العدد 1468 - الثلثاء 12 سبتمبر 2006م الموافق 18 شعبان 1427هـ

خمسة ملفات حامية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

خمسة ملفات إقليمية حامية تتنافس الآن على أخذ موقع الأولوية في الاهتمامات الدولية وتشمل العراق وإيران ولبنان وفلسطين والسودان. فكل ملف بات تحت المراقبة الدولية مع فروقات خاصة تتصل بالعراق الذي يخضع للاحتلال وفلسطين التي تعاني من نكبة مزمنة تواصل فصولها تباعاً. فالكل تعرض أو يتعرض لضغوط. والولايات المتحدة تستغل نقاط الضعف وتستثمرها سياسياً من خلال استخدام القرارات الدولية كإطار لتمرير مشروعها الذي يربط مختلف القضايا في سياق مشترك. فالإدارة الأميركية لا تميز بين مسألة وأخرى وترى أنها تملك الامكانات والقدرات على حلها مجتمعة دفعة واحدة أو خطوة بعد خطوة. ولهذا تراهن إدارة الرئيس جورج بوش على كسب المعركة على رغم الثغرات والأخطاء التي ارتكبتها خلال السنوات الخمس الماضية.

أميركا ترى أن معركتها مع «الإرهاب» طويلة وأن نجاحها يتوقف على مدى قدرتها على نقل المواجهة إلى الخارج. فالخارج برأي واشنطن يحمي الداخل. وحتى تكسب الحرب لابد من إبقاء قواتها (جيوشها) على خطوط دفاعية بعيدة عن حدودها السياسية.

تحت هذا العنوان تحاول إدارة بوش إقناع الناخب الأميركي (دافع الضرائب) بأن حروبها في المناطق البعيدة توفر عليه الكثير من الضحايا والتضحيات، بينما إعادة الجيوش إلى الوطن سيشجع شبكات الإرهاب على التقدم وتكرار تلك الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وحتى الآن مضت خمس سنوات على هجمات سبتمبر ولايزال بوش يكرر الأفكار نفسها من دون تعديل يذكر.

«المعركة في الخارج تجنب الداخل الإرهاب» نغمة يومية تعزف عليها إدارة واشنطن ومنها تنطلق لتبرير الاحتلال الأميركي لأفغانستان أو العراق أو أي طرف آخر في العالمين العربي والإسلامي. فكل المواقع العربية - الإسلامية تعتبر خنادق أمامية في نظر بوش وهي تشكل ذاك الحزام الأمني المطلوب لمنع «الإرهاب» من الانقضاض على البيت الأميركي.

هذا الإصرار على الموقف الواحد، وعدم وجود رغبة في إعادة قراءة الأخطاء، ومحاولة إظهار محاسن الحروب وفوائدها، كلها إشارات تؤكد خطورة السياسة الأميركية وسلبياتها في الفترة المتبقية من عهد الحزب الجمهوري. والعناد المذكور يمكن التقاط عناصره السيئة من خلال التوظيف المغلوط للملفات الخمسة المطروحة على جدول أعمال «البيت الأبيض». فإدارة البيت ترى أنها حققت على مستوى تحريك الملفات خطوات جيدة لمصلحتها لأنها نجحت في وضع كل مسألة في دائرة المراقبة اليومية وتحت سقف التدويل. ولهذا الاعتبار تجد نفسها في موقع القوي الذي يتحكم في اللعبة فأحياناً ترفع هذا الملف إلى الأعلى وأحياناً تعيد ادراجه إلى مرتبة أدنى وذلك بحسب الظروف والأهواء.

الملف الإيراني

مثلاً عاد الملف النووي الإيراني من جديد ليأخذ موقعه الدولي بعد غياب قسري فرضه العدوان على لبنان. فالحرب أجلت فتح الملف مؤقتاً إلا أن الموضوع بدأ يستعيد حيويته في المحافل الدولية بعد أخذ ورد بين الجانبين. إلا أن حسابات أميركا لم تكن دقيقة في مواعيدها وألاعيبها. فإيران أظهرت بعض الليونة في مسألة التخصيب النووي وباتت في وضع يسمح لها بتعليق التخصيب لمدة شهرين مقابل شروط تقضي بوقف نقل الملف إلى مجلس الأمن والبدء في التفاوض على وضع آليات لتنفيذ خطة البدائل وتحديداً تلك النقاط التي وردت في الحوافز (الإجراءات التشجيعية).

هذا الموقف الإيراني المتجاوب نسبياً أربك الولايات المتحدة التي كانت تراهن على استمرار طهران في مواقفها للبدء في صوغ مشروع قرار توافق عليه الدول الكبرى في مجلس الأمن. وبسبب الليونة الإيرانية يرجح أن تتأخر المناورات الأميركية نتيجة ظهور اعتراضات دولية ترفض الإسراع في فتح الملف قبل الانتهاء من التفاوض على مختلف بنوده.

الملف العراقي أيضاً يبدو أنه لا يسير وفق خطة البرنامج الأميركي الذي كان يراهن على انقسامات داخلية فورية رداً على قرار مسعود بارزاني بانزال العلم العراقي واستبداله بالعلم الإقليمي. إلا أن الفعاليات السياسية توافقت على قراءة متأنية للمسألة في محاولة منها لتصحيح الخطأ من طريق التفاوض وتأجيل البحث في موضوع الفيدراليات.

الملف اللبناني أيضاً يبدو أنه دخل في منعطف جديد لا تعرف نهاياته. إلا أن الظاهر في الموضوع يميل إلى تغليب لغة التفاوض على رغم ارتفاع أصوات الرؤوس الحامية التي تدفع العلاقات الأهلية إلى مزيد من الاستقطاب وربما الانفجار السياسي. وعدم انهيار البنيان اللبناني كردة فعل على تداعيات الحرب يعني أن خطة التفجير الأميركية تأخرت أو تعطلت بسبب وجود ممانعة داخلية ترفض الانسياق إلى لغة الشوارع.

الملف الفلسطيني أيضاً بدأ يأخذ مجراه الجديد على إثر التفاهم المبدئي بين محمود عباس وإسماعيل هنية على تشكيل حكومة وطنية تشارك في إدارتها مختلف الأطراف السياسية. وهذا التفاهم في حال تسنى له النجاح والصمود سيكون له تأثيره الإيجابي على الوحدة الداخلية وبداية تعطيل لخطة اميركية راهنت على الحصار لتفكيك الخيارات الفلسطينية لمصلحة المشروع الإسرائيلي.

في السودان يبدو ملف إقليم دارفور وكأنه لايزال في بداية الطريق ويحتاج إلى وقت لاستيعابه بعد ظهور ممانعة وطنية خوفاً من أن يتحول إلى خطوة تقود البلاد إلى سلسلة من الانقسامات المتلاحقة تزعزع أمن واستقرار كل الولايات والأقاليم السودانية.

خمسة ملفات تتزاحم على كسب الأولوية إلا أن الولايات المتحدة عاجزة حتى اللحظة عن السيطرة على مختلف الزوايا الحادة وتطويعها بالشكل والأسلوب الذي تخطط له. فواشنطن نجحت في تحريك القضايا ونقلها إلى مجلس الأمن وأصدرت بشأنها سلسلة قرارات دولية ظالمة إلا أنها لاتزال تناور وتبحث عن مخارج حلول أو آليات تستطيع نقل الملفات من أوراق دولية إلى برامج ميدانية جاهزة للتطبيق الفوري. ومن الآن وحتى تلك اللحظات لابد أن تنتبه القوى المعنية مباشرة بتلك القضايا إلى أن المعركة لم تكتمل أشواطها وهناك الكثير من المطبات تحاول واشنطن المراهنة عليها وفي طليعتها دفع القوى الأهلية إلى الاستنفار العصبي والانزلاق نحو تصادمات سياسية تصب في خانة المشروع التقويضي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1468 - الثلثاء 12 سبتمبر 2006م الموافق 18 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً