من الطبيعي، بل من علامات الصحة السياسية أن تزداد حمى الانتخابات هذه الأيام على مستويات عدة... والأمل يحدونا في أن نستفيد من تجربة الاستعداد للانتخابات المقبلة بهدف تطوير الآلية الحزبية التي تستطيع إدارة العمل السياسي بشكل متطور، ففي الانتخابات الماضية كانت الجمعيات السياسية حتى الأيام الأخيرة ممنوعة من الدخول على أساس تكتل وقوائم باسماء اتجاهات، أما في هذه الانتخابات فإن جميع الكتل استعدت وتستعد على أساس طرح قوائم ستقوم بالدعاية والترويج لها بهدف إيصالها إلى مجلس النواب (وإلى المجالس البلدية أيضاً).
الجمعيات السياسية مازالت بحاجة إلى خبرات عملية لكي تطور آلياتها لإدارة نشاطاتها بعيداً عن الاطر التقليدية. فحالياً لدينا اتجاهات إسلامية (تتصدرها الوفاق، المنبر الإسلامي والأصالة)، ذات جمهور واضح، فهناك جمعيات أخرى لديها أيضاً قواعدها النخبوية والمجتمعية... لكن النشاط في كثير من الأحيان لم يختلف عن السابق.
فالاتجاهات الرئيسية لديها شارع ليس بسبب تنظيمها السياسي وإنما بسبب مساجد وحسينيات وشخصيات دينية وجمعيات دينية وصناديق خيرية وامتدادات داخل المجتمع تمت على فترات طويلة. وهذا يعني أن الشارع السياسي مؤدلج وينحو باتجاه التصويت على أساس ولاءات محددة مسبقاً. تلعب فيها عوامل الانتماء للمذهب وللاتجاه الفكري داخل المذهب، الدور الرئيسي ومثل هذا الوضع ليس عيباً، لكن ينبغي أن يكون بداية تتطور من خلالها العملية السياسية، فالعيب هو أن يصوت الناخب على أساس ولاءات تقليدية بغض النظر عن الاداء والبرنامج والكفاءة التي من المفترض أن تكون جزءاً لا يتجزأ من عملية اختيار المترشح.
إلا أن الجمعيات لن يكون في متناولها الجهاز التنفيذي المتطور الذي يستطيع أن يقدم المترشح الأفضل من ناحية الكفاءة والخبرة والاستعداد للعطاء والفهم الكافي للدخول في نشاطات تشريعية ورقابية بأسلوب متحضر وفاعل.
فالجمعيات ستكون ضحية لنفوذ هنا وهناك وستتعرض لمقياضات ولمساومات ومفاوضات، وكل هذا أمر مطلوب بهدف خلق التوازن، فالعملية الديمقراطية ليست سليمة من الخلل، وإنما هي أفضل ما أنتجته البشرية لإدارة الشأن العام. كما أن العملية الديمقراطية من هذا البلد أو ذاك قد تكون منقوصة، لكن ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أن التجارب تتطور، حتى الممارسة المنقوصة الصلاحيات سرعان ما تتوسع صلاحياتها مع تحسن الأداء السياسي كماً ونوعاً، وسرعان ما تجد فرصتها للنمو مع تبدل الظروف.
قد تؤدي حمى الانتخابات إلى استهداف تيار صعب لاسقاطه، وقد تستهدف فئة معينة لارعابها وركنها إلى الجانب، لكن انطلاق الجميع في العمل السياسي من شأنه إحداث التوازن وتحريك البيئة نحو نشاط أكثر فاعلية وأكثر فائدة لمصلحة البحرين والبحرينيين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1469 - الأربعاء 13 سبتمبر 2006م الموافق 19 شعبان 1427هـ