على «حماس» اتخاذ بعض القرارات الصعبة في غزة، وكذلك الأمر بالنسبة لأولمرت. منذ شهرين، كان القائد الإسرائيلي مقتنعاً باستكمال انسحاب «إسرائيل» من غزة سنة ، بآخر ذات نطاق أوسع من الضفة الغربية المحتلة. أما الآن، فهذا آخر ما يجول في ذهنه.
خلال تداعيات لبنان اللاحقة، إنّ الاستمرار السياسي لأولمرت يتقدّم أية سياسة فعلية. مع تعليق «إعادة ترسيم» الحدود، تقلّصت «السياسة الفلسطينية» لـ «إسرائيل» لتنحصر بمهاجمة (حماس) وبالتوصّل إلى تحرير العريف غيلاد شاليت (الذي خُطف في يونيو/ حزيران). ولكن على رغم تراجعه من لبنان، لا يستطيع أولمرت تحمّل هذا الفراغ السياسي.
منذ فوز« حماس» في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني، ترفض «إسرائيل» التعامل مع مجلس النواب الفلسطيني في حال لم تعترف «حماس» بـ «إسرائيل»، وتقرّ بوجود اتفاقات السلطة الفلسطينية وتوقف جميع أعمال العنف. ستوافق «حماس» على وقف متبادل لإطلاق النار، ولكنها سترفض الاعتراف قانونياً بشرعية «إسرائيل» إذ يتناقض ذلك مع التزامها التاريخي بالتخلّص من «إسرائيل».
لقد أوجدت عملية خطف العريف شاليت ذريعة لإرسال الجنود الإسرائيليين إلى غزة وزيادة الضغط على «حماس» بهدف قبول الشروط الثلاثة خشية إبطال حكومتها.
منذ ذلك الحين، قتل الجنود الإسرائيليون نحو فلسطيني، واحتجزوا الكثير من الأعضاء البرلمانيين في حماس، في حين تحذّر منظمات الإغاثة من احتمال مواجهة أزمة في المواد الغذائية. إنّ السلطة الفلسطينية ذات القيادة المزدوجة، غير قادرة على العمل فعلياً. فالرئيس محمود عباس (فتح) يريد التفاوض مع «إسرائيل»، ورئيس الوزراء إسماعيل هنية (حماس) يعارض شروط حكومة اتحاد مسبقة قد تخفف من المقاطعة الإسرائيلية والدولية. هناك إضراب عبثي في مدينة غزة، وتهدّد اتحادات أخرى مرتبطة بحركة «فتح» بتنفيذ إضراب على نطاق أوسع. وبالتالي فقد فشلت جهود «إسرائيل» لإيجاد العريف شاليت.
عملت «إسرائيل» وفقاً لمنطقين مضلّلين. يشير الأول إلى أنه تحت الحصارين الاقتصادي والعسكري، سيتحد الرأي العام الفلسطيني ضد «حماس». الأمر الذي لم يحصل. ويؤكّد الثاني أنه في حال سقوط حكومة «حماس»، ستحلّ مكانها حركة «فتح». إنّ حركة فتح ضعيفة جدًا لكي تحكم بمفردها، وشئنا أم أبينا، تشكّل «حماس» القوّة المسيطرة. تشير غالبيتها البرلمانية إلى أنّه لا يمكن إزاحتها من الحكم إلاّ في حال توافق «حماس» و«فتح» على تفكيك السلطة الفلسطينية.
إنّ كلا من عباس وهنية يرفضان ذلك. تشكّل السلطة الفلسطينية الهيئة الحاكمة الوحيدة شبه الشرعية التي يملكها الفلسطينيون، وتحتاج إليها كلّ من «فتح» و«حماس» لتوسيع أجندتها. أما الآن وللمرة الأولى، لا يستبعد أحد من القادة هذا الاحتمال. في حال قرّر كلّ من القادة أنّه لا يمكن تخطّي الطريق المسدود، يصبح بإمكانهما حلّ السلطة الفلسطينية معًا ورمي الكرة مباشرة في الملعب الإسرائيلي أو في محكمة المجتمع الدولي.
بالنسبة إلى البعض في «إسرائيل» وخارجها، ليس هناك أفضل من الاضطرابات الحاصلة. فقد يتم إبطال نتائج الانتخابات التي جرت في يناير/ كانون الثاني؛ وقد تكون «حماس» عرضة للهجومات المستمرة؛ وقد يفني النزاع الداخلي قدرات «فتح» المتقلّصة على تسلّم القيادة كما قد تكسب «إسرائيل» فرصة للتحكم بالأمور.
ليست الأمور بهذه السهولة. على «إسرائيل» تفادي هكذا سيناريو مهما سيكلّفها ذلك. الخطة هي الآتي: في ظل غياب التوافق على حدودها مع الضفة الغربية وغزة، ستظل «إسرائيل» دولة احتلال. ومع عدم وجود عنوان فلسطيني، قد تقع عليها مسئولية حياة جميع سكان غزة والضفة الغربية، وكما قد تشهد أعمال عنف شديدة ضد جنودها ومواطنيها. لذلك ومن أجل مصلحتها، تحتاج «إسرائيل» إلى سلطة فلسطينية ذات نفوذ حتى لو حتّم ذلك إيجاد سبيل لتسليم الحكم لـ «حماس».
أما في لبنان، وفي ظلّ غياب «حل عسكري»، تحتاج «إسرائيل» إلى إجراء سياسي يعطيها مكاسب مهمة. تكمن نقطة الخلاف في الاعتراف قانونياً بشرعية «إسرائيل». لتهدئة الوضع، قد يضطر أولمرت إلى تأجيل هذا الشرط لمرحلة قادمة، والسعي، بدلاً من ذلك، إلى التوصّل إلى وقف كلي لإطلاق النار مقابل توقّف العمليات العسكرية الإسرائيلية. وقد يُطلق سراح العريف شاليت تبعًا لإخلاء سبيل عدة مئات من الأسرى الفلسطينيين.
يتطلّب عدم بلوغ طريق مسدود، جهودًا فعلية ومبتكرة. خصوصاً بعد لبنان، إنّ أيّ ثوران مشتعل في غزة والضفة الغربية قد يحث حزب الله وإيران على السعي إلى يجاد أرض خصبة وإعاقة مصلحة «إسرائيل» المشتركة مع مصر، والمملكة العربية السعودية، والأردن في إضعاف آثار حزب الله وإيران. ممّا لا شك فيه أنّ «حماس» متأثرة بحزب الله، ولكن مع اختلاف الأجندة الفلسطينية. بتعبير آخر، من المرجّح «انتقال حزب الله» إلى غزة في حال فشلت «إسرائيل» في التعايش مع «حماس».
أشار المدير السابق لجهاز «الموساد» الإسرائيلي إفرايم هاليفي، الأسبوع الماضي في تورونتو، إلى أنّه في حين تتطابق النتائج المميتة للإرهاب، لا تتقاسم المجموعات الإرهابية المصالح ذاتها. فكلّما ازدادت شراسة عدوّك، أضاف قائلاً، كلما ازدادت أهمية التواصل معه. ثم قال هاليفي، التواصل يعني الحوار.
شيرا هيرتزوغ
صحافية كندية، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ