قبل خمسة عشر عاماً كان وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي يعمل مستشاراً في مكتب غيرهارد شرودر حين كان الأخير رئيساً لحكومة ولاية سكسونيا السفلى. وحين فاز شرودر بمنصب المستشار في العام 1998 تمسك بشتاينماير وعهد إليه بمنصب وزير المستشارية. بعد خسارة شرودر الانتخابات المبكرة في سبتمبر/ أيلول العام الماضي تمسك بضرورة حصول شتاينماير على منصب وزير الخارجية. كان شرودر يأمل في أن يواصل شتاينماير العمل بالسياسة الخارجية التي كانت من السياسات المحببة عند شرودر وساعدته في الفوز بالانتخابات العامة في سبتمبر 2002 حين عارض خطة الرئيس الأميركي جورج بوش لغزو العراق. في الغضون فإن شتاينماير السياسي الأكثر شعبية في ألمانيا وقد استطاع الفلتان من الاتهام بالتقصير في قضية خطف الألماني اللبناني الأصل خالد المصري من قبل «السي آي أيه» إلى أفغانستان ورفض عرضاً أميركياً بالإفراج عن شاب تركي كان في معتقل غوانتنامو.
ومع شن «إسرائيل» عدوانها على لبنان دافع شتاينماير عن «إسرائيل» وحمّل كما فعلت المستشارة أنجيلا ميركل حزب الله مسئولية وقوع الحرب. كما ألغى شتاينماير زيارة لدمشق لأن الرئيس السوري بشار الأسد وجه انتقادات قوية إلى «إسرائيل». مساء الاثنين الماضي حصل رجل الدبلوماسية الألمانية على فرصة جديدة لتوضيح موقف ألمانيا تجاه المستجدات في الشرق الأوسط حين لبى دعوة وجهها فرع حي تسيليندورف في برلين حيث تشهد الولاية انتخابات برلمانية في السابع عشر من الشهر الجاري. جرى الاجتماع في قاعة في الطبقة السفلى من دار البلدية وقدمت المشروبات للحاضرين في كؤوس من البلاستيك كأن شتاينماير يخشى على حياته. دارت أسئلة الحاضرين حول جدوى مهمة القوات المسلحة الألمانية في لبنان وما إذا النزاع يستحق دفع جنود ألمان أرواحهم ثم السؤال لماذا على الفلسطينيين الاعتراف بـ «إسرائيل» وما إذا بوسع الألمان انتقاد «إسرائيل». شتاينماير لم يكل جهداً في أن يعبّر عن موقفه المعروف ولم يوجه كلمة انتقاد واحدة إلى «إسرائيل» وقال إن بلاده تقف إلى جانب الدولة اليهودية.
هكذا اختلف موقف شتاينماير عن استراتيجية الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي اجتمعت قيادته في برلين وانتقدت استخدام «إسرائيل» قنابل انشطارية خلال عدوانها على لبنان يدفع اللبنانيون ثمنها غالياً حتى اليوم. طبقاً لمعلومات الأمم المتحدة قتل بعد نهاية الحرب 13 شخصاً نتيجة انفجار القنابل. وتعرضت وزيرة التعاون الاقتصادي والإنماء هايدي ماري فيتشوريك تسويل والتي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي إلى هجوم من اللوبي اليهودي في ألمانيا لأنها طالبت خلال تفقدها نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان إجراء تحقيق دولي بشأن استخدام «إسرائيل» هذه القنابل المحظور استعمالها دولياً. ورفضت قيادة الحزب الاشتراكي انتقاد اللوبي اليهودي للوزيرة المعروفة بشجاعتها في انتقاد «إسرائيل» علماً بأنها كانت العضو الوحيد في الحكومة الألمانية التي انتقدت «إسرائيل» منذ بدء العدوان وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار. وجاء في ورقة اتفقت عليها قيادة الحزب الاشتراكي أن يجري دعم مهمة القوات المسلحة الألمانية في لبنان، ودعم حق البقاء وحق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته المستقلة وسيادة لبنان. وجد اللوبي اليهودي تفهماً أكثر حين اجتمع ممثلوه مع المستشارة ميركل التي قالت إن الوزيرة فيتشوريك تسويل تعبّر عن موقفها الشخصي ولا تعبّر عن موقف الحكومة الألمانية. إنه الموقف الذي عبّرت عنه ميركل حين التزمت الصمت حيال عدوان «إسرائيل» وكانت مثل الرئيس الأميركي تأمل في أن تضعف «إسرائيل» حزب الله عسكرياً وهو ما لم يتم. لذلك نشأت شكوك بما ترمي له ألمانيا من وراء المشاركة في مهمة (يونيفل) في لبنان. فقد دلت تصريحات كبار المسئولين في برلين على عزم البحرية الألمانية الدفاع عن أمن «إسرائيل» حين تقوم بحراسة الساحل اللبناني وكما قيل في برلين كي يجري منع تهريب أسلحة عبر البحر إلى حزب الله.
وقالت مصادر إعلامية هنا إن البرلمان الألماني سيناقش في الأسبوع المقبل المشاركة العسكرية الألمانية في لبنان وذلك بعد أن صرح وزير الدفاع الألماني فرانز جوزف يونغ بأن هذه المهمة محفوفة بالمخاطر مع احتمال وقوع مواجهة مسلحة. وكانت الحكومة اللبنانية التي تعرف عمق العلاقات الألمانية الإسرائيلية قد اشترطت تدخل برلين لدى الحكومة الإسرائيلية كي يجري رفع الحصار البحري الذي فرضته «إسرائيل» على لبنان بعد نهاية العدوان. وقال رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في تصريح للقناة الأولى للتلفزيون الألماني: مشكلتنا مع «إسرائيل» وليس مع ألمانيا. يشير مراقبون إلى أن لبنان يريد أن يدفع ألمانيا لزيادة الضغط الدولي على «إسرائيل» كي تنهي حصارها للبنان.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن النائب اللبناني حسين حاج حسن الذي ينتمي إلى حزب الله أن عزم السفن الحربية الألمانية تفتيش السفن المتجهة إلى موانئ لبنان يثير القلق لأن هذه خطوة تخرق سيادة لبنان. وقال النائب اللبناني إن الحكومة الألمانية تخدم مصالح «إسرائيل» في منطقة الشرق الأوسط. وتشير تقارير صحافية إلى أن خسائر لبنان نتيجة الحصار الإسرائيلي للبنان يكلف اقتصاد هذا البلد 50 مليون دولار يومياً وذلك منذ أن فرضت «إسرائيل» حصارها في 12 يوليو/ تموز عند بدء العدوان. كما تحتاج كل سفينة متجهة إلى ميناء بيروت إلى إذن من الحكومة الإسرائيلية. كما تحتاج شركات الطيران لموافقة «إسرائيل» كي تهبط في مطار بيروت الذي أغارت عليه طائرات حربية إسرائيلية ودمرت مدرجه. حتى وقت قصير كانت طائرات أردنية ولبنانية تقلع من العاصمة الأردنية باتجاه بيروت بعد أن تكون خضعت في المطار إلى تفتيش. وكانت الخطوط الجوية القطرية الوحيدة التي تحدت الحصار الجوي الإسرائيلي وقامت بتسيير رحلة من الدوحة إلى لبنان. من المقرر أن تقوم شركة الخطوط الألمانية (لوفتهانزا) في الأيام المقبلة بإعادة تسيير رحلاتها إلى بيروت. ويقول مراسل صحيفة «زود دويتشه» تورستن شميتز في «تل أبيب» عن الهدف المزدوج للحصار الإسرائيلي للبنان: أولاً منع حزب الله نقل الجنديين الإسرائيليين من لبنان إلى إيران، وثانياً منع إعادة تسليح حزب الله، إذ تقول معلومات المخابرات الإسرائيلية (موساد) و«السي آي أيه» إنه تم في الماضي تزويد حزب الله بالنصيب الأكبر بترسانته عبر البحر.
صور- جهاد سقلاوي
أبوعلي أحمد (46 عاما) ليس خبير ألغام، لكن هذا الفلسطيني تمكن من تعطيل آلاف القنابل العنقودية التي خلفتها «إسرائيل» في منطقة صور في جنوب لبنان لمساعدة السكان اللبنانيين.
ويقول أبوعلي وهو يخرج من بستان حمضيات في منطقة المعلية بجنوب مدينة صور حاملا صندوقا ملأه بالرمل الناعم ويحوي خمسين قنبلة عنقودية «لقد طور الإسرائيليون القنابل، هذا النوع ينفجر بمجرد ان تتحرك القنبلة».
ويضيف، فيما يضع صندوقه إلى جانب أربعة أخرى تحوي أكثر من 120 قنبلة «كانت البوارج الإسرائيلية تطلق خلال اجتياح 1982 صواريخ داخل كل منها أربعون قنبلة صغيرة، أما اليوم فالصاروخ يطلق 400 قنبلة تحتوي على مادة الزئبق».
وتطلق القنابل العنقودية عشرات القنابل الصغيرة التي لا تنفجر بالضرورة حين تلامس هدفها، ما يعني أنها تشكل تهديدا دائما للمدنيين.
ويؤكد أبوعلي أحمد أنه عطل طوعا نحو تسعة آلاف قنبلة إسرائيلية و22 قذيفة أطلقتها دبابات وطائرات في منطقة صور منذ وقف الأعمال الحربية في 14 أغسطس/ آب بين حزب الله و«إسرائيل».
ويقول هذا الرجل الذي تلقى دورات تدريب مكثفة مع حركة «فتح» الفلسطينية في الجزائر وتونس «اعمل اليوم خدمة للمواطنين من دون أي أجر، لكن البعض يدفع لي مقابل عملي بين عشرين وثلاثين دولارا يوميا».
ويروي خليل وهبي (42 عاما) من بلدة دير قانون النهر «لقد نظف لي خلال ثلاثة أيام بستاني الذي تبلغ مساحته أربعين ألف متر مربع، كانت معظم القنابل معلقة على الأشجار وكنت أساعده في نقلها بعد تفكيكها». ويضيف «أصبحنا نشكل ثنائيا لنزع القنابل وقد نظفنا ثمانية بساتين من القنابل العنقودية في بلدات القليلة جنوب صور والحوش وطيردبا وباتوليه شرق مدينة صور، ومعظمها من دون مقابل».
ويوضح فرحات فرحات الذي يملك بستانا في باتوليه شرق مدينة صور أن «أبوأحمد نظف بستاني من الموز والحمضيات في خمسة أيام وأصررت على ان ادفع له ثلاثين دولارا يوميا». ويضيف «استطيع الآن ان ادخل الحقل بأمان بعدما انتشل أبوأحمد عشرات من القنابل خلفها العدو».
ويقول أبوأحمد إن معظم القنابل التي عطلها كانت معلقة في الأشجار، وهي تنفجر ما ان تتعرض لضغط وتشبه طابات الغولف. ويضيف «انتشلها بهدوء وأعصاب باردة وسحب منها المسمار الذي يصل الى الزئبق وأبطل مفعولها، وحين يصبح عندي 150 قنبلة اتصل بالجيش ليتسلمها». ويتابع هذا الرجل السعيد بـ «انجازاته» «الجميع يعرفونني جيدا، حتى عناصر الكتيبة الدولية الصينية الذين يهتمون بالألغام يطلبون مساعدتي». لكنه يتدارك «لا استطيع ان أتكلم لغتهم، وغالبا ما نتواصل بالإشارة».
أبوأحمد النحيل البنية اخضع لـ 66 عملية جراحية، ويروي انه أصيب بثلاثين طلقة نارية خلال إنزال للإسرائيليين عند مدخل بيروت الجنوبي إبان اجتياح لبنان العام 1982.
وتقول الأمم المتحدة إنه منذ توقف المعارك بين حزب الله و«إسرائيل» في 14 أغسطس الماضي، قتل 13 شخصا وأصيب العشرات جراء انفجار قنابل عنقودية.
ويوضح منسق الشئون الإنسانية في الأمم المتحدة في جنيف ديفيد شيرر أن تعطيل القنابل العنقودية التي أطلقت «إسرائيل» مئات منها خلال هجومها على لبنان سيستغرق عاما على الأقل. ولم تكشف «إسرائيل» عدد القنابل العنقودية التي ألقتها خلال 33 يوما من المواجهات
العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ