ذكر خبير التحول الرقمي خليل المرزوق أن «التجربة الاستونية التي يسترشد بها الجهاز المركزي للمعلومات تخترق فيها سرية التصويت وذلك لوجود مدونات من أجل حفظ العملية من التلاعب، إلا أن هذه المدونة تمكن الجهاز المركزي للمعلومات من ربط الصوت بالمصوت والتعرف على المرشح الذي صوت له الناخب»، مشيراً إلى أن «المادة السادسة و العشرين من قانون مباشرة الحقوق السياسية توضح بشكل لا يقبل الشك أن التصويت يجب أن يكون سرياً ومباشراً».
و أردف المرزوق قائلا: «الجهاز المركزي للمعلومات يسترشد ويستشهد بالتجربة الاستونية على أساس أنها تجربة ناجحة في التصويت الإلكتروني، وبحسب تعبير مسئولي الجهاز فإن استونيا قريبة جداً من البحرين من ناحية التطور التقني والكثافة السكانية والديمقراطية الحديثة على رغم تحفظنا على الأخيرة»، مشيراً إلى أن «استونيا وبحسب المعلومات المتوافرة لدي - من المواقع الرسمية في الإنترنت - بدأت بالتفكير بالتصويت الإلكتروني في العام 2000 وكان اعتمادها الأساسي على البطاقة الذكية، كما اعتمدت التجربة على سعة استخدام الحاسب الآلي إذ يبلغ عدد من يستخدمونه 48 في المئة، و80 في المئة من هؤلاء يستخدمون الإنترنت، إذ ان الإنترنت تعتبر حقاً دستورياً في استونيا». وأوضح أن «الاستطلاعات الأولية كانت تشير إلى رغبة كبيرة في التصويت الإلكتروني عند الاستونيين وكانت النسب تتراوح بين 30 و60 في المئة وذلك بحسب الأعمار والمستوى الدراسي للناخبين، وعلى رغم كل ذلك الحماس فإن التجربة الاستونية لم تستطع أن تستقطب سوى أقل من 1 في المئة من الكتلة الانتخابية والبالغ عددها أكثر من مليون ناخب»!.
وأضاف المرزوق أن «هذا العدد من الناخبين الذي لم يتجاوز 10 آلاف ناخب من أصل نحو 470 ألفاً شاركوا في الانتخابات البلدية للعام 2005 وعلى رغم ما قيل عن نجاح التجربة وعلى رغم الحماس الكبير المفترض، لم تستقطب سوى أقل من 1 في المئة من الناخبين»، مشيراً إلى أن «هذا يؤكد توقعنا بألا يكون استخدام التصويت بنسبة كبيرة في التجربة البحرينية - إذا فرض تطبيقه أو حتى توافق بشأنه - لأن ذلك نسق عالمي في استخدام التقنية أول مرة، فلا أعلم لماذا الإصرار على فرض التطبيق هنا في هذا الوقت الحرج والمكهرب بعدة إشكالات سياسية».
وبيّن أن «عنصر النجاح في التجربة الاستونية استند إلى ثلاثة مبادئ أساسية، هي الأساس القانوني المتين للتصويت الإلكتروني، والاستخدام الواسع للبطاقة الذكية، بالإضافة إلى وجود قائمة مرشحين إلكترونية»، مؤكداً أن «المبدأ القانوني مر بمراحل تأصيل عدة بدأت في العام 2002 وذلك عبر قراءة أولية للقانون الانتخابي الذي يسمح بالتصويت الإلكتروني، وشاركت في مناقشة القانون معظم الكتل السياسية الممثلة في البرلمان الاستوني»، وقال: «كما عدل القانون في العام 2004 بعد مشاركة أحزاب أخرى ونتيجة للتجارب، وآخر محطة مر بها قانون التصويت الإلكتروني كان اعتراض رئيس الدولة عليه وذلك لإمكان تكرار التصويت فيه إلا أن المحكمة الدستورية ثبتت القانون مع تكرار التصويت»، معتبراً أن «نجاح التجربة الاستونية استند إلى المتانة القانونية للعملية، إذ غطى الكثير من معالجات الأمور التي قد تنتج من استخدام التقنية مع وجود قانون مساند وهو قانون الهوية والبطاقة الذكية في جانبها الإلكتروني ولم يكتف بكلمة مطاطة كما لدينا»، منوهاً إلى أن «استونيا فيها 850 ألف شخص يحملون البطاقة الذكية قبل الانتخابات، كما أن شبكة الخدمات الإلكترونية فيها نحو 106 آلاف مستخدم تقدم خدمات 355 مؤسسة وتحتوي الشبكة على 50 قاعدة بيانات وطنية. بعبارة أخرى ان الشعب الاستوني متمرس على خدمات حكومية عبر استخدام البطاقة الذكية والإنترنت بحسب التقارير، وهذا ما نفتقده في البحرين».
وقال المرزوق: «وفي الجانب الإداري والسياسي، هناك لجنة وطنية للانتخابات تشكل من جميع الفئات وتكون محور التحرك، وهي المشرفة على العملية الانتخابية منذ بدايتها، وإذا أردنا الحديث عن جانب إداري صحيح فهو ما قامت به استونيا فهي كلفت لجنة وطنية يتمثل فيها جميع الأطياف»، مشيراً إلى أن «اللجنة الوطنية كانت المرجع لإدارة كل ما يتعلق بالتصويت الإلكتروني وذلك منذ بداية فكرته وتكوينه وتطبيقه ومراجعته، كما أن اللجنة بدأت بمجموعة من فرق العمل وتجارب عدة ووضع مواصفات المشروع»، موضحاً أن «اللجنة قامت بعد النجاحات الأولية بإعلان مناقصات وتم إرساء 3 منها وهو ما لم نره في البحرين - لا أعلم كيف يصرفون على المشروع وهل هناك تجاوز لآليات مجلس المناقصات - كما أنه في العام 2004 تمت تجربة فعلية للتصويت الإلكتروني في مدينة تلين».
وبعد كل ذلك تمت تجربتها في الانتخابات البلدية للعام 2005 والمشروع تكلف نحو 5 ملايين بالعملة المحلية لاستونيا، مضيفاً «كما استخدمت استونيا قواعد ضبط للتصويت الإلكتروني فأعطي الناخبون 3 أيام للتصويت الإلكتروني قبل يوم الانتخابات، وكان هناك إمكان لتكرار التصويت وعلق التصويت الإلكتروني يوم الانتخابات مع إمكان أن يصوت الناخب بالطريقة العادية فيلغى التصويت بالطريقة التقليدية ما سبقه من تصويت إلكتروني»، منوهاً إلى أن «اللجنة الوطنية هي المكلفة الوحيدة بعدِّ الأصوات وتحرص على عدم تكرار الأصوات و إلغاء التصويت الإلكتروني في حال قام الناخب بإدلاء صوته بالطريقة التقليدية، كما أن القانون يعاقب أي شخص يستخدم بطاقة الغير»، مؤكداً أن «موقع الانتخابات يوضح جميع الخطوات القانونية للتصويت الإلكتروني سواء في الانتخابات البلدية أو النيابية».
المعلومات ستكون مرهونة للجهاز المركزي
وأوضح المرزوق أن «التجربة الاستونية اعتمدت في الجانب التقني على البطاقة الذكية والموجودة فيها الشهادة الإلكترونية وذلك لتمكن الناخب والقائمين على عملية التصويت من إضافة نوع من الأمن المعلوماتي عن طريق تشفير الصوت ووضعه في مغلف إلكتروني أكبر يحتوي على هوية الناخب، ثم تفصل الأصوات ويتم الفرز»، مشيراً إلى أن «المشكلة تكمن في أن هذه المعلومات ستكون موجودة لدى الجهات المشرفة على الانتخابات، وفي حال طبق التصويت الإلكتروني في البحرين فإن جميع المعلومات المخزنة ستكون بيد الجهاز المركزي للمعلومات ويمكن ربط بين الصوت والناخب وبحسب المادة السادسة و العشرين من قانون مباشرة الحقوق السياسية )تعتبر باطلة جميع الأصوات المعلقة على شرط، أو التي تعطى لعدد أكثر من العدد المطلوب انتخابه، أو المثبتة على غير البطاقة المعدة لذلك، أو التي تحمل أية علامة تشير الى شخصية الناخب أو تدل عليه(، وبحسب النص السابق فإن التصويت الإلكتروني ينافي السرية وذلك لأنه لا خصوصية للمصوت، و بما أن البحرين ستتبع العملية نفسها تقريباً فهذا يعني بطلان الأصوات الإلكترونية»، موضحاً أن «وجود هذه الهيكلية المفترضة التي وان أريد لها أن تحافظ على الأمن المعلوماتي من أن يمس - وهي مسألة لا تثبت إلا بالتدقيق المكثف ولا تنفي احتمالات الاختراقات، لكن وجود المدونات )جداس( يساعد من يمتلك المعلومات في المستقبل على كشف سرية الناخب، ولمن أعطى صوته وهذا خلاف للقانون وذلك عبر وجود المدونات التي لا يمكن الاستغناء عنها»، منوهاً إلى أن «معظم أدبيات الأمن المعلوماتي تشير إلى أن 70 في المئة من الاختراقات تتم عن طريق القائمين على المنظومات الإلكترونية، وباقي الاختراقات تتم من الخارج، والسبب في ذلك يعود إلى أن القائمين على النظام يعلمون بتفاصيل المنظومة ومفاتيح تشغيل النظام والكلمات السرية، وهذا ما يدعونا إلى المطالبة بألا يكون الجهاز المركزي للمعلومات هو القائم على العملية الانتخابية». وتحدث المرزوق عن التجربة البحرينية إذ أشار إلى أن «الجهة المشرفة على الانتخابات في استونيا هي لجنة وطنية ممثلة فيها جميع الأطياف بينما في البحرين يمتلك الجهاز المركزي للمعلومات العملية بكاملها وينقصه فقط أن يرشح الأشخاص وينتخبهم ليكون هو من قام بالعملية بكاملها، كما أن استونيا ناقشت الجانب القانوني مع جميع الكتل السياسية بينما نحن في البحرين يتم الاعتماد على كلمة مطاطية من أجل فرض التصويت الإلكتروني»، مضيفاً «جميل جداً أن نأخذ مبدأين، أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون وألا نعيد صناعة العجلة، إلا أننا وعلى رغم استرشاد البحرين بالتجربة الإستونية فإننا نلاحظ أن البحرين لا تطبق منهجية التجربة الاستونية من حيث المشاركة المجتمعية الحقيقية والمتانة القانونية والتجارب والفحوص التقنية المتعددة»، موضحا أنه «وعلى رغم أن استونيا لم تطبق التجربة إلا بعد تجارب عدة، فإننا في البحرين يراد تطبيق التجربة علينا في يوم واحد وبضبابية كبيرة، كما أنه في نهاية المطاف فإن التجربة الاستونية لم يصل عدد المستخدمين فيها الا إلى 1 في المئة من الكتلة الانتخابية، فواأسفاه على الملايين التي ستصرف»!، مؤكداً أن «كل هذا الجدل والتوتر السياسي يمكن بعده ألا نصل إلى ما وصلت إليه التجربة الاستونية في نسبة المشاركة، والسبب أننا في البحرين لا نملك مقومات النجاح التي استفاد منها الآخرون»، منوها إلى أنه «سيعتبر معيباً على التجربة، لو كتب لها النجاح بالفرض القسري، أي أن نفاجأ بأن يكون أكثر مستخدمي البطاقة الذكية ومن يحملونها هم من حاملي الجنسية الجدد أو مزدوجي الجنسية، ولا يعقل أن غالبية من سعو إلى استصدار البطاقات الذكية هم ممن يقطنون بالخارج، وأنهم هم من استخدموها في التصويت لو فرض تطبيقه وهذا خلاف النسق العالمي والقريب من المنطق»
العدد 1462 - الأربعاء 06 سبتمبر 2006م الموافق 12 شعبان 1427هـ