الملف السياسي في «الوسط» هذا اليوم (انظر ص 20 و21) يتحدث عن جمعيات الـ «غونغو»، والاسم مستمد من اللغة الانجليزية وهو يصف نوعاً من مؤسسات المجتمع المدني، تتحرك داخل المجتمع ولكن على أساس أجندة تضعها لها جهات في مواقع رسمية. مؤسسات المجتمع المدني اتخذت صفة مميزة في العقود الأخيرة، واعتبرها كثير من المفكرين بأنها الرئة التي يتنفس من خلالها المجتمع التعددية والذاتية في الحركة، ضمن حدود حقوق الانسان، وبالتالي فإنها تمهد للممارسة الديمقراطية على مستوى القاعدة (المجتمع)، ومن ثم تصعد هذه الممارسة الى الأعلى (الدولة). ومنذ العام 1993 أصبح دور مؤسسات المجتمع المدني (يطلق عليها أيضا مسمى منظمات غير حكومية) يظهر بشكل واضح على المستوى الدولي. ففي 1993 انعقد في فيينا الموتمر العالمي لحقوق الانسان، وقامت الامم المتحدة باعادة صوغ أجندة حقوق الانسان على المستوى العالمي. وعلى رغم ان المنظمات غير الحكومية كانت حضرت بصفة المراقبة (الاستماع الى النقاش من دون امتلاك حق التصويت) فإنها استطاعت ان تؤثر كثيراً في صوغ الاجندة الدولية. في هذه الفترة بالذات بدأت عدة دول في اوروبا الشرقية ومناطق اخرى في العالم تتجه نحو الديمقراطية، وكان واضحاً دور مؤسسات المجتمع المدني في هذا التحول، ما عزز فكرة المجتمع المدني بصفتها دعامة أساسية للاصلاحات السياسية.
ولكن «الحاجة أم الاختراع»، فبدلاً من ان تقوم بعض الدول بمنع مؤسسات المجتمع المدني، سارعت الى خلق جمعيات تملأها بأشخاص مدفوعين رسمياً ليتحدثوا باسم المجتمع المدني ولكن بهدف تحقيق أجندة رسمية... وعلى أساس ذلك انتشرت ظاهرة جمعيات الـ «غونغو». هذه الجمعيات تراها تنشط للدفاع عن مواقف الحكومة، سواء كانت المواقف الرسمية صحيحة أم خاطئة، وتذهب هذه الجمعيات الى جنيف والعواصم الدولية للتحدث باسم المجتمع ولكن من دون ان تكون فعلاً ممثلة للمجتمع المدني. وعليه، فاذا كانت مؤسسات المجتمع المدني تساعد على الديمقراطية، فان جمعيات الـ «غونغو» تسير في الاتجاه المعاكس، وهي تخدم أجندات شخصية، والقائمون عليها لا يهمهم لو كان مجتمعهم يتنفس أو يختنق ديمقراطياً
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1460 - الإثنين 04 سبتمبر 2006م الموافق 10 شعبان 1427هـ