بقي علم الأصول فاقداً قسماً عظيماً، هو شطر العلم الباحث عن أحد ركنيه، حتى هيأ الله سبحانه وتعالى أبا إسحق الشاطبي في القرن الثامن الهجري، لتدارك هذا النقص، وإنشاء هذه العمارة الكبرى، في هذا الفراغ المترامي الأطراف، في نواحي هذا العلم الجليل، فحلل هذه المقاصد إلى أربعة أنواع، ثم أخذ يفصل كل نوع منها وأضاف إليها مقاصد المكلف في التكليف. وبسط هذا الجانب من العلم في اثنتين وستين مسألة، وتسعة وأربعين فصلاً، من كتابه «الموافقات»، تجلى بها كيف كانت الشريعة مبنية على مراعاة المصالح، وأنها نظام عام لجميع البشر دائم أبدي، لو فرض بقاء الدنيا إلى غير نهاية. لأنها مراعى فيها مجرى العوائد المستمرة. وأن اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد ليس اختلافاً في الخطاب الشرعي نفسه، بل عند اختلاف العوائد ترجع كل عادة إلى أصل شرعي يُحكم به عليها، وأن هذه الشريعة - كما يقول - خاصيتها السماح، وشأنها الرفق، تحمل الجماء الغفير، ضعيفاً وقوياً، وتهدي الكافة، فهيماً وغبياً.
المباحث التي أغفلوها
لم تقف به الهمة في التجديد والعمارة لهذا الفن، عند حد تأصيل القواعد، وتأسيس الكليات المتضمنة لمقاصد الشارع في وضع الشريعة. بل جال في تفاصيل مباحث الكتاب أوسع مجال، وتوصل باستقرائها إلى استخراج دررٍ غوال لها أوثق صلة بروح الشريعة، وأعرق نسب بعلم الأصول. فوضع في فاتحة كتابه ثلاث عشرة قاعدة، تتبعها خمسة فصول جعلها لتمهيد هذا العلم أساساً، ولتمييز المسائل التي تعتبر من الأصول نبراساً، ثم انتقل منها إلى قسم الأحكام الخمسة الشرعية والوضعية، وبحث فيها من وجهة غير الوجهة المذكورة في كتب الأصول، وأمعن بوجه خاص في المباح، والسبب، والشرط، والعزائم، والرخص. وناهيك في هذا المقام أنه وضع في ذلك ربع الكتاب، تصل منه إلى علمٍ جَمّ، وفقه في الدين، وقد رتب عليه في قسم الأدلة قواعد ذات شأن في التشريع. وهناك يبيّن ابتناء تلك القواعد على ما قرره في قسم الأحكام حتى لترى الكتاب آخذاً بعضه بحجر بعض.
ثم إن عرائس الحكمة، ولباب الأصول، التي رسم معالمها، وشد معاقلها في مباحث الكتاب والسنة، ما كان منها مشتركاً، وما كان خاصاً بكل منهما، وعوارضهما من الأحكام، والتشابه، والنسخ، والأوامر، والنواهي، والخصوص، والعموم، والإجمال، والبيان. هذه المباحث التي فتح الله عليه بها لم تسلس له قيادها، وتكشف له قناعها، إلا باتخاذه القرآن الكريم أنيسه، وجعله سميره وجليسه، على ممر الأيام والأعوام، نظراً وعملاً وباستعانته على ذلك بالاطلاع والإحاطة بكتب السنة ومعانيها، وبالنظر في كلام الأئمة السابقين، والتزود من آراء السلف المتقدمين، مع ما وهبه الله من قوة البصيرة بالدين، حتى تشعر وأنت تقرأ في الكتاب كأنك تراه وقد تسنم ذروة طود شامخ، يشرف منه على موارد الشريعة ومصادرها، يحيط بمسالكها، ويبصر بشعابها، فيصف عن حس، ويبني قواعد عن خبرة، ويمهد كليات يشدها بأدلة الاستقراء من الشريعة، فيضم آية إلى آيات، وحديثاً إلى أحاديث، وأثراً إلى آثار، عاضداً لها بالأدلة العقلية، والوجوه النظرية حتى يدق عنق الشك، ويسد مسالك الوهم، ويظهر الحق ناصعاً بهذا الطريق الذي هو نوع من أنواع التواتر المعنوي، ملتزماً ذلك في مباحثه وأدلته حتى قال - بحق - إن هذا المسلك هو خاصية كتابه.
ولقد أبان في هذه المسائل منزلة الكتاب من أدلة الشريعة، وأنه أصل لجميع هذه الأدلة، وأن تعريفه للأحكام كلي، وأنه لابد له من بيان السنة، كما بيّن أقسام العلوم المضافة إلى القرآن، وما يحتاج إليه منها في الاستنباط، وما لا يحتاج إليه، وتحديد الظاهر والباطن من القرآن، وقسم الباطن الذي يصح الاستنباط منه، والذي لا يصح الاستنباط منه، وأثبت أن المكي اشتمل على جميع كليات الشريعة، والمدني تفصيل وتقرير له، وأنه لابد من تنزيل المدني على المكي، وأن النسخ لم يرد على الكليات مطلقاً، وإنما ورد على قليل من الجزئيات لأسباب مضبوطة، وحدد الضابط للحد الأعدل الأوسط في فهم الكتاب العزيز الذي يصح أن يبني عليه اقتباس الأحكام منه، ثم بيّن رتبة السنة ومنزلتها من الكتاب، وأنها لا تخرج في أحكام التشريع عن كليات القرآن، وأثبت ذلك كله بما لا يدع في هذه القواعد شبهة.
وقد جعل تمام الكتاب باب الاجتهاد ولواحقه، فبيّن أنواع الاجتهاد، وما ينقطع منها، وما لا ينقطع إلى قيام الساعة، وأنواع ما ينقطع، وما يتوقف منها على الركنين - حذق اللغة العربية حتى يكون المجتهد في معرفة تصرفاتها كالعرب، وفهم مقاصد الشريعة على كمالها - وما يتوقف منها على الثاني من دون الأول، وما لا يتوقف على واحد منهما.
ثم أثبت أن الشريعة ترجع في كل حكم إلى قول واحد، مهما كثر الخلاف بين المجتهدين في إدراك مقصد الشارع في حكم من الأحكام؛ وبنى على هذا الأصل طائفة من الكليات الأصولية؛ ثم بيّن محال الاجتهاد، وأسباب عروض الخطأ فيه، إلخ إلخ.
وفيما ذكرناه إشارة إلى قطرة من ساحل كتاب «الموافقات» الذي لو اتخذ مناراً للمسلمين، بتقريره بين العلماء، وإذاعته بين الخاصة، لكان منه مذبة تطرد أولئك الأدعياء المتطفلين على موائد الشريعة المطهرة، يتبجحون بأنهم أهل للاجتهاد مع خلوهم من كل وسيلة، وتجردهم من الصفات التي تدنيهم من هذا الميدان سوى مجرد الدعوى، وتمكن الهوى، وترك أمر الدين فوضى بلا رقيب.
فترى فريقاً ممن يستحق وصف الأمية في الشريعة يأخذ ببعض جزئياتها يهدم به كلياتها، حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادي الرأي من غير إحاطة بمقاصد الشارع لتكون ميزاناً في يده لهذه الأدلة الجزئية؛ وفريقاً آخر يأخذ الأدلة الجزئية مأخذ الاستظهار على غرضه في النازلة العارضة، فيحكّم الهوى على الأدلة حتى تكون الأدلة تبعاً لغرضه، من غير إحاطة بمقاصد الشريعة، ولا رجوعٍ إليها رجوعَ الافتقار، ولا تسليم لما روى عن ثقات السلف في فهمها، ولا بصيرة في وسائل الاستنباط منها؛ وما ذلك إلا بسبب الأهواء المتمكنة من النفوس، الحاملة على ترك الاهتداء بالدليل، واطِّراح النصفة، وعدم الاعتراف بالعجز، مضافاً ذلك كله إلى الجهل بمقاصد الشريعة، والغرور بتوهم بلوغ درجة الاجتهاد. وإنها لمخاطرة في اقتحام المهالك أعاذنا الله.
ونعود إلى الموضوع فنقول إن صاحب «الموافقات» لم يذكر في كتابه مبحثاً واحداً من المباحث المدونة في كتب الأصول، إلا إشارة في بعض الأحيان لينتقل منها إلى تأصيل قاعدة، أو تفريع أصل، ثم هو مع ذلك لم يغض من فضل المباحث الأصولية، بل تراه يقول في كثير من مباحثه: إذا أضيف هذا إلى ما تقرر في الأصول أمكن الوصول إلى المقصود.
وجملة القول، إن كلاً مما ذكروه في كتب الأصول، وما ذكره في «الموافقات»، يعتبر وسيلة لاستنباط الأحكام من أدلة الشريعة، إلا أن القسم المذكور في الأصول على كثرة تشعبه، وطول الحجاج في مسائله، تنحصر فائدته في كونه وسيلة؛ حتى لطالما أوردوا على المشتغلين به الاعتراض بأنه لا فائدة فيه إلا لمن يبلغ درجة الاجتهاد، فكان الجواب الذي يقال دائماً: إن فائدته لغير المجتهد أن يعرف كيف استنبطت الأحكام؛ ولكن التسليم بهذا الجواب يحتاج إلى تسامح وإغضاء كثير، لأنه إنما يعرف به بعض أجزاء وسيلة الاستنباط مفككة منثورة؛ والبعض الآخر - وهو المتعلق بركن معرفة مقاصد الشريعة - فاقد. وما مثله في هذه الحالة إلا كمثل من يريد أن يعلمك صنعة النساجة فيعرض عليك بعض أجزاء آلة النسيج محلولة مبعثرة الأجزاء، ولا تخفى ضؤولة تلك الفائدة.
أما القسم الذي ذكره الشاطبي في الأجزاء الأربعة من كتابه فهو وإن كان جزءاً من وسيلة الاستنباط، يعرف به كيف استنبط المجتهدون أيضاً، إلا أنه في ذاته فقه في الدين، وعلم بنظام الشريعة، ووقوف على أسس التشريع، فإن لم نصل منه إلى الاتصاف بصفة الاجتهاد، والقدرة على الاستنباط، فأنا نصل منه إلى معرفة مقاصد الشارع، وسر أحكام الشريعة، وإنه لهدى تسكن إليه النفوس، وإنه لنور يشرق في نواحي قلب المؤمن، يدفع عنه الحيرة ويطرد ما يلمّ به من الخواطر، ويجمع ما زاغ من المدارك، فلله ما أفاد الشريعة الإسلامية هذا الإمام رضي الله عنه.
الوسط - محرر الشئون الإسلامية
قبل أن يدخل الامام الشاطبي (أبو إسحق) الذي توفي في غرناطة في العام 1388م (790هـ) في مباحثه لشرح مقاصد الشريعة وضع قواعد انطلاق لنظريته الفقهية التي جمعت بين المذهبين المالكي والحنفي. واعتمد منهجه على القواعد الآتية: أصول الفقه قطعية. أدلة أصول الفقه قطعية. الأدلة السمعية لا تفيد القطع بآحادها بل باجتماعها. كل مسألة لا تنبني عليها فروع فقهية فوضعها في أصول الفقه عارية. الاشتغال بالمباحث النظرية التي ليس لها ثمرة عملية مذموم شرعاً. التعمق في التعاريف والأدلة، والبعدُ بهما عن مدارك الجمهور بدعة. أن روح العلم هو العمل، إنما فضل العلم لكونه وسيلة إلى العمل. إنما يكون العلم باعثاً على العمل إذا صار للنفس وصفاً وخُلقاً. خذ من العلم لُبّه، لا تستكثر من مُلحه، وإياك وأغاليطه. العقل تابع للنقل في الأحكام الشرعية. لابد للعلم من معلِّم، ولابد في المعلم أن يكون متحققاً بالعلم. كل أصل لا يستقيم مع الأصول الشرعية، أو القواعد العقلية، لا يعتمد عليه.
وهذه هي أصول القواعد أو المقدمات النظرية التي وضعها الامام الشاطبي في الجزء الأول من كتابه «الموافقات في أصول الشريعة».
- المقدمة الأولى: أن أصول الفقه في الدين قطعية لا ظينة، والدليل على ذلك أنها راجعة إلى كليات الشريعة، وما كان كذلك فهو قطعي.
- المقدمة الثانية: أن المقدمات المستعملة في هذا العلم والأدلة المعتمدة فيه لا تكون إلا قطعية، لأنها لو كانت ظنية لم تفد القطع في المطالب المختصة به.
- المقدمة الثالثة: الأدلة العقلية إذا استعملت في هذا العلم فإنما تستعمل مركبة على الأدلة السمعية، أو معينة في طريقها، أو محققة لمناطها، أو ما أشبه ذلك، لا مستقلة بالدلالة، لأن النظر فيها نظر في أمر شرعي، والعقل ليس بشارع.
- المقدمة الرابعة: كل مسألة مرسومة في أصول الفقه لا تنبني عليها فروع فقهية أو آداب شرعية، أو لا تكون عوناً في ذلك، فوضعها في أصول الفقه عارية.
- المقدمة الخامسة: كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها خوض فيما يدل على استحسانه دليل شرعي؛ وأعني بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح من حيث هو مطلوب شرعاً.
- المقدمة السادسة: أن ما تتوقف عليه معرفة المطلوب قد يكون له طريق تقريبي يليق بالجمهور، وقد يكون له طريق لا يليق بالجمهور، وإن فرض تحقيقاً.
- المقدمة السابعة: كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما يكون حيث هو وسيلة إلى التعبد به لله تعالى، لا من جهة أخرى؛ فإن ظهر فيه اعتبار جهة أخرى فبالتبع والقصد الثاني، لا بالقصد الأول.
- المقدمة الثامنة: العلم الذي هو العلم المعتبر شرعاً - اعني الذي مدح الله ورسوله أهله على الاطلاق - هو العلم الباعث على العمل الذي لا يُخلِّي صاحبه جارياً مع هواه كيفما كان، بل هو المقيِّد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعاً أو كرها.
- المقدمة التاسعة: من العلم ما هو من صُلْب العلم؛ ومنه ما هو مُلَح العلم، لا من صلبه؛ ومنه ما ليس من صلبه ولا ملحه.
- المقدمة العاشرة: إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية، فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً، ويتأخر العقل فيكون تابعاً، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يُسرِّحه النقل.
- المقدمة الحادية عشرة: لما ثبت أن العلم المعتبر شرعاً هو ما ينبني عليه عمل، صار ذلك منحصراً فيما دلت عليه الأدلة الشرعية؛ فما اقتضته فهو العلم الذي طُلب من المكلف أن يعلمه في الجملة.
- المقدمة الثانية عشرة: من أنفع طرق العلم الموّصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام. وذلك أن الله خلق الإنسان لا يعلم شيئاً، ثم علّمه وبصرّه وهداه طرق مصلحته في الحياة الدنيا.
- المقدمة الثالثة عشرة: كل أصل علمي يتخذ اماماً في العمل فلا يخلو اما أن يجرى به العمل على مجاري العادات في مثله، بحيث لا ينخرم منه ركن ولا شرط، أولاً، فإن جرى فذلك الأصل صحيح؛ وإلا فلا.
لما بدا من مكنون السر ما بدا، ووفق الله الكريم لما شاء منه وهدى، لم أزل أقيد من أوابده، وأضم من شوارده، تفاصيل وجُملا، وأسوق من شواهده، في مصادر الحكم وموارده، مبيّناً لا مجملاً، معتمداً على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبيناً أصولها النقلية، بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة، ثم استخرت الله تعالى في نظم تلك الفرائد، وجمع تلك الفوائد، إلى تراجم تردها إلى أصولها، وتكون عوناً على تعقلها وتحصيلها، فانضمت إلى تراجم الأصول الفقهية، وانتظمت في أسلاكها السنية البهية، فصار كتاباً منحصراً في خمسة أقسام:
الأول: في المقدمات العلمية المحتاج إليها في تمهيد المقصود، والثاني: في الأحكام وما يتعلق بها من حيث تصورها والحكم بها أو عليها كانت من خطاب الوضع أو من خطاب التكليف، والثالث: في المقاصد الشرعية في الشريعة وما يتعلق بها من الأحكام، والرابع: في حصر الأدلة الشرعية وبيان ما ينضاف إلى ذلك فيها على الجملة وعلى التفصيل وذكر مآخذها وعلى أي وجه يحكم بها على أفعال المكلفين، والخامس: في أحكام الاجتهاد والتقليد والمتصفين بكل واحد منهما وما يتعلق بذلك من التعارض والترجيح والسؤال والجواب. وفي كل قسم من هذه الأقسام مسائل وتمهيدات، وأطراف وتفصيلات، يتقرر بها الغرض المطلوب، ويقرب بسببها تحصيله للقلوب.
ولأجل ما أودع فيه من الأسرار التكليفية، المتعلقة بهذه الشريعة الحنيفية، سميته بعنوان «التعريف بأسرار التكليف». ثم انتقلت عن هذه السيماء لسند غريب، يقضي العجب منه الفطن الأريب، وحاصله أني لقيت يوماً بعض الشيوخ الذين أحللتهم مني محل الإفادة، وجعلت مجالسهم العلمية محطاً للرحل ومناخا للوفادة، وقد شرعت في ترتيب الكتاب وتصنيفه، ونابذت الشواغل دون تهذيبه وتأليفه. فقال لي: رأيتك البارحة في النوم، وفي يدك كتاب ألفته، فسألتك عنه، فأخبرتني أنه كتاب «الموافقات»، قال: فكنت أسألك عن معنى هذه التسمية الظريفة، فتخبرني أنك وفقت به بين مذهبي ابن القاسم وأبي حنيفة، فقلت له: لقد أصبتم الغرض بسهم من الرؤيا الصالحة مصيب، وأخذتم من المبشرات النبوية بجزء صالح ونصيب، فإني شرعت في تأليف هذه المعاني، عازماً على تأسيس تلك المباني، فإنها الأصول المعتبرة عند العلماء، والقواعد المبني عليها عند القدماء، فعجب الشيخ من غرابة هذا الاتفاق، كما عجبت أنا من ركوب هذه المفازة وصحبة هذه الرفاق، ليكون - أيها الخل الصفي، والصديق الوفي - هذا الكتاب عوناً لك في سلوك الطريق، وشارحاً لمعاني الوفاق والتوفيق، لا ليكون عمدتك في كل تحقق وتحقيق، ومرجعك في جميع ما يعن لك من تصور وتصديق، إذ قد صار علماً من جملة العلوم، ورسماً كسائر الرسوم، ومورداً لاختلاف العقول وتعارض الفهوم، لا جرم أنه قرَّب عليك في المسير، وأعلمك كيف ترقى في علوم الشريعة وإلى أين تسير، ووقف بك من الطريق الساملة على الظهر، وخطب لك عرائس الحكمة ثم وهب لك
العدد 1463 - الخميس 07 سبتمبر 2006م الموافق 13 شعبان 1427هـ