في العام 1999، عندما أجرت إندونيسيا انتخاباتها الديمقراطية النزيهة الأولى منذ سنة 1956، والتي راقبها عن كثب مفتّشون قدموا من أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول حول العالم، فاز الحزب الإندونيسي الديمقراطي للنضال PDI-P الذي تقوده ميغاواتي بغالبية المقاعد.
بطبيعة الحال، لم ترض هذه النتيجة جميع الأطراف.
في حلقة مناقشة سرّية، عبّر بعض الدّاعمين الشباب لحزب منافس آخر في الانتخابات عن خيبة ظنّ أليمة، وسألوا زملاء آخرين لهم غير داعمين لحزب PDI-P عمّا يمكنهم فعله لقلب النتيجة.
كما صرّح أحد الدّاعمين لحزب غير مشهور عن عدم إعجابه بالنتيجة أيضا، وهو مسنّ إلى حدّ أنه قد يكون قد ولد قبل دخول النظام الجديد إلى السلطة. ثمّ شدّد على وجوب تقبّلهم خيار أكثرية الناخبين، كونهم جميعاً أرادوا حصول انتخابات ديمقراطية.
بدا من الملفت ملاحظة الأمر التالي: بينما نادى عالياً، ولأشهر عدة، الباحثون الساخطون من الشباب لإجراء انتخابات ديمقراطية، تمثّل كل مسعاهم في الواقع باستبعاد السلطة التي كانت حاكمة في ذلك الوقت، لاقتناعهم بأنّ إجراء انتخابات «ديمقراطية» قد يحقّق ذلك، كما أنّها قد تقود بالحزب الذين ناصروه إلى السلطة.
عندما لم تحقّق الانتخابات كل ما سعوا إليه، أرادوا تبديل الوضعين السابق والحالي. كونهم أمضوا حياتهم في ظلّ النظام الجديد حيث تقدّمت الحلول العسكرية «السريعة» على أية وسيلة أخرى، توقّعوا أيضًا، ومن دون وعي، النجاح في قلب النتيجة بما يتناسب وإرادتهم بطريقة سريعة. لقد اقتنعوا بأنّ غالبية الناخبين لم يدركوا مصلحتهم آنذاك وليس كونه تسنّت الفرصة لهم لاكتشاف الشعور العام في الشارع فعليًا. باختصار، لم يعرفوا ماذا دفع بهؤلاء الناخبين إلى انتخاب PDI-P بدلاً عن حزبهم.
يتعلّم الإندونيسيون منذ ذلك الحين، ولو ببطء وصعوبة، عن الإجراء الديمقراطي وجميع الملحقات التي قد تتبعه.
كان ذلك يشكّل درساً أقلّ تعقيدًا لو برهن الغرب، الذي يحتاجه الإندونيسيون في ما يتعلّق بمفهوم الديمقراطية، عن استقرار أكبر.
تراقب إندونيسيا، وهو بلدُ مسلم بغالبيته، حوادث الشرق الأوسط إذ يظهر عامل الدين بارزًا في المنتديات الدبلوماسية الدّولية وفي التغطية الإعلامية الدّولية. سواء كانوا موافقين على مبادئ التفجير الانتحاري وعمليات حزب الله العسكرية أم لا، يميل معظم المسلمين في إندونيسيا إلى الشعور بالظلم المستمر، ذلك لارتباط كلمة مسلم بتسمية الإرهابي في غالبية الأحيان. لا يمكن سوى للواثقين تمامًا من دينهم أن يقاوموا التأثير المزعج للإشارات المستمرّة في ما يتعلّق بهويّتهم كمسلمين.
يتعاطف معظم المسلمين في إندونيسيا، بإدراك، مع العائلات الفلسطينية المناضلة للحفاظ على أرضها أو للمطالبة باسترجاع أرضها، وبإدراك أيضاً، يرغبون في رؤية عدم التوازن الحاصل في تصوير الصحيح والخطأ لكلّ من الطرفين المتواجهين. والأهم من ذلك أنّه لا يخفى عليهم الظلم لجهة السلطات الغربية التي تتدّعي تعزيز الديمقراطية في المنطقة.
عندما أدّت الانتخابات الأخيرة في فلسطين إلى فوز «حماس»، صعب على السلطات الغربية تقبّل ذلك على رغم أنّ الانتخابات قد جرت بأسلوب ديمقراطي، تحت إشراف مراقبين دوليين. قد لا ترضيهم النتيجة، ولكنهم يزعمون التحقق منها كونها شكّلت جزءًا من إجراء ديمقراطي؛ ألم يكن أكثر حكمة تقبّل الواقع وإعادة النظر في الأوضاع والاستراتيجيات استنادا إلى الواقع الجديد، بدلاً من السعي إلى تبديله؟ وألم يكن من الحكمة التمسّك بالمبادئ الديمقراطية لاكتشاف سبب لجوء الأكثرية إلى «حماس»؟
من الواضح أنّه كان هناك تراكم للاستياء والغضب، وشعور بأنهم مسلوبو الحقوق، لذلك عادوا ولجأوا إلى «حماس». والأمر الآخر غير الواضح تماماً، هو شعورهم بأنّه ما من شيء آخر يخسرونه. إنّ التغاضي عن هذا اليأس الكبير بسبب وجود حلّ أسهل وأسرع للمشكلة الخيار العسكري هو بمثابة وضع قنابل موقوتة في المنطقة. وعند انفجارها، يرجّح أن تدمّر تلك القنابل أكثر مما تمّ إنجازه عبر سلوك هذا الطريق المختصر.
إنّ تفضيل الخيار العسكري جعلنا ننسى الطريق الأكثر سلمًا وإنما الأكثر استنفاذًا للوقت، والذي يدفعنا للإصغاء إلى شكاوى بعضنا بعضاً، والأفضل من ذلك أنه يدفعنا إلى التعرّف أكثر على بعضنا بعضاً بأقلّ ضرر ممكن.
ما نقوم به اليوم هو التصرّف على افتراض أننا نعلم ما هو الأفضل للشعوب الأخرى، في حين أننا لم نبذل سوى جهد قليل في محاولة لتفهّم مشاعرهم وتطلّعاتهم.
هل لدينا فكرة حقيقية بشأن مختلف تطلّعات الإسرائيليين مثلاً؟ هل يرغب جميعهم في تدمير الفلسطينيين؟ هل جميعهم موافق على ما يحصل في منطقته؟
قد يبدو ذلك عملاً شاقًا، ولكن إذا كنّا على يقين بأنه سيؤدّي إلى بناء عالم أفضل، فلماذا لا نشرع بتطبيقه؟
هل هذا بسبب ما قاله جورج برنارد شاو سابقًا: «إنّ معرفة القليل هو أمر خطير»؟ إذًا أصغ إلى الشق الثاني: «ولكن يجب أن نخاطر إذ يساوي القليل ما يمكن أن تحويه رؤوسنا الكبيرة».
دووي أنغرايني
صحافية إندونيسية، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1463 - الخميس 07 سبتمبر 2006م الموافق 13 شعبان 1427هـ