ثمة حاجة ماسة الآن إلى التعاون الإيراني العربي وتحديداً الإيراني المصري، وثمة حاجة ماسة أخرى الآن أيضاً إلى التعاون الإيراني الخليجي وتحديداً الإيراني السعودي خصوصاً، بل يكاد المتتبع للأمور التي تحيط بعالمنا العربي الإسلامي أن يقول إنه لن يكون هناك مستقبل طيب لهذه البلاد ولهذه المنطقة من دون تضافر جهود كل الاقطار والبلدان التي كانت يوماً تسمى بالعالم الإسلامي أو الوطني الإسلامي الكبير الممتد من طنجة في المغرب الكبير إلى جاكارتا في شرق آسيا.
لماذا الآن وبهذه العجالة؟ وما الجديد أو المستجد الذي يطرح مثل هذا الالحاح؟!
اقول: لان الأوضاع في كل من لبنان والعراق ودائماً فلسطين باتت مصيرية أكثر من أي وقت مضى بالنسبة للأمن القومي لكل بلد من بلدان هذه المنطقة وللأمن القومي العربي والإسلامي العام أيضاً.
كيف؟! لأن الوضع في لبنان وعلى رغم كل التطمينات التي تتلقاها الدول العربية من المجتمع الدولي عن مستقبل لبنان والضجيج بل والصراخ العالي بشأن جهود «الاعمار والبناء» لكن ثمة ما لايزال يهدد هذا البلد بعد هزيمة «إسرائيل» وانكسارها المذل فوق أرضه والتي تريد ان تستعيض عنه من خلال الفتن الداخلية التي تحضرها له ولكن بالوسائط «الدولية» هذه المرة ومحاولة توريط العرب والمسلمين بصراعات عربية - عربية وعربية إسلامية عن مستقبل لبنان.
ولما كانت طهران هي الحليفة الاستراتيجية الأهم وبعدها لسورية لحزب الله اللبناني الذي صنع هذا التحول الاستراتيجي المهم الأول في معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي فإن إيران بعد 14 أغسطس/ آب 2006 في تعاملها مع لبنان ومع العرب عموماً ينبغي ان يتغير برأيي عن مجمل سلوكها السابق على 14 أغسطس لاعتبارات كثيرة أهمها دخول الأمن القومي العربي والأمن القومي الإيراني في دائرة الخطر الإسرائيلي المباشر وخصوصاً إذاً ما اضفنا تعقيدات وتطورات الملف النووي الإيراني!
فـ «إسرائيل» التي روَّجت خلال عدوان الـ 33 يوماً على لبنان سواء على لسان مسئوليها أو على لسان من سماهم بعض اللبنانيين بـ «يهود الداخل» اللبناني بان هذه الحرب هي حرب إيرانية - إسرائيلية أو إيرانية - أميركية، بدأت ومنذ اللحظة التي خسرت فيها الحرب على لبنان تعد العدة لحربها الثانية على العرب والمسلمين والتي قد تتوج بهجوم مفاجئ وخاطف على بعض المنشآت الإيرانية قاصدة من وراء ذلك ارباك الجهة العربية الإيرانية الحاضنة للمقاومة اللبنانية العسكرية منها والمدنية وحرف الأنظار عن تداعيات هزيمتها المذلة في لبنان.
وأما أميركا التي ظهرت باعتبارها الداعمة والحاضنة بلاحدود للمشروع الإسرائيلي القديم المعروف «بالشرق الأوسط الجديد» الذي سبق ان دعا اليه يوماً شيمون بيريز وعادت كوندوليزا رايس مجددة الدعوة اليه وسط الحرب على لبنان، فإن ثمة من يعتقد بانها تضمر شيئاً خطيراً للعراق بعد تعثر مشروعها فيه، قد يعلن عن بعض أبعاده في القريب العاجل بصورة تفعيل مفاجئ لفكرة الفيدراليات أو الدويلات الكردية والشيعية والسنية ما قد يدخل المنطقة كلها في اتون حروب أهلية وليس العراق وحده.
في لبنان كما في العراق لم يعد ممكناً تجاوز الازمات الخطيرة التي تلوح في الافق هناك الا بتعاون بل وبتنسيق مكثف ومخلص وجاد بين الإيرانيين والعرب عموماً والخليجيين خصوصاً والسعودية بشكل اخص!
واما فيما يتعلق بالوضع المتفجر في فلسطين والذي يزداد تفجراً مع كل يوم يمر على سياسة الحصار والتجويع الإسرائيليين وما تعده الدولة العبرية للفلسطيني من فتن مستقبلية فإن مصر خصوصاً والعرب عموماً والإيرانيين أيضاً لم يبق امامهم الا أن يتعاونوا بكل جد ومسئولية لإخراج الوضع الحالي من عنق الزجاجة الذي دخل فيه، لأن فشلهم هذه المرة في دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية بالمال والإعلام بل وحتى التسلح الردعي ان امكن انما يعني فيما يعني فشل تجربة الاعتدال الفلسطيني نهائياً وخسارة العالم فرصة تحول حركة جهادية إلى مساهمة حقيقية في التهدئة بين الشرق والغرب وافساح المجال في دخول فلسطين هذه المرة إلى مربع نشاطات منظمة «القاعدة». وان دخلت «القاعدة» على خط فلسطين كما يقول بعض الخبراء فإن العالم كله لن يخرجه منها وستكون بداية النهاية لكل من يحلم بتنمية عربية أو إسلامية متوازنة!
من هنا فإنه ثمة من يعتقد أن على هذه البلدان الرئيسية في المنطقة أي إيران والسعودية ومصر أن تتناسى خلافاتها وان تؤجل بعض مطامحها مهما كانت مشروعة وان تعمل بجد لتعبئة عربية إسلامية باتت ضرورية وملحة وماسة من أجل افشال مخطط التفتيت للوطن العربي والإسلامي ومهمة مخطط اشاعة الفتنة العرقية والمذهبية.
على إيران ان تعدِّل سياستها التقليدية المعروفة بسياسة «الحياد السلبي» في العراق وان تنشط بشكل واضح ضد التفتت الذي يحيق بوحدة العراق القومية والمذهبية والدينية، وان ترفع الصوت عالياً ضد مخططات الدويلات العرقية والطائفية الخطرة ليس فقط على وحدة العراق، وامنه بل ووحدة إيران وامنها القومي أيضاً!
وعلى العرب ان يخرجوا من موقف المراقب والقلق والمترقب للحوادث وان ينشطوا بجد وحيوية ضد مخططات التفريق والتباعد بينهم وبين جيرانهم من غير العرب وان يدركوا جيداً بان خسارتهم لإيران هذه المرة لن تعني بأي شكل من الاشكال إعادة بعض الوزن المفقود لديهم، بل العكس تماماً فهي ستعني الاخلال تماماً بالتوازن الاستراتيجي بينهم وبين «إسرائيل» إلى غير رجعة!
انه منطق الاشياء البعيد عن الحب والبغض العاطفيين. انه منطق ان تكون أولاً تكون وساعة الحقيقة تقترب، والمطلوب هو القرار الشجاع
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1464 - الجمعة 08 سبتمبر 2006م الموافق 14 شعبان 1427هـ