العدد 1464 - الجمعة 08 سبتمبر 2006م الموافق 14 شعبان 1427هـ

زواج المصلحة الأميركي الليبي 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تناولت الحلقة الأولى من المقال واقع الطرف الأول في معادلة العلاقات الليبية - الأميركية والذي هو طرابلس، لكن فهم العلاقة في إطارها الصحيح يتطلب إلقاء الضوء على الطرف الثاني في المعادلة والذي هو واشنطن. كيف ترى الدوائر الأميركية مستقبل تلك العلاقة وما الحيز الذي تحتله في إطار الاستراتيجية الأميركية... هذا ما سنتناوله هنا في الحلقة الثانية.

في مايو/ أيار 2001 سمحت واشنطن بنشر خطة الطاقة القومية التي قامت بإعدادها مجموعة يترأسها ديك شيني. تتمحور الخطة حول ثلاث نقاط رئيسية هي:

1 - يتعين على الولايات المتحدة أن تزيد نسبة ما تستورده من النفط مع زيادة استهلاكها له (بحلول العام 2020 سيصل إجمالي استيراد النفط يوميا الى 17 مليون برميل، أي إلى 65 في المئة من إجمالي الاستهلاك).

2 - يتعين على الولايات المتحدة الحصول على إمدادات إضافية من مصادر جديدة، مثل دول منطقة بحر قزوين وروسيا وإفريقيا، لأنها أي الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد بشكل قصري على المصادر التقليدية مثل السعودية وفنزويلا وكندا لتوفير ذلك النفط الإضافي.

3 - لا يسع الولايات المتحدة الاعتماد فقط على قوى السوق المحلية من أجل الوصول إلى تلك الإمدادات المضافة، بل سيتطلب ذلك جهودا مهمة من قبل موظفي الحكومة لتجاوز مقاومة المد الخارجي لشركات الطاقة الأميركية.

في ضوء تلك المنطلقات الثلاث، دعت خطة شيني إدارة بوش إلى القيام بمبادرات واسعة النطاق بهدف زيادة واردات النفط من مصادر التزويد الخارجية. وتحديداً، تتطلب من الرئيس ووزراء الخارجية والطاقة والتجارة العمل مع قادة دول وسط آسيا وآذربيجان لتعزيز الإنتاج في منطقة بحر قزوين ولإنشاء خطوط أنابيب جديدة في الغرب. كما أنها تطالب الموظفين في الولايات المتحدة بإقناع نظرائهم بأفريقيا والخليج العربي وأميركا اللاتينية بفتح أبواب صناعاتهم النفطية للشركات الأميركية الكبيرة وتصدير المزيد من النفط إلى الولايات المتحدة.

الاستدارة نحو إفريقيا

وبنظرة سريعة على روابط إدارة بوش بالمؤسسات الكبرى تكشف علاقاتها القوية بكل صناعة النفط والغاز. فعند نشر الخطة كان ديك تشيني - نائب الرئيس - رئيس هاليبرتون،أكبر مؤسسة خدمات نفط في العالم. أما دون إيفانز، وزير التجارة، فقد كان شريكاً في توم براون، وهي مؤسسة نفط مقرها دنفر. وقد كانت أكسون، وهي أكبر مؤسسة في العالم من ناحية العائدات، وتأتي في المركز الثاني بعد إنرون التي حطمتها الفضائح، من جراء مساهماتها في دعم الحزب الجمهوري. أما وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس والتي كانت مستشارة الأمن القومي وخبيرة الشئون الروسية في الإدارة، فقد كانت في مجلس إدارة شيفرون، مقاول تطوير أكبر حقل نفط في بحر قزوين وشبكة أنابيب في كازاخستان.

إن ما يسميه المحللون، «استراتيجية اكتساب النفط العالمي»، يساعد على تفسير الكثير من أعمال إدارة بوش في العالم خصوصاً التحول المفاجئ نحو أفريقيا. فالتحول إلى النفط الأفريقي، و تنوع مصادر النفط، أصبح الهدف الأول للولايات المتحدة التي اتجهت لمناطق أخرى غير الخليج العربي - من أفريقيا إلى البحر الشمالي في كندا - لتنويع مصادر النفط الذي تستورده. وبحسابات أميركا فإن هذا التنوع لن يحميها فقط (ولو لبعض الوقت) من أي قلق قد يأتي من الخليج ولكنه سيقلل أيضا من حصة الأوبك في السوق العالمية وبالتالي يضعف من نفوذها على مصادر النفط وعلى الأسعار وهو هدف لا يقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة.

وتحتل إفريقيا مكانة رئيسية في هذه الاستراتيجية، فقد زاد إنتاج النفط الأفريقي خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 26 في المئة مقابل 16 في المئة لباقي القارات. هذا الأمر جعل الإدارة الأميركية تعتزم زيادة الإمدادات النفطية الإفريقية إلى السوق الأميركية من 15 في المئة حاليا إلى 25 في المئة بحلول العام ،2015 وأنه لهذا السبب تضع الشركات الأميركية خططا متباينة بهدف إنفاق عشرة مليارات دولار سنويا في صناعة النفط الأفريقية. هذه الالتفاتة نحو القارة السمراء تأتي بعد عقد كامل تُركت فيه إفريقيا لتتعفن وسط الفقر والحروب الأهلية. وقد عكست زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش منتصف العام الماضي لدول غرب إفريقيا، الجهود الكبيرة التي تبذلها الإدارة الأميركية لتأمين احتياجاتها من النفط من هذه المنطقة.

الحصة الأميركية من السوق النفطية الليبية

تعود الشركات النفطية الأميركية الى ليبيا بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين ليبيا والولايات المتحدة فى مايو الماضي وتتعهد بتقديم احدث التقنيات النفطية الى ليبيا بهدف الحصول على نصيب الاسد فى السوق النفطية فى هذا البلد الغني بالنفط . وقد ابدى الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون الأميركية جي بروير استعداد شركته لنقل احدث التقنيات المتقدمة في مجال النفط واستكشافه إلي ليبيا من خلال المشروعات النفطية التي تنفذها في البلاد.

وقد ابلغ بروير ذلك لرئيس مؤسسة النفط الليبية شكري غانم خلال الاجتماع الذي عقداه مؤخرا في طرابلس، والذي تطرقا فيه إلي مجل نشاط الشركة الأميركية وعملها في الحقول النفطية الليبية.

وتم خلال الاجتماع بين الجانبين استعراض نشاط العمليات والاستكشاف التي تقوم بها الشركة الأميركية في ليبيا، والمشروعات المختلفة التي يمكن للشركة المساهمة بها في تطوير وزيادة الإنتاج النفطي.

وتعول ليبيا على الخبرة الأجنبية لتعويض الآثار التكنولوجية للعقوبات الأميركية التي كانت مفروضة عليها والتي حرمت قطاع النفط الليبي لسنوات طويلة من الحصول علي كثير من التكنولوجيات الجديدة في الصناعة النفطية.

وكان لشركة شيفرون الى جانب أوكسدنتال وأميرادا هيس الأميركيتين نصيب الأسد في أول عرض عطاءات رخص لاستكشاف النفط واستخراجه بعد رفع الحظر الأميركي بحصولها علي نحو 104 عروض، من بين 56 شركة نفطية عالمية. وقد شاركت في تلك العطاءات التي جرت في مطلع العام الماضي. واختارت الحكومة الليبية هذه المجموعات الأميركية الثلاث في يناير/ كانون الثاني 2005 للتنقيب عن النفط وتحديث منشآت البلاد النفطية المتداعية بسبب 18 سنة من العقوبات الدولية.

كذلك عادت شركتان نفطيتان أميركيتان أخريان الى ليبيا لاستئناف نشاطهما فى حقول النفط الليبية بعد ان كانتا قد خرجتا من السوق الليبية منذ عام ،1986 وهو العام الذي قصفت فيه طائرات أميركية كلا من طرابلس وبنغازي. ففي يونيو/ حزيران الماضي افادت انباء إن شركتي «كونكوفليبس» و«مارثون» الأميركيتين توصلتا الى اتفاق مع الليبيين للعودة الى الحقول التي كانتا تعملان فيها من قبل.

وستدفع الشركتان مبلغ 1,3 مليار دولار نظير هذه العودة. وكانت الشركتان قد شرعتا في ابريل الماضى في تكرير مواد نفطية ليبية وذلك قبل عودتهما الفعلية الى حقول في جنوب البلاد.

وتتوقع شركة «مارثون» الأميركية ان تضخ من 40 الفا الى 45 الف برميل من النفط الليبي يوميا في الاسواق خلال هذه السنة. في حين تتوقع شركة كونكوفليبس الأميركية ضخ 45 الف برميل يوميا.

الهجوم الأميركي والتنازلات الليبية

في ثنايا كل التحولات الليبية منذ حوادث 11 سبتمبر/ أيلول تلوح يد الإدارة الأميركية التي لا تتوانى في استخدام سياسة «العصا والجزرة» لتحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية ملوحة غالبا بالأولى ومحتفظة بالثانية. فمنذ حوادث 11 سبتمبر وليبيا تتعاون بالكامل مع الإدارة الأميركية في حربها المزعومة علي الإرهاب. فقد أشارت صحيفة «الاوبزرفر» البريطانية إلى ذلك بالقول: «إن ليبيا قدمت معلومات تفصيلية عن المئات من أعضاء تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى في إطار صفقة مع واشنطن لإنهاء العزلة الدولية المفروضة على ليبيا». وتضيف الصحيفة «انه تمت سلسلة من اللقاءات السرية بين مسئولي جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني المعروف باسم «ام آي 6» والاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» من جهة، ومسئولي الاستخبارات الليبية من جهة أخرى في بريطانيا خلال العامين السابقين. وتم خلالها الاتفاق على أن تقدم ليبيا معلومات عن الجماعات الإسلامية المتشددة وما لديها من برامج إنتاج أسلحة دمار شامل مقابل رفع العقوبات الأميركية عليها».

إذا، فإن التعاون بين ليبيا والولايات المتحدة ينمو بسرعة منذ حوادث 11 سبتمبر. وترتبط المصالح الأميركية بليبيا بالنفط الليبي الذي يسيل لعاب شركات النفط الأميركية الكبرى وخصوصاً بعض الجهات النافذة بالبيت الأبيض، التي غالبا ما تتلاقى مواقفها السياسية ومصالحها النفطية. وفي هذا الصدد يشير إريك بخار في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية إلى «إن الخطوة الليبية اختتمت بالنسبة إلى بوش أحد أكثر الأسابيع نجاحا طوال فترة حكمه». فالمحافظون الجدد الذين صاغوا لبوش النظرية والنهج الذي سجل باسمه، كان هذا أكثر أسابيعهم نجاحا، وفيه بدأت جدران أساسية قديمة في الشرق الأوسط تنهار وتتدحرج حجارتها.

لا شك أن التحولات الليبية الأخيرة ستخفف من حدة التوتر بين الولايات المتحدة وليبيا، وسيعزز من ذلك حرص الإدارة الأميركية على تسويق النموذج الليبي في الرضوخ للمطالب الأميركية، وهذا ما يشي به ترحيب الرئيس الأميركي بقرار ليبيا بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، إذ قال: «يمكن أن تسترد ليبيا مكانة آمنة ومحترمة بين الدول، ومع الوقت ستتحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة».

بالتأكيد هناك ترتيبات خاصة مستقبلية بين ليبيا والولايات المتحدة، ترتبط بسعي الأخيرة منذ حوادث 11 سبتمبر دمج ليبيا ضمن استراتيجيتها الكونية العليا المرتبطة بالهيمنة علي العالم من خلال التحكم في النفط...كل النفط...وفي أي مكان.

يشبه البعض تطور تلك العلاقات إيجابيا بين واشنطن وطرابلس بزواج المصالحة المؤقت الذي يصعب رؤيته حالة مستمرة مستقرة، والذي لن يحتاج إلى أكثر من سوء تفاهم بسيط لكي تضطرب سماؤه من جديد

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1464 - الجمعة 08 سبتمبر 2006م الموافق 14 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً