون التوازن مع قوة قريش، وفي هذه المعركة أثبت المجاهدون أن هناك قوة تستطيع أن تواجه «إسرائيل».
يمكن تقييم الموقف الشعبي في العالم العربي والإسلامي بانه موقف جيد، لأن هذا العالم كان في حال جوع لأي نصر، بعدما أسقطت أميركا هذا العالم فكان أن عملت المقاومة على أن تعيد إنتاج روح النصر والمواجهة للمشروع الأميركي الإسرائيلي.
وبعد هذا الانتصار علينا الآن الاستفادة من المسألة السياسية لحساب المسألة الإسلامية ولحساب الأمة كلها، وخصوصاً الوحدة بين السنّة والشيعة
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ