لقد أساء المسلمون، إلى حدّ معيّن، الفهم لمعنى الجهاد (المعنى الحرفي «الكفاح»، مع أنها غالباً ما تترجم بـ «الحرب المقدّسة») في عهد النبي محمّد (ص). وقد حصل ذلك بعد أن قاد النبي محمّد المسلمين، للمرّة الأولى، نحو انتصار عسكري في موقعة بدر سنة 623.
خلال هذه المعركة، حارب الجند الإسلامي، المؤلّف من 313 رجلاً غير مسلّحين جيدًا بغالبيتهم، ضدّ جند قريش المشرك في مكّة، وهو كامل التسليح والتجهيز، يتعدّى الـ 1000 جندي، ويقوده الكثير من القادة المتمرّسين.
لقد اندلعت تلك الحرب بشكل مفاجئ إذ قام المشركون بإبعاد المسلمين وسيطروا على جميع ممتلكاتهم حتى اضطرّ هؤلاء إلى الانتقال إلى المدينة.
بعد تلك المعركة، عند نحو 150 كيلومتراً جنوب غرب المدينة، قال الرسول خلال خطبة ألقاها على المحاربين في معركة بدر: «في الواقع، لقد انتقلنا من الجهاد الأصغر لنواجه الجهاد الأعظم». تفاجأ زملاؤه بكلامه حتى سأله أحدهم: «ماذا تقصد بالجهاد الأعظم يا نبيّنا؟» فأجابه النبي: «الجهاد ضد رغباتنا».
اليوم، وبعد مرور 14 قرناً من الزمن، لم يدرك المسلمون، من نواحٍ عدّة، المعنى الحقيقي للجهاد. تسهل ملاحظة هذا الالتباس من خلال العدد الكبير للخطط المرسومة في بلدنا، والهادفة لإرسال المتطوّعين إلى فلسطين ولبنان ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية. لقد احتشد معظم هؤلاء المجاهدين مع مجموعات مماثلة على غرار منظمة مجلس المجاهدين الإندونيسي (MMI)، وجبهة الدفاع عن الإسلام (FPI)، وحركة الشباب المسلم (GPI). للأسف، انّ النظام التعبوي المستخدم، والتدريب القتالي للمتطوعين يشيران إلى أنّهم حسبوا الحرب ضد «إسرائيل» مماثلة لموقعة بدر، أي أنها تتضمّن القتال وجهًا لوجه. فيبدو أنهم لم يدركوا أنّ هذه الحرب قائمة باستخدام تكنولوجيا متطوّرة للغاية، وأنّها تختلف عن الأسلوب الحربي المعتمد خلال عهد النبي محمّد.
فعلى سبيل المثال، من ناحية تطوّر الأسلحة فقط، يُعتبر المسلمون متأخّرين عن «إسرائيل» التي تتمتّع بدعم الولايات المتحدة. كما تتفوّق «إسرائيل» على الجيوش الإسلامية من نواحٍ أخرى، على غرار المهارات الدبلوماسية.
في حال إغفال هؤلاء المتطوّعين لتلك النواحي، فكأنهم عجزوا عن فهم تعليمات النبي محمّد الذي علّق أهمية كبيرة على الاستراتيجية الحربية وعلى التحضير الذهني.
يمكن أن نفهم رسالة النبي إذا درسنا الاستراتيجية التي اتّبعت في موقعة أُحد، والتي جرت في السنة التي تلت معركة بدر، إذ ركّز النبي عدداً من النبّالين (مطلقي السهام) الماهرين على تلّة أُحد، على نحو ما يقارب الستة كيلومترات جنوب المدينة، بعد أن درس تشكيلات المعركة ومواطن القوة لكلّ جهة. ومرّة جديدة، افتعل هذه الحرب قريش المكيين الذين أُحبطوا كثيرًا بعد أن هُزموا في موقعة بدر.
يعني ذلك أنّه في حال لم يعر المسلمون أهمية للنواحي المهمة المختلفة للانتصار في عصرنا الحديث، فكأنهم مجددًا، يسيئون فهم المعنى الحقيقي للجهاد. وبالتالي، تبدّل معنى الجهاد ليتحوّل من حرب مقدّسة إلى حرب غير مقدّسة تؤدّي إلى إيقاع قتلى لا مغزى لها، ذلك بسبب عدم إدراك المعنى الحقيقي للجهاد.
هناك جملة من الأمور يجب على الذين ينوون أن يصبحوا متطوّعين جهاديين أخذها في الاعتبار، على غرار كونهم متأهلين أم لا، أم إذا اتخذوا الترتيبات اللازمة لعائلاتهم المتروكة في إندونيسيا وسط الصعوبات الاقتصادية الحالية.
إنّ سوء الإدراك المرتكز على عدم أخذ جميع الأمور في الاعتبار بصدق وعمق، هو تماماً كفشل صحابة النبي محمّد في إدراك معنى «الجهاد الأعظم»، أي الحرب ضد رغباتنا.
الجهاد، الذي يعني الكدّ في العمل وفقًا لمصطلحات العلاّمة (القادة الروحيين)، يعني استجماع القدرات التي نملكها من أجل دعم الحقيقة والفضائل ومكافحة الظلم والشر، على أمل الحصول على بركة الله.
ولكن تم تفسير الجهاد من قبل مجموعات مختلفة وفقًا لإدراكهم الخاص لهذا المصطلح. فبالنسبة إلى عدد من القادة المسلمين المجاهدين على غرار أسامة بن لأدن ومولانا مسعود أزهر، قائد جيش محمّد، مجموعة موقوفة من المجاهدين في باكستان، انّ الجهاد يعني القتل.
إذا نظرت إلى السورة 29، الآية 69 من القرآن لوجدت أنّ الجهاد لا يعني القتل، وإنما هو العمل بكدّ من أجل الحصول على بركة الله. فيشكّل الجهاد، بالنسبة إلى المجموعات أو الأفراد، أمرًا أساسيًا كجزء من الرحلة نحو السمو الروحي.
فيما تمّ تفسير الجهاد بأساليب مختلفة بين المسلمين، قام عدد من الوجوه الإسلامية هنا بانتقاد المخططات الهادفة في إندونيسيا إلى إرسال المجاهدين إلى الشرق الأوسط.
برأي محمّدية رئيس مجلس دين سيامسدّين، أنّه خلال التنفيذ يشكّل الجهاد ما يسمّيه بالحق الإنساني، «...أريد تذكير الجميع بأنّ أرض المعركة في الشرق الأوسط تتضمّن استخدام أسلحة معاصرة. لذلك تبرز أهمية المهارات العسكرية».
لايزال هناك الكثير من المجالات الأخرى إذ يمكن للراغبين في مساعدة الفلسطينيين واللبنانيين تنفيذ الجهاد، يشير قائلاً: يمكن اللجوء إلى الجهاد السياسي عبر الاستمرار في ممارسة الضغط على الأمم المتحدة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية. أما على الساحة الاقتصادية، فيمكن تنفيذ الجهاد عبر تأمين المساعدات المالية. حتى أنّه يمكن تنفيذ جهاد روحي عبر إقامة الصلوات.
في هذه الأثناء، يقول حازم موزادي، الذي يترأس جمعية نهضة العلماء، أكبر منظمة إسلامية في البلاد، إنّه يجب على المسلمين أن يتّحدوا. كما يجب على الدّول العربية، خصوصاً، أن تضمّ قواها من أجل وقف الاعتداءات من قبل «إسرائيل». ثم يثبت أنّه من الأفضل إرسال قوات لحفظ السلام إلى لبنان، بدلاً من إرسال متطوّعين مجاهدين.
آخذين في الاعتبار آراء العلاّمة والمفهوم الصحيح للجهاد، على المتطوّعين المجاهدين مراعاة اقتراح الحكومة بأنّه ليس مناسباً لهم أن يذهبوا إلى لبنان في الوقت الحالي. يتمثل السبيل الأكثر عملية وواقعية بالنسبة لإندونيسيا، بالتصرّف بشكل بنّاء وبالمساهمة في قوات لحفظ الأمن الدولية في لبنان وفلسطين عندما تقرّر الأمم المتحدة ذلك.
كما قال وزير الخارجية حسن ويرايودا، تشكّل إندونيسيا بلداً إذ يتمتّع مواطنوه بحرية السفر إلى أي مكان. وبالتالي، لا يمكن للحكومة أن تمنع الناس من السفر. فجلّ ما يمكن فعله هو تحذير المواطنين الإندونيسيين من المخاطر التي قد يواجهونها في حال وافقوا على إرسالهم في جميع الأحوال إلى لبنان.
محمّد يزيد
صحافي اندونيسي، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1469 - الأربعاء 13 سبتمبر 2006م الموافق 19 شعبان 1427هـ