يتجادل الكثيرون اليوم حول كون العالم غارقاً في نزاع رهيب وهو «نزاع الحضارات» ما بين الغرب والعالم الإسلامي. على رغم رفض الكثيرين فكرة هكذا نزاع دولي، من الواضح أنّ التّوتّرات الحاصلة بين الإسلام والغرب تتجلّى في بعض أنحاء العالم، والمثال الأحدث على ذلك هو الصراع بين «إسرائيل» وحزب الله في لبنان.
إنّ المثال الآخر عن هكذا تنازع لا يشمل العنف، وقد ظهر في الحوارات المتعلّقة بالديمقراطية. فقد تقبّلت معظم البلاد الغربية فكرة الديمقراطية وقامت بتبني الأنظمة السياسية الديمقراطية. في المقابل، لم يعتمد النمط الغربي للديمقراطية إلا عدد قليل من البلاد الإسلامية. حتى أنّ بعض دول الإسلام ترفض هذا المصطلح وقد أنشأت أنظمتها السياسية الخاصة بها مرتكزة بذلك على مبادئ الحكم الإسلامية.
فضلاً عن ذلك، عندما اعتنقت بعض البلدان الإسلامية مبادئ الديمقراطية، بدت النتائج مفاجئة في بعض الأحيان وغالبًا ما لم تُرضِ الغرب. فبشكل خاص، أدّى إنشاء بعض الحكومات، التي وصلت إلى السلطة عبر انتخابات حرّة، إلى ظهور انتقادات من الغرب على عدة أصعدة. هناك مثال مشهور على ذلك حدث في الجزائر سنة 1990 عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ (Force Islamique du Salut) في الانتخابات، ثم أسقطها جيش مدعوم سياسياً من الغرب. تشكّل حماس فوزًا انتخابيًا حديثًا مثيرًا للجدل إذ لا ترغب الولايات المتحدة في وجودها، وهي لاتزال تُصنّف على أنها منظمة إرهابية وعلى رغم فوزها في الانتخابات الحرّة الفلسطينية لم تتلقّ حكومة حماس حتى الآن أيّ دعم من الدول الغربية الواقعة تحت التأثير الأميركي.
لقد تسبّب سوء إدراك المبادئ وتطبيق الديمقراطية في سوء تفاهم كبير بين الحضارتين الإسلامية والغربية. يخشى الكثير من المسلمين الديمقراطية في بلادهم، الأمر الذي يؤدي إلى تلاشي القيم الأخلاقية والدينية ويُشكّل غزوًا آخر للثقافات والقيم الغربية. تسأل الكثير من الثقافات الغربية عّما إذا تتناسب الديمقراطية مع الإسلام، وتخشى نهوض أحزاب إسلامية متطرّفة. ويتمثّل الشأن الخاص الذي لطالما اختلف بشأنه علماء الغرب والإسلام في إمكان إدخال الشريعة (القانون الإسلامي) في الديمقراطية.
ولكن وبغضّ النظر عن تلك العقبات، على العالم الغربي أن يستمر في التعاون مع البلاد الإسلامية لمساعدتها على إنشاء نماذجها الخاصة من الديمقراطية. يجب أن تلقى الجهود المبذولة في سبيل تفهّم أوسع لمختلف معاني ومفاهيم الديمقراطية وفي سبيل تطبيقها عمليًا في البلاد الإسلامية بغالبيتها، دعمًا كبيرًا من قبل الغرب.
تشكّل إندونيسيا البلد الوحيد المسلم بغالبيته الذي غالبًا ما يُعتبر نموذجًا إيجابيًا عن النظام السياسي الديمقراطي. فبعد نيل استقلالها سنة 1945، قرّرت إندونيسيا ألا تصبح بلدًا إسلاميًا بحدّ ذاته وإنما قررت أن تصبح بلدًا وطنيًا ديمقراطيًا، ولم تشهد نهوضًا للتطرّف الإسلامي أو للعنف. تشكّل تجربة إندونيسيا مع بروز حزب العدالة والرفاهية (PKS) الإسلامي في المرتبة السادسة للانتخابات البرلمانية الأخيرة، مثالاً مهمًا على القضية. ففي انتخابات العام 2004 البرلمانية، انتُخب الحزب من قبل 8,3 ملايين شخص على الأقل، وهم الذين ساهموا في تعيين 45 ممثلاً له في البرلمان. كما نجح الحزب في تعيين أعضائه البارزين وزراء في حكومة الرئيس سوسيلو بامبانغ يودهويونو ونائبه يوسف كالا.
لقد أُبطلت التهمة القائلة بأنّ نجاح الـ PKS الذي لا يُقاوم قد ينمّي التطرّف الإسلامي ويؤدّي إلى خلق مجموعات إرهابية. لا بل على العكس، فقد أظهرت نتيجة الدراسة التي أجراها كومباس دايلي بشأن هذا الحزب في يونيو/ حزيران 2005 أنّه بينما أبدى معظم الناس تشاؤمًا بشأن النتائج المرجوة من النظام السياسي مستقبلاً في إندونيسيا، لم يكن ذلك حال الـ PKS. فقد أبدى، على الأقل، 60,4 في المئة من المجيبين تفاؤلاً بشأن الصورة الإيجابية للحزب. بالنسبة إلى الكثير من الناس، يُعتبر فوز الـPKS وظهور أحزاب إسلامية أخرى خطوة إيجابية من شأنها أن تؤدّي إلى حصول تغيير بنّاء.
مع الأسف، لقد أساء البعض النظر إلى هذا النموذج، ونظر إليه باعتباره ظهوراً للتطرف الإسلامي والإرهاب في عالم الإسلام. ومع ذلك، يتوافق النموذج الإندونيسي مع نزعة شهدتها بلدان أخرى عندما تمكنت مجموعات متطرّفة أخرى، على غرار الـجيش الجمهوري الايرلندي (IRA) في ايرلندا الشمالية، من المشاركة في الحكومة، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض معدّل العنف والتطرّف. يشير ذلك إلى أنّه يجب على الغرب ألا يعوق انخراط المجموعات الإسلامية في الأنظمة السياسية.
من الواضح أنّ هناك رؤية جديدة للديمقراطية في البلاد الإسلامية بغالبيتها، مرتكزة على احتياجات العالمين الإسلامي والغربي، يجب تطويرها في سبيل تحقيق سلام طويل الأمد. وأكثر من ذلك، على الشعوب الإسلامية والغربية أن تسعى إلى التوصل إلى تفاهم وتعاطف كبيرين تجاه بعضها بعضاً. وقبل كل ذلك، على العالم الغربي أن يتخذ خطوته الفعلية الأولى عبر منح فرصة أكبر للعلماء والحكومات والناشطين في المجتمع المدني في العالم الإسلامي من ممارسة مفاهيمهم المتعلقة بالديمقراطية في بلادهم، كما يجب الأخذ في الاعتبار الفرص التي من شأنها دمج قانون الشريعة مع مفهوم الديمقراطية.
لقد حاول بعض المفكّرين الغربيين على غرار جون ل. إسبوزيتو، وجون أ. فول، وجيف هاينز، ومارتن إ. مارتي، الحثّ على اعتماد الديمقراطية في البلاد الإسلامية. في الواقع، يعتقد الكثير من الناس أنّه يوجد نظام ديمقراطي يتوافق مع المبادئ الأساسية للشريعة.
هناك إشارات واعدة تدلّ على أنّ الخطوات الآتية في سبيل خلق تفاهم متبادل بين العالمين الإسلامي والغربي، بدأت تتبلور إذ يمكن للتنازع الحالي بشأن المصطلح (ديمقراطية) أن يخلق نموذجًا مختلطًا جديدًا يجمع بين منافع الديمقراطية في الغرب وبين الاحتياجات والظروف الخاصة بالبلاد الإسلامية بغالبيتها.
زين العابدين إيكو بوترو
المدير التنفيذي لمركز الدراسات الآسيوية (CeNAS) في جاكرتا، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1467 - الإثنين 11 سبتمبر 2006م الموافق 17 شعبان 1427هـ