يتوقع أن يرفع اليوم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان تقريره إلى مجلس الأمن يشرح فيه تفصيلات جولته على بعض دول منطقة «الشرق الأوسط». التقرير طال انتظاره ويرجح ان يشتمل على ملاحظات تجمعت لدى الأمين العام خلال تلك اللقاءات المطولة التي عقدها مع قادة دول المنطقة. إلا أن قراءة سريعة لتلك المعلومات التي تسربت بعد اتصالاته واجتماعاته تكشف عن ضعف في صلاحيات عنان وعدم قدرة على تقديم تصورات يمكن أن تساعد على حلحلة الكثير من العقد التي تشكل اساساً لكل الاضطرابات السياسية.
الأمين العام جاء إلى المنطقة لملاحقة مستجدات طرأت على دولها بعد عدوان أميركي - إسرائيلي على لبنان امتد أكثر من 33 يوماً. وتصادف العدوان مع صدور قرار دولي يتعلق بالملف النووي الإيراني (1696) وانتهى بعد صدور قرار دولي آخر يتعلق بالمشكلات اللبنانية/ الإقليمية (1701). ثم اعقب العدوان صدور قرار دولي يتعلق بالازمة المفتعلة في إقليم دار فور السوداني.
الجولة إذاً كانت محكومة بقرارات ثلاثة تنص على متابعة قضايا كان لها صداها في أروقة الأمم المتحدة ولكنها ليست بالضرورة متصلة ببعضها. فازمة دار فور مستحدثة ومشكلتها تختلف عن تلك الازمات التي سببت تلك الحرب على لبنان. كذلك موضوع الملف النووي الإيراني لاعلاقة له بتداعيات العدوان أو اسبابه. إلا أن دول مجلس الأمن مصرة على الربط أو على الأقل النظر إلى التسوية العامة ضمن حزمة واحدة تمتد من طهران إلى الخرطوم.
هذا الربط المفتعل بين قضايا قديمة تعود إلى أكثر من نصف قرن أو ربع قرن وازمات جديدة ومفتعلة كتلك في إقليم دار فور أو مفاعل بوشهر النووي يرفع من نسبة توتر المنطقة ويدفع دول «الشرق الأوسط» مجتمعة إلى دائرة صراع مشروط بمجموعة مصالح ترتبط أصلاً بأهداف كبرى تصب في إطار المشروع الأميركي.
الربط مقصود حتى يكون الحل أكثر صعوبة أو على الأقل تكون الأفكار المقترحة مرهونة كلها بمدى فعالية القرارات الدولية والصلاحيات الممنوحة للأمين العام.
ماذا يمكن أن نتوقعه من جديد في تقرير عنان؟ فلسطينياً سيبدأ التقرير من النهايات أي من لحظة فوز حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة الفلسطينية وخطف مجموعة مجهولة للجندي الإسرائيلي وما اعقب الخطف من حصار ودمار وتحطيم للبنى التحتية وقتل المدنيين.
هذه النهايات يرجح أن تكون مقطوعة عن البدايات وهي نكبة فلسطين وتشريد أهلها ومنع عودتهم ومخالفة الكيان العبرى لكل القرارات الدولية بما فيها تلك الاتفاقات والتفاهمات الموقعة مع السلطة الفلسطينية. فالتقرير سيشير إلى النتائج الأخيرة للأزمة ولن يتعرض كما هو مرجح إلى الأسباب التي تراكمت وأدت إلى تداعيات كثيرة منها تلك التي حصلت في الشهور الأخيرة.
عملية القطع بين المقدمات والنتائج يرجح أن تتكرر في الأمور المتعلقة بالشأن اللبناني. فالتقرير لن يشير إلى طبيعة العدوان المزمن على لبنان ولن يتطرق إلى تلك الأسباب التي أدت إلى الفوضى وعدم الاستقرار.
لذلك يرجح أن يتعرض التقرير إلى القرار الدولي 1559 وما ينص عليه من فقرات لم تنفذ حتى الآن. ثم سينعطف التقرير للتحدث عن الحرب الأخيرة التي بدأت بالعملية الدفاعية النوعية التي حصلت في 12 يوليو/ تموز الماضي وما أدت إليه من مواجهات عسكرية انتهت بتحطيم البنى التحتية للدولة اللبنانية وتفكيك البنية السكانية للمقاومة وإصدار قرار جديد ينظم الحدود من خلال نشر القوات الدولية على «الخط الأزرق» ونزول الجيش إلى الجنوب اللبناني.
هذا القطع بين المقدمات والنتائج هو الاحتمال المرجح في تقرير عنان. وفي حال جاء التقرير في هذا السياق فسيضع الأمين العام لبنان في موقع «البادئ في الحرب» بينما سيعطي للكيان الصهيوني الذرائع تحت شعار «حق الدفاع عن النفس». وهذا النوع من التفكير السلبي يمكن قراءة فقراته من خلال روح نص القرار 1701. فهذا الأخير اعطى صلاحيات لحكومة تل أبيب تجيز لها مواصلة العدوان البري والجوي والبحري بذريعة منع إعادة تسليح حزب الله ثم الضغط على الحكومة اللبنانية للعمل على تطبيق فقرات 1559 مضافاً إليها المساعدة على الإفراج عن «الجنديين المخطوفين». وإذا جاء كلام عنان في هذا الإطار فهذا يعني أن مجلس الأمن يصر على تحميل لبنان مسئولية كبيرة لا يستطيع القيام بها لانها أصلاً تتصل بمشكلات مزمنة تتحمل «إسرائيل» أسبابها. فالوجود الفلسطيني في لبنان هو نتاج نكبة اقترفتها العصابات الصهيونية في العام 1948. والمقاومة في لبنان هي نتاج اعتداءات واحتلالات مستمرة تتوجت في غزو البلاد في العام 1982. كذلك فإن الاختراقات الأمنية للحدود الدولية وما تستتبعه من افرازات دولية وإقليمية كلها أمور تتصل بمقدمة المشكلات. فالحرب على لبنان لم تبدأ بخطف الجنديين وانما حادث الخطف جاء رداً على عدوان لم ينقطع. ولكن الأمين العام كما يبدو منع عليه التطرق إلى الاصول وسمح له التحدث فقط بالفروع. وهذا يعني أن الأزمات المحلية والإقليمية في لبنان ستبقى تراوح مكانها من دون حل. وبالتالي فإن ما حصل في 12 يوليو الماضي لا يستبعد أن يتكرر حين تقرر «إسرائيل» أن لبنان لا يتجاوب مع تلك الفقرات التي اشارت إليها القرارات الدولية وخصوصاً 1559 و1680 وأخيراً 1701.
أوراق ضغط
«إسرائيل» الآن تملك الكثير من الأوراق وهي تستطيع استخدامها ذرائع سياسية للعدوان مثل «خطف الجنديين» أو تسليح حزب الله أو الاشتباه في عبور شاحنات الحدود اللبنانية - السورية وغيرها من النقاط التي تشكل فعلاً قنابل موقوتة جاهزة للتفجير في اللحظة التي تجدها مناسبة لافتعال مشكلة أو تحريك أزمة.
الأمر نفسه يمكن قياسه على موضوع العلاقات اللبنانية - السورية ودور تل أبيب المحتمل في تحريك هذا الملف حين تجد الفرصة مناسبة. وهذا يرجح أن يرد في تقرير عنان الذي اشار إلى وجود اتفاق شفهي مع الحكومة السورية يتصل بمسألة مراقبة الحدود ومنع تهريب أسلحة ونشر قوات دولية «مدنية» على الحدود المشتركة. دمشق نفت من جانبها كل ما صدر من تصريحات تتعلق بهذه الأمور الثلاثة إلا أن عنان، وكذلك رئيس الحكومة الإيطالي، كررا حصول مثل هذه التفاهمات. وبين نفي وتأكيد يرجح أن تتلاعب تل أبيب بهذه الملابسات وتتذرع بها لمواصلة مراقبتها المباشرة والطعن في صدقية التعامل بين الحكومتين اللبنانية والسورية.
كيف سيربط عنان في تقريره بين ملفات متباعدة وسط إصرار الولايات المتحدة على دمج النقاط مجتمعة تحت سقف التدويل؟ يرجح أن الأمين العام سيخضع لرقابة الدول الكبرى وتحديداً اشتراطات أميركا. فهو لا يملك الصلاحيات ولم يكلف بفتح ملفات قديمة وانما طلب منه شكلياً متابعة المستجدات في تلك الأزمات. وهذا يعني أنه سيضطر إلى قطع المقدمات عن النتائج وسيكتفي بتلك الخلاصات السطحية التي تلامس ظواهر الأمور ولا تدخل جدياً إلى عمق الأزمات.
هناك الكثير من النقاط التي بحثها عنان أو علق عليها خلال جولته التي شملت معظم عواصم دول «الشرق الأوسط». فهو تناول موضوعات عدة من فلسطين، لبنان، وسورية إلى إيران والخليج والسودان. وهذه الموضوعات على اختلافها تجتهد واشنطن على ربطها مجتمعة تحت سقف قرارات دولية تشمل كل نقاط التوتر من إقليم دارفور إلى الملف النووي. وبسبب هذا الربط المفتعل والإصرار على فصل المقدمات عن النتائج وملاحقة المستجدات وإهمال الأزمات الفعلية يرجح أن يكون تقرير عنان مجرد ملامسة عامة للمشكلات ولكنها ملامسة ستكون كافية لدولة مثل الولايات المتحدة لتبرير مشروعها العدواني واتهام الدول المفترى عليها انها الطرف المسئول عن الاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1467 - الإثنين 11 سبتمبر 2006م الموافق 17 شعبان 1427هـ