اليوم تمر الذكرى الخامسة لهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وفي السنة المقبلة الذكرى السادسة. وبعدها الذكرى السابعة. وكل سنة من الآن إلى موعد آخر هناك 11 سبتمبر... ومع ذلك يبقى السؤال: لماذا هذا اليوم بالذات؟
اجوبة كثيرة ذكرت. وهناك الكثير من الأسرار والالغاز والآراء والتحليلات والمعلومات ستبقى ترد تباعاً من دون نتيجة حاسمة. كل الأجوبة غير مقنعة. وكل جواب يحتمل الكثير من الفرضيات والتأويلات والتفسيرات الباطنية والظاهرية.
هل كانت الولايات المتحدة بحاجة فعلاً إلى مثل هذا اليوم للكشف عن استراتيجيتها الهجومية؟ وهل قصة اليوم مدبرة لتشكل ذريعة للإدارة الجمهورية في «البيت الأبيض» للإعلان عن بدء حرب عالمية «ثالثة» ضد شبكات إرهابية ممتدة ومنتشرة حصراً في العالم الإسلامي و(العربي)؟ وهل ما حصل صباح ذاك اليوم ناجم عن خطأ في التقدير أو ضعف في الجاهزية أو إهمال ناتج عن ثقة بالنفس وغرور وتشاوف واحساس بالقوة والعظمة، ام ان ما حصل كان مصادفة وضربة حظ، أو أن هناك من فتح الباب عن قصد لهذه المجموعات للقيام بفعلتها لترتيب حسابات معينة والترويج لبضاعة ايديولوجية أو لتوريط الولايات المتحدة في «حروب دائمة» تستنزف قواها وثرواتها وتودي بها في النهاية إلى متحف التاريخ؟
عشرات من الأسئلة يمكن وضعها ولن يصل التحليل والربط والتفكيك إلى نتيجة نهائية ومقنعة. ستبقى الأسئلة تتساقط كما تساقط زجاج مركز التجارة العالمي أو كما تهاوى البرجان في لحظات الواحد تلو الآخر.
الأسئلة هذه ستبقى أسئلة. وربما عدم التوصل إلى جواب شاف يعتبر اضافة إلى تلك الأسرار والالغاز التي تحيط بهذا اليوم التاريخي.
العالم فعلاً تغير بعد هذا اليوم. الولايات المتحدة تغيرت أوروبا كذلك. حتى الناس تغيرت نظرتها إلى الكثير من الثوابت. والشعوب أيضاً باتت جاهزه لتقبل الكثير من التدخلات في شئونها وخصوصيتها وأمنها وحياتها بعد أن كانت تعتبر أن هذا السلوك من المحرمات.
بعد هذا اليوم اختلفت الكثير من السلوكيات. فالأجهزة لم تعد تهتم كثيراً بالقانون. والحكومات أصبحت تخترق الدستور من دون اكتراث. والناس لم تعد تمانع في بعثرة حياتها وتخريب مزاجها إذا كان هذا الأمر يسهل القبض على المجرمين ويؤمن لها بعض الهدوء والطمأنينة.
كل هذا الانقلاب حصل في خمس سنوات. وحتى الآن لاتزال المعركة في بداياتها. الرئيس الأميركي جورج بوش يردد مثل هذا الكلام في كل مناسبة. المعركة طويلة يقول بوش وهي حققت تقدماً ولكنها لم تصل بعد إلى شوطها الأخير.
مع ذلك يبقى السؤال: من فعلها ولماذا؟ فكل الاجوبة لم تتوصل إلى تقديم رواية متكاملة من بدايتها إلى نهايتها. فالروايات المتداولة كلها ناقصة. وكل فصل فيه الكثير من الغموض والشبهات. والشبكة التي قيل انها ارتكبت الهجمات لاتزال وهمية أو فرضية حتى حين يدعي تنظيم «القاعدة» انه الطرف المسئول عنها وانه افتعلها عن قصد لإخراج الافعى الأميركية من جحرها. حتى ادعاءات «القاعدة» غير مقنعة. إذ في رواياته الكثير من الثغرات والخلل وبعض معلوماته يستقيها من الأجهزة والقصص والصور والاشرطة التي تناقلتها محطات التلفزة والفضائيات. فالمعلومات تبدو ملغومة وغير مقنعة لانها تتحدث عن حادث حصل ولا تروي عن حادث سيقع. والفارق كبير بين إعادة رواية معلومات متداولة والكشف عن معلومات غير معروفة.
أسئلة وأجوبة
أسئلة كثيرة ستبقى تثار بشأن «القاعدة». من هو هذا التنظيم المجهول؟ هل يمكن اختراقه ام اخترق فعلاً لترتيب حادث يراد له ان يقع حتى تقوم قيامة أميركا على الإسلام والمسلمين وتفعل ما تفعله الآن بدوله وشعوبه؟ لماذا مثلاً جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) هو الطرف الوحيد في العالم كان على علم بالهجمات؟ ولماذا ابلغ هذا الجهاز (الموساد) الإدارة الأميركية بمعلوماته في رسالة خطية وصلت إلى «البيت الأبيض» قبل شهر تقريباً من وقوع الهجمات؟ لماذا اهملت إدارة واشنطن تلك الاخباريات وتعاطت بسخرية مع معلومات «الموساد» المسجلة الآن كوثيقة تاريخية؟ وهل مثلاً رسالة «الموساد» ملغومة أم انها أرسلت قبل وقت لإعلان البراءة من المسئولية أم انها أرسلت عن قصد لتثبيت التهمة على الطرف وقطع الطريق على أجهزة الاستخبارات الأميركية في البحث عن طرف آخر؟
لنفترض جدلاً ان هذه الأسئلة ليست في محلها. لماذا إذاً اهملت واشنطن رسالة «الموساد» التحذيرية؟ ومن هو الطرف «الداخلي» الذي سخر من المعلومات وترك الأمور مشرعة الابواب؟ كذلك لماذا لم تلاحق أجهزة الاستخبارات الأميركية سوى الاسماء العربية (المسلمة) الواردة في لوائح ركاب الطائرات الأربع؟ لماذا لم تدقق باسماء عشرات الركاب وخصوصاً تلك الفئات التي تنتمي هوياتها إلى دول المعسكر الشرقي (الاشتراكي) المنهار؟ لماذا لم تربط الأجهزة بين الهجمات والبدء في محاكمة الزعيم الصربي ميليسوفتش في المحكمة الدولية لاهاي؟ ولماذا لم تربط بين الهجمات وتلك الصداقة الخاصة التي تميز علاقة شارون بالزعيم الصربي؟ ولماذا ميليسوفتش رفض الكلام في المحكمة وبعد حصول الهجمات قرر التحدث والدفاع عن سياسة التطهير العرقي التي ارتكبها ضد المسلمين في البوسنة وكوسوفو؟ وأخيراً هل هناك علاقة بين مرض شارون (الغيبوبة الدائمة) وموت ميليسوفتش الغريب في السجن في فترة متقاربة؟ لماذا مثلاً لا تكون الهجمات قريبة من تنظيمات (ميليشيات) أميركية وتشبه تلك التي ارتكبت هجمات اوكلاهوما واتهمت أجهزة الإعلام المسلمين بها قبل ان يعلن الرئيس بيل كلينتون الحقيقة؟
أسئلة سبتمبر لن تتوقف وستبقى الروايات تنهال علينا. تنظيم «القاعدة» يصر على أنه هو من قام بالهجمات بذريعة انه يريد استفزاز أكبر قوة في العالم واستدراجها إلى المكان الصعب ويقوم بضربها في منطقة نائية عن موطنها الأصلي. أجهزة الدولة الأميركية تصر بدورها على تكرار معلومات وروايات «القاعدة» بصفتها اعترافات تؤكد صحة الاتهامات. روايات «القاعدة» عن الهجمات أميركية الصنع واخبار أميركا عن الهجمات منقولة عن مصادر «القاعدة». فهذا يتهم نفسه وتلك تتهمه... والضحية عشرات الابرياء من المدنيين والمساكين في العالمين العربي والإسلامي. والقصة حتى الآن لم تنته فصولها. لانزال في البدايات. وحين تبدأ الاسطورة بالخرافات (مجهولات) فمعنى ذلك انها ستنتهي إلى خرافات (معدومات) لا يعرف كيف ومتى تصل إلى فصلها الأخير؟
أسئلة سبتمبر كالأجوبة. فهي لن تتوقف عن السيلان وسيبقى لكل قصة مفتاحها الخاص ولكل رواية صندوقها السحري... مهما صدرت من كتب واشرطة توثيقية وأفلام سينمائية. فالمشهد الذي تناقلته كاميرات التلفزة إلى العالم سيبقى الاقوى. ولأنه الاقوى ستبقى الذكرى تثير المخيلة وترفع من نسبة الدهشة... إلى أن تعرف الحقيقة. وحين تصبح الحقيقة معلومة تسقط الاسطورة. وعندما تنهار الاسطورة يفقد المشاهد تلك الرغبة في المعرفة لأن لحظة الانتباه (الاندهاش) تكون قد وصلت إلى الاشباع
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1466 - الأحد 10 سبتمبر 2006م الموافق 16 شعبان 1427هـ