أمس (الاثنين) الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، انقضى من الزمن على الكارثة الكبرى التي أصابت العرب والمسلمين خمس سنوات على وجه التحديد. وكلما ابتعدنا عن يوم الحادث الفظيع استطعنا أن نتبين أن حسابات الربح والخسارة على (الأمة) التي يتحدثون عنها كبيرة، بل باهظة من جراء ذلك الفعل، وهي أعلى ثمناً حتى متمن دفع باتخاذ القرار، على من وقع عليهم الحيف.
أسبوع الذكرى حفل بالكتابات الغربية التحليلية من وجهة نظر المجتمعات الغربية، ولم نشهد حتى الآن على نطاق معقول، كتبات عربية تحليلية معمقة، تحدد لنا كفة الأرباح والخسائر على الأمة الإسلامية والعربية وعلى أفراد الشعوب العربية نفسها.
على العكس من هذا، فقد سقط البعض في التحليلات التي تتجه إلى التفسير على أن ما تم هو مؤامرة على العرب من نوع ما،منها القول إن ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 كان مؤامرة صهيونية ألصقت بالعرب، ومنهم من قال إن ذلك بسبب انشقاق مؤامراتي من بعض القوى اليمينية المتطرفة في أميركا نفسها، وإن كانت هذه التفسيرات قد تراجعت إلى حد ما، إلا أن نتائج هذا التفكير مازال عالقاً في ذهن المتلقي العربي. البعض الآخر وإن أدان الفعل نفسه، فقد قدم مجموعة من التبريرات، منها على سبيل المثال لا الحصر، أن كل ذلك التعصب كان من النتائج غير الحميدة لتشجيع الولايات المتحدة في وقت ما، وخصوصاً وقت صراعها مع الإمبراطورية السوفياتية، لقوى التشدد، ومن هناك انطلقت هذه القوى بفعل قوة الدفع الذاتي لتنثر تدميرها على نطاق العالم الواسع، وخصوصاً عالم الغرب بمعناه الحضاري وليس الجغرافي فقط، تلك بعض التفسيرات، إلا أن تشخيص القضية برمتها لم يتم بعد من الجانب العربي المتهم الأول بالحدث.
ما هي حسبة النتائج، إنها كلفة ضخمة لا تحسب فقط بالدينار والدولار، ولكنها أيضاً تحسب من منظور الفرص الضائعة على هذا الجيل والأجيال العربية القادمة، وعلى قضاياهم الرئيسية.
في الوقت الذي كان فيه الإسلام (كدين) يصبح أكثر انتشاراً في أوروبا وفي أميركا، أصبح المسلم اليوم أكثر شخصية مشكوكاً فيها ومراقبة ومتهمة حتى من دون دليل مادي، سواء في المجتمعات التي يعيش فيها المسلمون، مثل مسلمي أوروبا والولايات المتحدة، أو من هو قادم إلى تلك المجتمعات. وبدأت مؤسسات الاستطلاع والرقابة الغربية تحتفظ بقوائم طويلة من المشكوك فيهم يمنعون من القدوم إلى تلك البلاد أو أن يهاجروا إليها، أو يشدد عليهم في استخدام وسائل المواصلات العالمية. إلى درجة أن رئيس الولايات المتحدة قد قرن أكثر خصيصة سلبية في تاريخ التفكير السياسي الحديث والتي تثير الاشمئزاز في عقول وقلوب معظم المواطنين الغربيين، وهي مصطلح الفاشية، قرر أن يلصقها بالإسلام، فتحدث عن «الإسلام الفاشي».
الكثير منا لم يقبل مثل هذا التوصيف، إذ إنه ليس بعيداً عن العقلانية فقط، ولكنه أيضاً بعيد عن الإنصاف، لأنه يأخذ الغالبية بجريرة الأقلية. إلا أنه توصيف يمثل الحالة النفسية القائمة لدى المواطن الغربي.
خسر المسلمون والعرب أهم مصدر من مصادر العلم الحديث الموجود قطعاً في أوروبا الحضارية الواسعة، وهو التعليم التقني والفني والطبي والبحثي. فلم يعد سهلاً اليوم قبول طالب عربي أو حتى مسلم لمعاهد العلم الراقية في تلك البلاد، التي من دون شك تحتضن العلوم الحديثة والتي لا غنى لنهضة حقيقية عنها. بقلق ذلك الباب ينكفئ كثيرون على تفكيرهم الخرافي السحري، فيزدادون تأخراً على تأخرهم وتشدداً في أفكارهم.
ومهما قلنا عن البلاد والمجتمعات الأخرى، فإن أكثر المجتمعات تشبثاً بالتفسير السحري غير العقلاني هي المجتمعات العربية التي ترزح كثيراً تحت وطأة تخلف اقتصادي اجتماعي سياسي وثقافي تبعد الشقة بينها وبين العالم الحديث، الذي أخذ في التطور، وهو ليس عالما ينتمي فقط إلى ما عرف بالعالم الغربي بل والشرقي أيضاً.
لقد دخلت منطقتنا العربية في حربين ضروستين منذ حوادث الحادي عشر من سبتمبر، هما حرب العراق الذي مازال يدمى، وحرب لبنان الأخيرة، هذا إذا تجاوزنا ما يحدث في فلسطين وهو ضخم بكل المعايير. في هذه الحروب لم يسل دم غير الدم العربي، ولم تخرب ديار غير الديار العربية، (إذا استثنينا أفغانستان) وفي كل زاوية من هذه المنعطفات الخطيرة تظهر لنا مقولات «القاعدة» مباشرة أو مقولات قريبة منها كثيراً. فتصريحات الظواهري على كل محطة فضائية ،وأفكار القاعدة هي السائدة على كل لسان، حتى الرئيس الأميركي وقع في الخطأ الفادح إذ قال إن هناك طموحاً لإقامة إمبراطورية إسلامية، ولو أجرت مؤسساته بحثاً واقعاً على الأرض لما وجدت تأييداً يذكر لمثل هذا المستحيل، إلا أنه مرة أخرى استخدام مقولات القلة على أنه أكثرية يجب التخوف منها!
حوادث الحادي عشر من سبتمبر الخرقاء أدت إلى أن يفقد الفلسطينيون تأييداً معنويا عارماً لدى شعوب كثيرة، وربط الكفاح الفلسطيني بالإرهاب «الإسلامي العربي» أدى إلى انحسار في التعاطف الدولي إلى أقل درجة ممكنة مع هذه القضية الإنسانية القانونية الحيوية.
في جردة الحساب الأخيرة، هناك خسارة كبيرة في الأرواح والأموال والرصيد السياسي وفرص التنمية والتقدم، كلها خسرها العرب أوطاناً ومواطنين، عدا التدخل المستمر والسريع غير المبرر في الشئون العربية، إنها شبه وصاية دولية تفرض على بقعة عريضة من هذا الكوكب الذي رفعت عنه الوصاية في كل جانب من الكرة الأرضية إلا هذا الجانب التعس العربي، الذي يسمى البقعة العربية.
بعد خمس سنوات من الكارثة التي تعلّم منها الآخرون دروسًا شتى، وقاموا برأب الصدع في مناطق الضعف في مجتمعاتهم التي سمحت بتسبب الكارثة، مازال المجتمع العربي مستمراً في النزيف، في ظل شعارات مدوية وعمل على الأرض قليل، غير راغب في النظر إلى الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انتشار هذا الوباء. بل إن بعض المؤسسات الرسمية أخذت على عاتقها، خوفاً أو جهلاً، للترويج لأفكار تقود إلى التطرف، وكان ذلك عملاً وطنياً مطلوباً
إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"العدد 1467 - الإثنين 11 سبتمبر 2006م الموافق 17 شعبان 1427هـ