العدد 1464 - الجمعة 08 سبتمبر 2006م الموافق 14 شعبان 1427هـ

واشنطن... والإفراط في سياسة التدويل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل أنهت الولايات المتحدة عمليات تجميع الأوراق الدولية وتكديسها فوق طاولة «البيت الأبيض» أم أنها ستواصل سياسة الافراط في استخدام مجلس الأمن لتحصيل المزيد من القرارات التي ستعمد لاحقاً إلى توظيفها في مشروع التقويض الذي تقوده ضد دول منطقة «الشرق الأوسط»؟

حتى الآن نجحت واشنطن في اصدار الكثير من القرارات الدولية وهي تحاول استخدامها لزعزعة استقرار المنطقة بهدف تبرير تدخلها العسكري أو إعطاء إدارتها صلاحيات دولية تجيز لها ممارسة الضغوط السياسية والدبلوماسية لانتزاع تنازلات تخدم في النهاية استراتيجيتها العامة.

الوقائع تشير إلى ان الولايات المتحدة تطمح إلى اصدار المزيد من القرارات الدولية حتى تستكمل تطويق دول المنطقة بشروط سياسية تستند إلى قوة مجلس الأمن لتغطية خططها التدخلية في شئون تعتبر عادة تمس أمن الدول وسيادتها.

هناك الكثير من القرارات التي نجحت الولايات المتحدة في تمريرها بعد احتلالها العراق وتقويض دولته. والقرار الابرز في السياق كان 1559 الذي صدر في العام 2004 وشكل شماعة دولية لمجموعة قرارات اسهمت في زعزعة استقرار لبنان. وتحت هذا العنوان تعرض هذا البلد الصغير لعدوان أميركي - إسرائيلي استمر لمدة أكثر من 33 يوماً وانتهى إلى تقويض دولته أو على الأقل دفع القوى المحلية إلى حال من الاستنفار الأهلي من دون ان يتوصل فرقاء الصراع إلى حل مشكلة واحدة من تلك التي ينص عليها القرار 1559. فالحرب على لبنان التي كلفت البلاد الخراب العام لم تتوصل إلى وضع برنامج لحل مشكلاته السياسية. وكل ما انتجته الحرب العدوانية كان صدور القرار 1701 الذي ينص في مقدمته على ضرورة تطبيق قرارات سابقة صدرت عن مجلس الأمن ولم تنفذ. ومن تلك القرارات التي ذكرها 1701 القرار 1680 الذي يحدد الاطر العامة للعلاقات السورية - اللبنانية.

الآن بات على لبنان مهمات كثيرة وعليه تطبيقها أو العمل على تنفيذها وكلها تتناول قضايا صعبة ومن العبث التعامل مع دولة مقوضة ومشلولة من دون انتباه لوضعها الداخلي (الأهلي). فالقرار 1701 ينظم العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية في سياق خطة تدويل الحدود ضمن الخط الأزرق. والقرار 1680 ينظم العلاقات اللبنانية - السورية ضمن ضوابط تبادل السفارات ورسم الحدود المشتركة. والقرار 1559 الذي يعتبر «أم المشكلات» يطالب الدولة بتنظيم علاقاتها الداخلية بعد خروج القوات السورية من أراضيها. وتلك العلاقات الداخلية موصولة بمشكلات اقليمية معقدة تتناول القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي.

لبنان الآن مطالب بالعمل على حل أزمات أكبر من مساحته وحجمه. وهذا يعني أن البلد سيبقى عرضة للضغوط وتواصل الاضطرابات بسبب تركيبته الداخلية (المذهبية/ الطوائفية). فالقرارات الثلاثة تتناول ثلاث زوايا واربعة اطراف. فهناك الجانب اللبناني - الإسرائيلي (1701) وهناك الجانب اللبناني - السوري (1680) وهناك الجانب اللبناني - الفلسطيني (1559) وهناك الجانب اللبناني - اللبناني معطوفاً عليه حزب الله وسلاحه.

وكل هذه المهمات تعتبر ثقيلة على دولة متأرجحة في توازناتها وغير قادرة على تحمل تبعات أزمات إقليمية ومزمنة في اسبابها وتداعياتها. ولكل هذه الأسباب يمكن القول إن لبنان لم يخرج بعد من ازماته ولن يخرج في الأمد المنظور حتى لو انتشرت قوات «اليونيفل» في الجنوب ورفعت «إسرائيل» حصارها الجوي والبحري عن المطارات والموانئ.

إذاً نحن أمام ثلاثة قرارات دولية وغيرها من قرارات ملحقة أو تابعة أو متبوعة وكلها لم تؤخر أو تقدم في مسألة واحدة بل يمكن القول إن وضع لبنان الآن، وبعد عدوان استمر نحو 34 يوماً، أسوأ بكثير مما كان عليه قبل 12 يوليو/ تموز الماضي.

السودان وإيران

هذا الجانب يتعلق بالشق اللبناني. أما ما يتعلق بالشق السوداني فان الأمر لا يختلف كثيراً بعد صدور القرار 1706 وتدويل أزمة إقليم دارفور. فالرئيس عمر البشير رفض القرار أو على الأقل قرر مقاومته في حال طالبت الولايات المتحدة بانزال قوات دولية في الاقليم.

وهذا يعني ان القرار الدولي لم يحل المشكلة وانما اضاف ازمة إلى مشكلة، الأمر الذي يشير إلى وجود خلخل في آليات انتاج السياسة التي يشرف مجلس الأمن على إدارة شئونها وتنظيم حلولها.

الأمر نفسه يمكن سحبه على الجانب الإيراني. فالقرار الدولي 1696 أعطى مهلة لوقف تخصيب اليورانيوم (إنتاج الطاقة البديلة) والقبول بالحوافز (الاجراءات التشجيعية) والا فان مجلس الأمن سيتخذ مواقف متشددة. وانتهت المهلة في 31 أغسطس/ آب الماضي وحتى الآن تبدو الأمور تسير نحو المزيد من التأزم. فإيران رفضت التقيد بالمهلة وردت على الشروط الدولية بشروط مضادة ولاتزال النقاط العالقة قيد البحث والدرس ولا يعرف إلى اين تتداعى المشكلات، وكيف يمكن احتواء انفعالاتها في حال تدهورت إلى مكان خطير.

حتى الأن تبدو الأمور تحت السيطرة. فإيران تستبعد الحرب وتعتبر انها تهويل أو مجرد «حرب نفسية». وهذا يعني انها تراهن على قبول مجلس الأمن بمبدأ التفاوض وتعديل التوجهات ووجهات النظر. والولايات المتحدة تصعد المواقف اللفظية وحملاتها الايديولوجية وتفضل الخيار الدبلوماسي ولا تستبعد خيار اللجوء إلى القوة في حال تطلب الأمر ذلك. حتى الآن الأمور تحت السيطرة ولكن إلى متى تبقى التجاذبات تراوح مكانها.

كل النقاط معلقة من لبنان وفلسطين وسورية إلى السودان وإيران مروراً بالعراق. وكل ما حصل من زعزعة للأمن والاستقرار وتهديدات بشن حروب مضافة إلى حروب شنت لم تتوصل القرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن من العام 2004 إلى العام 2006 إلى نتيجة عملية واحدة او حل معضلة سياسية تعتبر سبباً في اشعال الاضطرابات وخلخلة علاقات الدول في منطقة «الشرق الأوسط».

العراق مثلاً بات مهدداً بالانقسام السياسي (الفيدرالي) بعد فشل القوى المحلية في تشكيل قناعات موحدة تتفق على طرد الاحتلال وتتفاهم على هوية الدولة وصيغتها وموقعها ودورها. وفي لبنان أيضاً بات وضعه الأهلي مهداً بالانقسام السياسي (كانتونات) بعد فشل القوى المحلية في تشكيل قناعات موحدة تتفق على صيغة مقاومة الاحتلال الصهيوني ومخاطره التي لا يستبعد ان تتكرر دائماً. كذلك لا يظهر في الافق القريب ان الاطياف (الطوائف) اللبنانية توصلت إلى رؤية مشتركة تتقاطع على اعادة تعريف هوية الدولة وموقعها ودورها.

كل هذه الأمور تعتبر اشارات تنبه إلى أن المجرى العام للسياسات في السودان وفلسطين ولبنان والعراق وإيران يتجه نحو المزيد من التأزم. وتلك الانفراجات الموعودة في قرارات مجلس الأمن من 1559 و1680 و1696 و1701 و1706 ليست سوى بالونات هوائية تنفجر بسهولة حين تصطدم بالأرض والوقائع الصلبة.

نعود إلى السؤال: هل اكتفت الولايات المتحدة من سياسة تجميع الاوراق الدولية أم انها تطمح إلى المزيد من القرارات للبناء عليها في المستقبل؟

المؤشرات تدل على ان واشنطن لم تشبع وهي لاتزال مصرة على مواصلة سياسة الافراط في استخدام مجلس الأمن واسطة دولية لمشروع عام يعتمد على استراتيجية تقويض دول «الشرق الأوسط». ولعل هذا الهدف يشكل ذريعة كافية لإدارة «البيت الأبيض» في الضغط على اصدار المزيد من القرارات لا من أجل التوصل إلى حلول دبلوماسية للقضايا بل من أجل افتعال حروب بسببها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1464 - الجمعة 08 سبتمبر 2006م الموافق 14 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً