العدد 1466 - الأحد 10 سبتمبر 2006م الموافق 16 شعبان 1427هـ

لماذا الإصرار على التصويت الإلكتروني؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

جميل جداً أن تتحول البحرين إلى مملكة الكترونية، وأن تتعامل في المعاملات الحكومية عبر الثقافة المعلوماتية والرقمية، اعتقد أنه ليس هناك من يعارض ذلك ويتمنى تحقيق مكاسب جمة في هذا الصعيد وأعتقد أن ذلك من الممكن تحقيقه تدريجيا مرورا بجميع الأصعدة انتهاء بالصعيد السياسي، ولكن ما يستغرب له في الوقت الراهن إصرار الحكومة غير المبرر الذي يدعو إلى أهمية استخدام التقنية المعلوماتية بدءا بالصعيد السياسي، على رغم ما تتصف به التربة السياسية من انعدام ثقة بين الحاكم والمحكوم، وعلى رغم عدم مواءمة الظروف المحلية لاحتضان أمر كهذا نجد الحكومة تحاول التسويق للتصويت الإلكتروني بجميع علاته، بل تؤكد في عمليات التسويق له على المزايا والايجابيات التي سترد على البحرين حينما تخطو خطوات في هذا الاتجاه وهذا ما يؤكد عليه مدير تقنية المعلومات، وكأنما نريد أن تقول لهؤلاء المتحفظين الذين لا يتفقون مع مشروع التصويت الإلكتروني أنكم لا تحبون الخير للبحرين ولا تتمنون لها التقدم، على رغم أن موقفهم يأتي أساسا انطلاقا من المصلحة الوطنية العليا.

سأشير في مقالي هذا إلى بعض الدول التي تستخدم التقنية في انتخاباتها والفرق بينها وبين البحرين والعوامل التي تؤدي إلى نجاحه في تلك الدول وفشله ربما إذا ما طبق لدينا في البحرين، كما سأبين آراء بعض مؤسسات المجتمع المدني المؤيدة والمعارضة وتفسير وتحليل تلك المواقف السياسية كما سأتطرق إلى الدراسة الجامعية التي أكدت من خلال نتائجها أن 69 في المئة يرفضون استبدال النظام اليدوي بالنظام الإلكتروني.

بالمناسبة «تم اكتشاف برنامج صغير من العسير تتبعه يعمل خفية داخل جهاز التصويت الإلكتروني الذي يعمل بطريقة (لمس الشاشة) حيث يحول رصيد التصويت من مرشح إلى آخر متى اختار الناخب المرشح الذي يريده، وبعد انتهاء عملية التصويت يتلاشى هذا البرنامج كأنه لم يكن، لحسن الحظ ما حدث لم يكن خلال انتخابات رسمية، ولكن خلال تطبيق عملي لطلبة أنظمة أمن الحاسبات بجامعة جونز هوبكينز، وكان الطلبة خلال ذلك التطبيق يتبعون تعليمات أستاذهم أفيل روبن المثير للجدل وأكبر المعارضين لنظام التصويت الإلكتروني، وأكسبته هذه المعارضة شهرة واسعة، ومعاداته لشركات نظم التصويت الإلكتروني جعلته يحصل على جائزة الرواد (بايونير) من مؤسسة الحد من النظم الإلكترونية».

بعض الدول من حولنا استخدمت التقنية في الانتخابات وكانت مبرراتهما واضحة كالتغلب على حال اللامبالاة والإقبال الضعيف للناخبين في الانتخابات، على رغم ذلك أثبتت التجارب في بعض الدول المتقدمة أنه حتى في حال استخدام التقنية لا يمكن السيطرة بدرجة كبيرة على رفع نسبة المشاركة ففي غرب كاردف وهي الدائرة الانتخابية الأكثر ارتباطا في المملكة المتحدة من ناحية الناخبين المتصلين بالانترنت المنزلي الواسع النطاق، على رغم ذلك كان الإقبال 57 في المئة، إلى جانب الكثير من الملاحظات السلبية تجاه هذا التوجه، أميركا على سبيل المثال عندما استخدمت التقنية في الانتخابات الرئاسية 2004 أدلى فيها 93 مليون مواطن من أصل 115 مليونا تقريبا بالتصويت الإلكتروني أي أن 22 مليون تقريبا لم يشاركوا في الانتخابات.

البرزايل أيضا تمتلك كثافة سكانية ضخمة تقدر بـ 115 مليون وبالتالي إمكان التفكير في ركوب قطار التقنية أمر لا بد منه.الهند أيضا تتسم بضخامة سكانية هائلة تقدر بـ 600 مليون نسمة، طبيعي جدا أن تتجه لخيار التصويت الإلكتروني من دون مزايدات تذكر. فنزويلا أيضاً خطت على خطى الدول التي سبقتها، إذ استخدمت تقنية التصويت الإلكتروني في انتخاباتها الأخيرة ومع ذلك لم تسهم في زيادة نسبة المشاركة إذ ان نسبة الذين لم ينتخبوا من المواطنين بلغت 71 في المئة.

واضح جدا أن الدول التي لجأت إلى التصويت الإلكتروني إما تعاني من كثافة سكانية هائلة أو أنها دول متقدمة جدا فصار لازم عليها مواكبة التقدم، أما نحن في البحرين فالكثافة السكانية لا تتجاوز 700 ألف نسمة والكتلة الانتخابية لا تتجاوز 200 ألف صوت، واضح جدا أنه لا مبرر مقنع وراء الاصرار على استخدامه!

بعض الآراء المؤيدة والمتحفظة للتصويت الإلكتروني، نبدأ بالأصوات المؤيدة : وضحت جمعية المنبر الوطني الإسلامية موقفها من التصويت الإلكتروني «بأنها لا تمانع في أن تجرى الانتخابات عن طريق التصويت الإلكتروني إيماناً منها بضرورة التقدم التكنولوجي حتى تتبوأ المملكة مكانتها بين الدول المتقدمة لكن بضوابط وشروط محددة لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات وأشارت إلى أهم هذه الضوابط أن يكون التصويت الإلكتروني بمراكز الاقتراع المخصصة وأن يكون متوافراً معه التصويت الاعتيادي (الورقي) المجرب في 2002 بحيث يتم استخدام البطاقة الذكية أو السكانية للمواطنين حتى تتاح الفرصة لجميع الناخبين في التصويت ولاسيما أن الكثير من المواطنين لا يملكون أدوات التصويت الإلكتروني (البطاقة الذكية) حتى هذه اللحظة، وأبدت الجمعية تحفظاً على التصويت عبر الإنترنت سواء في المنازل أو المواقع الإلكترونية داخل البحرين أو خارجها درءاً لأية تجاوزات أو شبهات.

رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني صرح أكثر من مرة بأنه «غير مؤيد لمشروع التصويت الإلكتروني»، لأنه كما عبر عنه يثير الشكوك والجدل ويخلق زوبعة في الشارع وهذا ما شهده بنفسه، داعيا إلى أن المصلحة العليا تقتضي تجنبه والابتعاد عنه؛ لضمان عدم زيادة اللغو مؤكدا أهمية البقاء على التصويت اليدوي «لسهولة استخدمه وانسيابيته».

الآراء المتحفظة: جمعية الوفاق الوطني الإسلامية أبدت موقفها بشكل واضح من التصويت الإلكتروني إذ تخوفت «من إمكان اختراق برنامج التصويت من جهة ولعدم قيام المؤسسة الرسمية بإشراك الأطراف الفاعلة والرئيسية في هذه العملية من جهة أخرى، فضلا عن عدم وجود حاجة ملحة لذلك وخصوصا أن تجربة ديمقراطية قريبة وهي الكويت لم تتخل عن التصويت التقليدي بل قامت بتوسيع هامش الشفافية فيه من أجل تطمين الناخبين والمرشحين وترسيخ الثقة في هذه العملية مثلما شاهدنا ذلك بأنفسنا في العملية الانتخابية السابقة».

جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) وجمعية العمل الإسلامي (أمل) أيضا تتحفظان على استخدام التصويت الإلكتروني في الانتخابات المقبلة.

فيما بينت جمعية الشفافية رأيها في موضوع التصويت الإلكتروني بشكل عملي إذ تبنت اقتراحاً يجمع ما بين التصويت الإلكتروني عبر الجهاز الخاص على أن يتضمن برنامج التصويت ورقة تثبت أن الصوت كان لمرشح معين يثبت من خلالها المعاملة التي تمت بحيث يتم وضع الورقة في صندوق خاص للاقتراع وبالتالي في حال وجود أي شكاوي أو طعون يتم الرجوع إلى صندوق الاقتراع وإعادة الفرز ضمانا لإزالة اللبس والشكوك إلى جانب إمكان التدرج في استخدام التكنولوجيا، إلى جانب بقاء الطريقة التقليدية في التصويت.

ضمن السياق نفسه كشفت دراسة جامعية حديثة فازت بجائزة أفضل مشروع تخرج جامعي من جامعة غلامورغن البريطانية أن الغالبية العظمى من البحرينيين ونسبتهم (69 في المئة) يرفضون استبدال النظام القديم بالتصويت الإلكتروني وفضلوا أن يكون النظام مساعدا في حال التطبيق. وقد استعانت هذه الدراسة باستبانة شارك فيها حوالي 120 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و70 سنة من جميع الأطياف السياسية والدينية، وتهدف إلى معرفة رأيهم في التصويت الإلكتروني ونسبة مستخدمي شبكة الانترنت والتسوق والمصرف الإلكتروني في البحرين، كما تحاول معرفة مهارة الأشخاص في استخدامات الحاسب الآلي. وخلصت الاستبانة إلى مجموعة من النتائج أهمها :

14 في المئة من الذين شاركوا كانوا خبراء في الحاسب الآلي، 43 في المئة كانوا ذوي مستوى متقدم و31 في المئة كانوا ذوي مستوى متوسط و11 في المئة كانوا مبتدئين، النتائج تبين أن الغالبية تقع ما بين مستوى متقدم ومستوى متوسط، وأن نسبة الخبراء تقريبا مساوية لنسبة المبتدئين.

40 في المئة لم يستخدموا الانترنت للتسوق أو لإجراء المعاملات المصرفية دليل تخوف وعدم اطمئنان، 29 في المئة يستخدمونه مرة واحدة في الشهر، و15 في المئة يستخدمونه مرة واحدة في الأسبوع و7 في المئة يستخدمونه يوميا، النتائج تشير إلى أنه على رغم أن شريحة لا بأس بها تتقن مهارات استخدام التقنية فإنها تتخوف منها ولا توجد ألفة كبيرة، وقد احتل السبب الذي ذكره البعض من عدم استخدام الإنترنت للشراء أو لإجراء المعاملات المصرفية وأن الكثيرين لا يفضلون استخدامه ونسبتهم 38 في المئة، إلى جانب عدم الثقة بالنظام بنسبة 24 في المئة وعدم الثقة بالنفس المركز الثالث بنسبة 15 في المئة.

38 في المئة يعتقدون أن المجتمع البحريني ليس مستعداً للتصويت الإلكتروني لعدة أسباب، من بينها : ضعف خدمة الانترنت وضعف التوعية الاجتماعية وضعف القوانين والتشريعات المتعلقة باستخدام الحاسب الآلي.

واستخلصت الدراسة في نهايتها بعض المشكلات التي تؤثر على عملية تطبيق التصويت الإلكتروني في البحرين مع الإشارة إلى أنه لو تمت معالجة هذه المشكلات لأصبح تطبيق التصويت الإلكتروني ممكناً خلال السنوات المقبلة، وهي أن التصويت الإلكتروني مقبول مجتمعيّاً من ناحية الفكرة لكن هناك تحفظاً من ناحية المضمون سوى على مستوى الإشكال التقني أو الإشكال السياسي أو الإشكال الاجتماعي.

وبينت النتائج وجود فرص اختراق للأنظمة الإلكترونية على مستوى العالم وعدم وجود السرية الكافية لحماية عمليات التصويت الإلكتروني فضلاً عن عدم وجود جهة رقابية محايدة ومستقلة مشرفة على شفافية وسير العملية الانتخابية.

أعتقد أنه كان على الحكومة إجراء دراسات من هذا النوع وبناء على التشخيص الذي يتضح من الدراسة تقرر مدى جاهزية المجتمع لذلك من عدمها والعمل على تهيئة الأرضية المناسبة، وعليها عدم تجاهل الدراسات المتخصصة في هذا الاتجاه للصالح العام.

بقي أن نقول ان الحكومة قد وضعت حساباً لكل شيء تقنيا وتجاهلت مسألة غاية في الأهمية وهي الأمية التقنية التي تعاني منها شريحة كبيرة من الكتلة الانتخابية، فضلا عن الموقف السياسي من إصرارها على استخدام التقنية على رغم رغبتها في إمكان الترشيد، وهي تفكر ليل نهار كيف ترشد النفقات اللازمة للانتخابات لدرجة عزمها على اجراء الانتخابات البلدية والنيابية في يوم واحد، نجدها تنسى كل تلك الأمور وتفكر في التصويت الإلكتروني الذي يكلفها ما يكلفها من نفقات باهظة، وبعد ذلك تعممه وتتركه اختياريا بحثا عن قصب سبق إعلامي في الريادة بعيداً عن التفكير في المصروفات. والأدهى والأمر ان الجهاز المركزي يستهدف من 10 إلى 15 في المئة من مجموع الكتلة الانتخابية في المرحلة الأولى، هذا الأمر يدعونا إلى التفكير في أمور تحليلية كثيرة من بينها ربط إصرارها على تطبيق المشروع على على رغم التحفظات القائمة من قبل مؤسسات المجتمع المدني على موضوع الشركة الاستشارية الأميركية التي قدمت عروضاً مغرية إلى مجلس النواب الأردني في سبيل الإسراع في مشروع التصويت الإلكتروني والذي نشرته صحيفة «العرب اليوم» العام الماضي في هذا الوقت نفسه، أو أن الحكومة ترغب في أن تكون المجالس القادمة ذات لون واحد، أو أنها تسير بلا أولويات

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1466 - الأحد 10 سبتمبر 2006م الموافق 16 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً