تبدو صورة الواقع العربي الراهن في مجملها قاتمة شديدة السواد، قتلى واحتلال في فلسطين، وقتلى واحتلال في العراق، واحتلال وحصار في لبنان واستهداف تتبلور ملامحه سريعا ضد سورية والسودان، وقلق من المستقبل القريب في أكثر الأقطار العربية إن لم يكن فيها كلها. لكن صورة الواقع تبدو أكثر قتامة في فلسطين إذ أصل المأساة العربية ومنشأ الجرح العربي النازف بغزارة.
من يتابع التراشق الكلامي بين بعض المسئولين الفلسطينيين، ينسى تماما أن هؤلاء يعيشون على أرض تحتلها «إسرائيل» وتمعن فيها قتلا ونهبا وتخريبا على مدار الساعة. ويبدو أن البعض يتجاهل ما تفعله «إسرائيل» ويتذكر فقط ضرورة الاعتراف بها وبالاتفاقات المعقودة معها، والتي شطبتها بنيران طائراتها ومدفعيتها وجرافاتها. ولابد من تساؤل مشروع: «أين يتجه الفلسطينيون؟».
نعلم جميعا أن عدم صرف الرواتب سببه الحصار الإسرائيلي والدولي. ويخطئ من يطالب الحكومة بأن تدفع الرواتب ويتجاهل ظروف الحصار المفروض عليها وعلى الشعب بسببها، لأن من شأن أسلوب كهذا أن يشجع فارضي الحصار على الاستمرار به أو حتى تشديده. ويخطئ أيضا من يطالب «حماس» بأن تخرج من جلدها وتشطب مبادئها وثوابتها التي انتخبت على أساسها، لأجل عيون الرواتب. لكن هناك مشكلة قاسية بحاجة إلى حل.
حكومة الوحدة الوطنية... فكرة جيدة، ولكن حتى لو افترضنا أن أطراف الساحة الفلسطينية أنجزت تشكيل الحكومة، فإن الأمور لن تتغير بالمطلق. فأوروبا وليست أميركا فحسب تقول إنها ستتحدث مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية إذا اعترفت بـ «إسرائيل» والتزمت بالاتفاقات معها وأوقفت ما تسميه «الإرهاب».
ما الجديد إذا؟ فتنفيذ مثل هذه الشروط يسمح بفتح الحوار مع الحكومة الحالية أو أية حكومة، وبالتالي رفع الحصار وتدفق المساعدات، وذلك ببساطة لأن «حماس» حينئذ ستصبح حركة أخرى، كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية. لذلك فإن «حماس» أمام ثلاثة خيارات: الموافقة على الشروط الإسرائيلية الأميركية الأوروبية، لكي تصبح جزءا من المجتمع الدولي بطبعته الحالية، فتخرج من أزمة المال وتدخل أزمة المبادئ ومبررات الوجود. والخيار الثاني تشكيل حكومة وحدة وطنية، أيضا مع الموافقة على الشروط ودفع الثمن ذاته، أو مغادرة الحكومة وفسح المجال لأصحاب المشروع الأساسيين كي يكملوا ما بدأوا به وتعود لممارسة دورها الطبيعي
إقرأ أيضا لـ "ايمان عباس"العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ